مقالاتمقالات مختارة

كلية العقيدة في جامعة الحج

بقلم فضيلة د. مهران ماهر عثمان ( عضو رابطة علماء المسلمين )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فالحج جامعة عظيمة تغرز في نفوس روَّادها كثيراً من الأخلاق الفاضلة والمعتقدات العظيمة، وقد آثرت في هذه العجالة أن أذكر بشيء من هذه الدروس العقدية التي يتعلمها الحاج من حجِّه، فمن ذلك:

أن الإيمان قول وعمل:

فالحج من الدين والإيمان، وهو ركن من أركان الإسلام، والحج عمل وجهاد في سبيل الله، ولهذا قال السلف رحمهم الله: الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقصُ بطاعةِ الشيطان.

دروس التلبية:

ومعاني العقيدة في هذا التلبية يلمسها كل من تلفظ بها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولذا قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم:”فأهلَّ بالتوحيد “[صحيح مسلم]، يريد التلبية، ولبيك كلمة إجابة، ودليله الحديث: «أن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك» رواه البخاري ومسلم. والحاج يلبي نداء ربه الذي ورد في الآية: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]. ومعنى لبيك: إجابة بعد إجابة، وإقامة بعد إقامة. فألبَّ في المكان: أقام به.

وهذه الكلمة العظيمة نستفيد منها ما يلي:

– أن الله لا شريك له «لبيك لا شريك لك». لا شريك له في ألوهيته، ولا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته.

– وصف الله بالكمال، فإن معنى الحمد: وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً.

– الإقرار بأن كل خير من عند الله. «إن الحمد والنعمة لك». قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].

– أنّ الملك لله رب العالمين. فكل شيء مملوك لله، وإذا آمن العبد بذلك لم يلتفت لغير الله الذي له ملك السماوات والأرض.

– والخلاصة: أنّ التلبية تضمنت توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات. فقولنا لا شريك لك دليل على أن العبادة لا تصرف لغير الله تعالى. وقولنا: الملك لله هذا توحيد الربوبية، وهو: إفراد الله بالخلق والملك والتدبير. وأما توحيد الصفات فيؤخذ من حمد الله، الذي هو وصف المحمود بالكمال كما سبق. ونفي الشريك فيها يشمل الشريك في الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات. ولهذا كله قال جابر رضي الله عنه: “أهل بالتوحيد”.

– وتضمن التلبية إثبات صفة الكلام إذ التلبية لا تكون إلا لمن ناداك.

– وتضمنت الإخلاص، ولذا قال من قال: هي من لب الشيء أي من خالصه.

– والبدء بها مؤذن بأن كل عمل لا يقوم على أساس التوحيد فهو هباء في هواء، وعدم في فضاء. قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]. وقال: (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:88].

الدعاء لله:

 فهذا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عبادة الدعاء في الحج، دعا الله تعالى في طوافه، وسعيه، ووقوفه بعرفة، وبعد رمي الجمرتين الأوليين في أيام التشريق، وهو سيد الخلق، مما يدل على أمرين:

الأول: أهمية الدعاء في ديننا.

الثاني: أنّ الناس كلَّهم مفتقرون إلى الله، فلا أحد يُلجأ إليه إلا الله.

والحج عبادة يقام فيها ذكر الله ودعاؤه، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» رواه ابن ماجه.

والدعاء دليل على إيمان الداعي بأمور، منها:

– الإيمان بأنَّ الله سميع.

– الإيمان بأنَّ الله قدير يجيب عباده، فيسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرَّم بإلحاح الملحين في السؤال.

– الإيمان بأنَّ الله كريم وذو فضل عظيم.

الطواف لله:

فليس في الأرض مكان يطاف به إلا البيت العتيق، فلا يطاف بقبر ولا ضريح ولا غير ذلك.

أن الله غفور رحيم:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومسلم.

وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: “لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو»؟ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا»؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»؟ رواه مسلم.

الولاء بين المؤمنين:

فالحجُّ مدرسة تغرز في النفوس عقيدة الولاء، ففي الحج إغاثة ملهوف، وإطعام جائع، وإرواء غليل، وإجابة سائل، وهداية ضال، وإعانة مكروب… وهذه من مظاهر موالاة المؤمنين.

البراءة من الشرك وأهله:

فيتعلم المسلم من الحج أن مخالفة المشركين من مقاصد الدين، فقد خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك!! ودفع من عرفة بعد الغروب ودفعوا قبله، ومن مزدلفة قبل الشروق ودفعوا بعده. وخطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوادع وقال: «إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حين تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، هدينا مخالف لهدي عبدة الأوثان والشرك» [رواه البيهقي].

ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام كسر الأصنام، ومحا صورة إبراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، وبين أنه عليه السلام ما فعل ذلك قط.

وكانوا يرون أنّ الاعتمار في أشهر الحج من أفجر الفجور، فندب أصحابه إلى التمتع وفيه يجمع الإنسان بين العمرة والحج، وحج قارناً، وأعمر عائشة بعد الحج في شهر الحج، واعتمر أربع مرات جعلهن كلَّهنَّ في أشهر الحج.

ولهذا كلِّه قال ابن القيم رحمه الله: “الشريعة قد استقرت -ولا سيما في المناسك- على قصد مخالفة المشركين” [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 5/146].

الاستسلام والانقياد لأحكام الشرع:

فما معنى أن يقبل الإنسان حجراً؟ وما معنى الطواف؟ ولماذا السعي؟ وما معنى رمي الجمار؟ كل هذه الشعائر العظيمة تعلمنا أن ننقاد لحكم ربنا ولو لم نعقل معنى العبادة التي كُلِّفنا بها، ولا يمكن أن تستقر قدم عبد في دين الإسلام حتى يستسلم لهع تعالى، وإنما الإسلام استسلام. قال عمر رضي الله عنه لما قبَّل الحجر الأسود-: “إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ” رواه البخاري ومسلم.

الله أكبر:

فما سافر الحجَّاج وتركوا أرضهم، وما فارقوا أولادهم وأزواجهم إلا لعلمهم أن الله أكبر من كل شيء.

تذكر الموت واليوم الآخر:

وذلك بتجرد الحاج من كل مخيط محيط، فليس للحاج أن يتعمم ولا أن يلبس السراويل ولا القميص، فيتذكر بذلك تجرُّدَه من ثيابه بعد موته، ووقوفه بين يدي مولاه.

نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان:

ففي صحيح الإمام مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في حجة الوادع: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا».

الذبح لله:

فبعد رمي الحاج لجمرة العقبة يذبح إذا كان متمتعاً أو قارناً، فإذا ذبح هديه ذبحه لله تعالى، وإذا اراق الدماء سمَّى الله وكبره، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) [الأنعام:162]. ونسكي: ذبحي.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المصدر: موقع رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى