مقالاتمقالات مختارة

كورونا ونظام الملالي.. كلاهما أخطر من الآخر

كورونا ونظام الملالي.. كلاهما أخطر من الآخر

بقلم أحمد مصطفى الغر

“هناك دول لديها مشكلة واحدة فقط، وهي وباء فيروس كورونا المستجد، أما نحن هنا فإننا نقاتل على جبهتين، نحارب الفيروس، ونعالج المصابين بالتسمم الكحولي”؛ هكذا تحدث “د. حسين حسنيان”، مستشار وزارة الصحة الإيرانية، عقب الإعلان عن وفاة حوالي 480 مواطن إيراني، وإصابة نحو 2850 آخرين حتى الآن، بالتسمم بعد تجرعهم الميثانول، نتيجة اعتقادهم الخاطئ بأنه سيقيهم من خطر فيروس كورونا. فمن لم يمت في إيران نتيجة كورونا.. يمت بما يُفتَرض جهلًا أنه الواقي منه، وهنا تبرز الأسئلة: لماذا وصل الحال بالإيرانيين إلى هذا الوضع المأساوي في مواجهة هذا الفيروس؟، ألم تحدث حالات التسمم تلك نتيجة وصفات مزعومة للوقاية انتشرت بين الناس، بعدما فقدوا الثقة بحكومتهم؟، أليس النظام الإيراني هو المتسبب الأول فيما وصلت إليه الأمور في البلاد؟

في ديسمبر الماضي، وبينما كانت رقعة انتشار الفيروس لا تزال ضيقة ومحدودة، أبلغ وزير الصحة الإيراني السابق “حسن قاضي زاده هاشمي”، كبار مسؤولي النظام الإيراني بمخاوفه من مخاطر تفشي فيروس كورونا في البلاد، وحذرهم من أن النظام الصحي الحالي لن يكون قادرًا على مواجهة الفيروس إذا تفشى بين المواطنيين، لاحقًا.. أرسل “هاشمي” مقترحاته بسرية لاحتواء الفيروس إلى رئاسة الجمهورية، إذ لم يرغب الرجل في أن يعلن عن تفشي الفيروس للرأي العام، لذا أرسل تحذيراته بهدوء للنظام، معتقدًا أنها يمكن أن تكون أكثر فعالية. لكن كل ذلك لم يجد من يهتم به، فقد كانت البلاد مشغولة بالانتخابات الداخلية، ولم يكن أحدًا في النظام لديه الرغبة في أن يفسد هذا العُرس الانتخابي، الديموقراطي ظاهريًا، وكان على إيران أن تنتظر حتى يوم 19 فبراير، لكي تقتنع السلطات بضرورة الإعلان عن الإصابات، فأعلنت على استحياء، أن شخصين تم اختبارهما إيجابيًا لفيروس كورونا في مدينة قم، وفي نفس اليوم، أعلنت وزارة الصحة وفاة الشخصين. وتحت ضغوط شعبية وانتشار للشائعات وأخبار الفيروس بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطرت وزارة الصحة أن تعلن عن 3 حالات جديدة من الإصابة بكورونا في مدينة قم أيضا، التي تعتبر أهم المراكز الشيعية في إيران. ومع ازدياد الفزع بين المواطنين؛ أوكل المرشد “علي خامنئي” مسؤولية ملف مكافحة كورونا في البلاد للحرس الثوري، وليس مستغربًا على النظام الإيراني أن يوكل كل الملفات الحساسة إلى الحرس الثوري، ولكن المستغرب حقًا هو أن يتم التعامل مع الأزمة باعتبارها قضية أمنية بحتة، إذ بدأت عناصر الحرس الثوري بشن حملة اعتقالات واسعة ضد الصحفيين والمواطنين والمسؤولين الذين ينتقدون سوء إدارة الأزمة أو يعلنون عن أرقام حقيقية للإصابات أو الوفيات بسبب الفيروس، بل وحتى ضد من ينشرون سبل التوعية الصحيحة التي تدعو المواطنيين إلى العزل الصحي الوقائي.

كانت السياسة المتبعة للتعامل مع الوباء قائمة بشكل أساسي على التكتم على حقيقة انتشاره، إضافة إلى التهوين من مخاطره، وبالرغم من إعلان 16 دولة أن لديها حالات إصابة أصلها من إيران، كان النظام الإيراني يتغيب دائمًا عن الرد والتعقيب على ما يُقال في هذا الصدد، بل إن المرشد “علي خامنئي” خرج ليتهم “أعداء إيران بالتهويل من شأن التهديد الذي يمثله الفيروس”، بينما كان الرئيس الإيراني “حسن روحاني” يكرر كلمات خامنئي، ويحذر ممن أسماهم “المتآمرين وناشري الذعر من أعدائنا”، مشيرًا إلى أنهم يعملون على إصابة البلاد بالشلل، بل إنه كان يحثّ الإيرانيين على مواصلة حياتهم اليومية والاستمرار في الذهاب للعمل. وبالفعل انصاع الناس للتطمينات الحكومية، متجاهلين التحذيرات التي كان يطلقها بعض النشطاء وقوى المعارضة، فكانت الطرق مزدحمة بالحركة ويمارس الناس حياتهم بصورة طبيعية تمامًا، غير مدركين أن ثمة كارثة إنسانية تلوح في الأفق، وفيما كان العالم يوقف كافة رحلاته من وإلى الصين، إلا أن إيران أبقت على 55 رحلة مفتوحة مع ووهان، بؤرة تفشي الفيروس. يُقال أن ما يمكن إخفاؤه لبعض الوقت، لا يمكن إخفاؤه للأبد؛ فمع الوقت أصبح تفشي كورونا في إيران أمرًا واضحًا، ووفقًا للبيانات الرسمية فإن كل ساعة تقريبًا كانت تشهد إصابة 50 شخصًا بالفيروس، فيما تشهد كل 10 دقائق حالة وفاة إثر عواقب الإصابة بكورونا، كانت البيانات صادمة، وفيما الأرقام الرسمية للسلطات الإيرانية تبقي على معدلات متدنية، كانت مواقع المعارضة نقلًا عن مصادرها تنشر أرقام أكبر بكثير. وفيما يقف النظام الصحي الإيراني منهارًا في مواجهة تفشي الوباء، رفضت الحكومة الإيرانية عرض مساعدة أمريكية، وقال “خامنئي”: “لا يمكن لإيران الوثوق بالولايات المتحدة”، ملمحًا إلى نظرية المؤامرة، وأن الولايات المتحدة هى من تقف وراء تفشي الفيروس، وأن الفيروس مصمم خصيصًا لإيران باستخدام البيانات الجينية للإيرانيين التي تم الحصول عليها من خلال وسائل مختلفة، لكن دون تقديم أي دليل على ذلك.

بعد أن فطنَّ النظام الملالي متأخرًا إلى خطورة الوضع؛ تم إغلاق المدارس والجامعات والأضرحة، كما تمّ حظر التجمعات الثقافية والدينية ومنع السفر بين المدن، وبدأت النظام في التملص من مسؤولياته والتأخر في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمواجهة تفشي الفيروس، بل بدأ النظام في إلصاق التقصير الحادث إلى العقوبات الخارجية، مثلما فعل وزير الخارجية “محمد جواد ظريف”، الذي قال إن “خدمة الرعاية الصحية الإيرانية معرضة للخطر بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران”، لكن الولايات المتحدة ذلك وأكدت أن عقوباتها لا تقيد قدرة إيران على استيراد الإمدادات الطبية، كما أن السلع الإنسانية معفاة من تلك العقوبات. الإيرانيون على دراية بأن النظام يخدعهم فيما يخص مواجهة الوباء، وليسوا في حاجة لدلائل بقدر ما تكفي رؤيتهم لـ “إيراج هاريرشي”، وكيل وزارة الصحة، وهو ينفي مزاعم النائب البرلماني من قم “أحمد أميرابادي فاراحاني” الذي قال في البرلمان، إن 50 شخصًا توفوا في المدينة في غضون أسبوعين، كان “هاريرشي” ينفي مزاعم “فاراحاني” وهو يتصبب عرقًا ويسعل بشدة، بل إنه قال أنه سيستقيل لو كان عدد الضحايا نصف الرقم المذكور، لم تمر سوى ساعات قليلة ليتم الإعلان عن إصابته بالفيروس، حيث كان أول مسؤول إيراني، من بين كثيرين، أصيبوا بالعدوى. لا شك أن تفاقم الأوضاع منذ سنوات في إيران قد دفع بنظام الملالي للمناورة بالاشارة إلى العدو المفترض عبر نظريات المؤامرة، وبأسلوب عاطفي أراد استمالة الجبهة الداخلية التي تعيش غليانًا منذ اندلاع الاحتجاجات الأخيرة.

في وقتٍ يلتهم فيه فيروس كورونا يوميًا أرواح الكثير من الإيرانيين، حيث تعدّ إيران إحدى الدول الست الأولى عالميًا من حيث عدد ضحايا الفيروس المستجد، وتحتل المرتبة الرابعة في أعداد الوفيات. لا يزال النظام يعطل أي مبادرة للتكافل في الداخل الإيراني، وذلك لمنع الوصول إلى الأرقام الحقيقية لعدد الوفيات والمصابين جراء الإصابة بالفيروس، ولا يزال في نفس الوقت غير قادر على احتواء تفشي الوباء في البلاد بسبب ضعف المعدات الطبية وتهاوي النظام الصحي أمام الجائحة الحالية، فيشكل النظام الإيراني الحاكم في حد ذاته مشكلة لا تقل في خطورتها عن الفيروس، هنا يتساءل المواطنون الإيرانيون، ومعهم المبعوث الأمريكي الخاص لإيران “برايان هوك”: ماذا لو لم تنفق إيران المليارات على الإرهاب والميليشات المسلحة والحروب الخارجية، وأنفقت نصفها أو حتى عُشرها على نظام رعاية صحية أفضل؟

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى