كيف انتصر سليمان القانوني على عصبة الملوك الكاثوليك المتعصبين؟
بقلم د. محمد الجوادي
إذا أردنا أن ندرك القيمة الحقيقية للدولة العثمانية في عصر صعودها فإن بوسعنا بمنهج العلم التاريخي أن نتأمل في بانوراما الملوك الذين وجد سليمان القانوني في عصرهم، والذين كانوا من أقطاب الكاثوليك المنتمين للملكة إيزابيلا (المصنفة كأكبر أعداء الإسلام) وباختصار شديدة فقد كان هؤلاء هم أقطاب أوربا المتعاصرون الذين تعاقبوا في توليهم الحكم في بلادهم قبيل أن يصل سليمان القانوني إلى الخلافة:
– منذ 1495 كان مانويل الأول 1469- 1521ملكا للبرتغال حتى خلفه ابنه في 1521 [ومانويل هو زوج ابنتين من بنات الملكة إيزابيلا وحفيدة من حفيداتها كما أنه حمو حفيدها الوريث]
– في 1509 أصبح هنري الثامن 1491 ـ 1547 ملكا لإنجلترا وإيرلندا حتى وفاته [وهنري هو زوج ابنة من بنات الملكة إيزابيلا وقد تزوجها بعد أخيه الذي مات وهو ولي للعهد]
– في 1513 أصبح كريستيان الثاني 1481-1559 ملكا للدنمرك حتى وفاته [وكريستيان هو زوج حفيدة من حفيدات الملكة إيزابيلا]
– في 1516 أصبح كارلوس الرابع 1900 – 1558 إمبراطورا رومانيا وحتى 1556 حيث دخل الدير معتزلا الحياة قبيل وفاته [وكارلوس هو أهم حفيد للملكة إيزابيلا فهو الذي آل إليه ملكها وملك زوجها مع ملك أجداده الآخرين كما أنه زوج حفيدة من حفيدات الملكة إيزابيلا]
– في 1516 أصبح لويس الثاني 1506- 1526 ملكا للمجر حتى وفاته [ولويس هو زوج حفيدة من حفيدات الملكة إيزابيلا]
– في 1520 أصبح فرنسوا الأول 1594- 1547 ملكا لفرنسا حتى وفاته [وفرنسوا هو زوج حفيدة من حفيدات الملكة إيزابيلا لكنه الوحيد الذي تحالف مع المسلمين]
– في 1521 أصبح جون الثالث 1502- 1557 ملكا للبرتغال حتى وفاته [وجون هو حفيد الملكة إيزابيلا وهو زوج حفيدة من حفيداتها]
من حيث الأهمية فإن الإمبراطور الروماني المقدس كارلوس كان الأكثر نفوذا ومساحة وعتادا، وسنتحدث عنه في الفقرة التالية باعتباره مركز النسب بالآخرين لنسهل على القارئ تصور قوة وعلاقات النسب التي ربطت هؤلاء العصبة في مواجهة سليمان القانوني والدولة العثمانية، ولم يتحالف معه منهم إلا فرنسوا الأول ملك فرنسا. فمانويل ملك البرتغال الأب مانويل الأول ملك البرتغال (1495 ـ 1521) هو حموه وهو زوج خالتيه إيزابيلا وماريا كما أنه زوج شقيقته الأولى إليونورا، وهنري الثامن ملك إنجلترا هو زوج خالته كاثرين، وكريستيان الثاني ملك الدنمرك هو زوج شقيقته الثانية إيزابيلا، ولويس الثاني ملك المجر هو زوج شقيقته الثالثة ماري، وفرنسوا الأول ملك فرنسا هو الزوج الثاني لشقيقته الاولى إليونورا، وجون الثالث ملك البرتغال هو زوج شقيقته الرابعة كاثرينا، وهو شقيق زوجته، وهو ابن زوج أخته إليونورا، وابن زوج خالتيه إيزابيلا وماريا. وماري الأولى ملكة إنجلترا هي ابنة خالته وفرديناند الأول (1503 ـ 1564) هو شقيقه الذي خلف في بعض ملكه، وفيليب الثاني (1527 ـ 1598) هو ابنه الذي خلفه وخلف شقيقه.
كان الإمبراطور كارلوس الأول 1900 – 1558 الذي تحالف الخليفة سليمان القانوني (العثماني) 1594- 1566والملك فرانسوا الأول (الفرنسي) في مواجهته (وكلاهما من مواليد 1494) أي يكبُرانه في السن بست سنوات فقط قد كوٌن مملكته الواسعة بالميراث عن الأب والأم والجدتين والجدين على النحو الذي سنلخصه، وسوف نحرص على أن نستعرضُ هذا التكوين المعقد وعلاقته بالإرث بطريقة سلسة ومُبسّطة تكفل فهم الصورة الحضارية التي كان على سليمان القانوني وفرنسوا الأول أن يواجهاها، وقد نجحا في مواجهتها لمصلحة تاريخ الإنسانية حتى لو لم يفهم هذا كثير من أبناء الإسلام وأبناء المسيحية على حد سواء.
كان أبوه هو فيليب الأول ملك قشتالة (1478 ـ 1506) الذي عاش 28 سنة فقط قبل أن يموت بالتهاب رئوي حين كان ابنه كارلوس في السادسة من عمره، وكان قد أنجب ابنه هذا وهو في الثانية والعشرين من عمره (1500) كما أنجب بعد ثلاث سنوات ابنه فرديناند الأول (1503 ـ 1564) الذي خلف شقيقه في بعض ملكه حوالي 8 سنوات حتى توفي في 1564 أي أن الأخوين عاصرا سليمان القانوني وماتا قبله.
في 1496 (أي بعد مولد سليمان القانوني وفرنسوا الأول بسنتين وقبل مولد كارلوس نفسه بالطبع) تزوج والد كارلوس من والدته.. كانت الوالدة أعظم مُلكا من الوالد فهي نفسُها ابنة الملكين المُتعصٌبين المشهورين اللذين آذيا الحضارة الإسلامية والمسلمين واليهود بزواجهما وتعصٌبهما وسياساتهما المُعادية لكل حقوق الإنسان ولكل أصول الحضارة.. كانت هذه الوالدة هي خوانا (المعروفة في تاريخ الغربيين بخوانا المجنونة) ابنة الملكين القطبين فرناندو ملك أراغون المدفون في غرناطة (1452 ـ 1516) وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة (1451 ـ 1504) المدفونة في غرناطة أيضا. وكان اتحاد قشتالة وأراغون نموذجا مبكرا لما نعرفه الآن من الاتحادات غير الفيدرالية التي لا تذوب فيه شخصية الدول المتحدة وإنما تبقى كل منها محتفظة بنظمها وبكيانها.
نعرف أنه في عهد هذين الزوجين الذين نسب بدء تشجيع اكتشاف أمريكا إلى عصرهما (من باب المجاملة التي ترقى إلى درجة التزوير) انتهى الوجود الإسلامي في إسبانيا بالاستيلاء على غرناطة التي دُفنا فيها تعبيرا عن اعتزاز الزوجين الملكين بانتصارهما فيها على عبد الله الصغير الذي سلمهما مفاتيح المدينة في موكب خزي وعار يليق بقصور همته على نحو ما قالت له والدته. وفي عهدهما تم إجبار المسلمين واليهود (على حد سواء) على اعتناق الكاثوليكية أو القتل أو الرحيل.
لم يكن لإيزابيلا هذه الملكة المعروفة جيدا في التاريخ الإنساني من الفكر إلا فكرة واحدة هي مُحاربة الإسلام بكل وسيلة والعمل على الخلاص من الوجود الإسلامي نهائيا، وهي التي أنشأت أبشع صور اللاإنسانية الأفظع من الوحشية متمثلة في محاكم التفتيش التي طردت ثلاثة ملايين مسلم من موطنهم بعد أن استولت على ممالك المسلمين مملكة بعد الأخرى إلى أن تمكٌنت مع زوجها من الاستيلاء على غرناطة 1492.
ومن العيب أن يقول أيٌ مُؤرٌخ (حتى لو كان معاديا للإسلام) سقوط غرناطة لأن مدينة غرناطة وجه الحضارة الإسلامية لم تسقط حتى الآن على الرغم من استيلاء هذين الملكين المسيحيين المُتعصٌبين عليها منذ أكثر من خمسة قرون.
(المصدر: مدونات الجزيرة)