بقلم د. يوسف القرضاوي.
في ذكرى يوم التضامن مع الشعب الكشميري أجدني أفتش في ذاكرتي.. وأبحث بين أوراقي .. وأقلب صفحات حياتي.. محاولا أن أجد إجابة عن سؤال يؤرقني ويؤلمني: ماذا قدمنا لكشمير الجريحة؟
فتجيبني نفسي: وماذا قدمنا لغيرها؟ بل ماذا قدمنا لأنفسنا؟
فأذكر قول الشاعر:
وحول كشمير قتلى لا عداد لهم ** في كل زاوية رأس وجثمان
يفدون أرواحهم للدين خالصة ** فما استكانوا ولا ذلوا ولا هانوا
يستصرخون ذوي الايمان عاطفة ** فلم يغثهم بيوم الروع أعوان
وأذكر مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين، وأذكر يتامى المسلمين، وصرخات المغتصبات من الحرائر، فتقض مضاجعنا، وتحترق قلوبنا، وتتفتت أكبادنا، فأقول:
لكِ الله يا كشمير في عالم ألهته الغرائز، وصرفه اللهو واللعب عن مصير إخوانه في العقيدة.
إنني أدعو الحكومة الهندية إلى الاستجابة للحق والعدل، والعمل على حلِّ قضية كشمير بالسلم لا بالحرب، وبالتفاهم لا بالصراع، والالتزام بقرار مجلس الأمن الذي أقر لشعب كشمير الحق في تقرير مصيره، وإلى احترام حقوق غالبية أبنائها من المسلمين، البالغ نسبتهم 85% من مجموع سكان هذا الإقليم.
إن الإسلام الذي حكم شبه القارة الهندية قرونا عديدة لم يجبر أحدا من الهندوس أو السيخ أو غيرهم أن يتحول عن عقيدته، أو يترك دينه وملته. لم يقم الإسلام المذابح ضد أبناء الهند، ولم يسعَ للقضاء على عقائدهم أو هدم دور عبادتهم، أو الاعتداء على أعراضهم أو سلب أموالهم.
وكثيرا ما قدم أولي الخبرة منهم في مناصب عليا في ظل حكم الإسلام؛ إذ كانت غاية الإسلام صلاح الدين لمن اهتدى، وصلاح الدنيا لمن عاش على ظهر هذه الأرض.
إن دستور الإسلام الخالد يعلي من شأن حرية الاعتقاد، ويدعو أبناءه إلى العدل مع مخالفيه. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة (8)]
وقال في حق غير المسلمين من المسالمين: { لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة (8) ].
وأعلن مبدأه الخالد: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256]. إلى غير ذلك من الآيات.
ومع ذلك فإننا نحذر من استمرار سياسة تنامي الانتهاكات الممنهجة ضد الشعب الكشميري، واستمرار معاناته واحتلال أراضيه، فنحن المسلمين مع كشمير بقلوبنا وألسنتنا، وبأيدينا عند اللزوم”.
إن الشعب الكشميري له الحق في تقرير مصيره، والانعتاق من براثن الاستعمار، وإن نضاله العادل من أجل الحرية والكرامة وفرض إرادته على أرضه حق أصيل له، ولكل شعب حر.
وعلى جماهير الأمة الإسلامية أن تعلو فوق جراحها، وأن تمد يد العون لإخوانهم في كشمير المسلمة، الذين يقومون منذ سنوات بجهاد عظيم لإنقاذ بلدهم من التسلط الهندوسي الغاشم: عليهم أن يطعموا جائعهم، ويداووا جرحاهم .ويؤووا مشرديهم ويكفلوا أيتامهم وأراملهم بعد أن تخلى عنها القريب والبعيد ؛ لأن ذلك واجب العقيدة والأخوة الإسلامية.
كما أدعو حكومات الدول العربية والإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامي للسعي لإنهاء الاحتلال الظالم لكشمير المسلمة، والسماح لمنظمات حقوق الانسان الدولية والمنظمات الخيرية والإنسانية في العالم بالوصول إلى الولاية المحتلة والمنكوبة.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[يوسف:21].