تقارير وإضاءات

كريستيان ساهنر أستاذ التاريخ بجامعة أكسفورد يتحدث للجزيرة نت عن “اعتناق الإسلام في عصر ما قبل الحداثة”

كريستيان ساهنر أستاذ التاريخ بجامعة أكسفورد يتحدث للجزيرة نت عن “اعتناق الإسلام في عصر ما قبل الحداثة”

إعداد عثمان أمكور

يعتبر التحول إلى الإسلام ظاهرة ذات أهمية كبيرة في تاريخ البشرية، في بداية زمن الحكم الإسلامي في القرن السابع الميلادي شكل المسلمون أقلية صغيرة في معظم المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، لكن مع بداية العصر الحديث تحولوا إلى أغلبية في معظم المناطق من شمال أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا.

عبر هذه الأراضي والشعوب والفترات الزمنية المتنوعة كان التحول للإسلام ظاهرة معقدة ومتنوعة، عاش المتحولون في عالم من الانتماءات الدينية والثقافية والاجتماعية والعائلية المتداخلة والمتنافسة، وقد تجلت آثار التحول إلى الإسلام في كل جانب من جوانب الحياة، وبالتالي فإن التحول إلى الإسلام وفر للباحثين مرآة لتاريخ العالم.

ويعد البروفيسور كريستيان ساهنر (Christian C. Sahner) أستاذ للتاريخ الإسلامي بجامعة أكسفورد مؤرخا متخصصا في العالم الإسلامي في العصور الوسطى، كما أنه مؤلف لمجموعة من الكتب، من بينها “بين الأنقاض.. سوريا في الماضي والحاضر” (Among the Ruins: Syria Past and Present) الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد سنة 2014.

كما قام بتحرير كتاب صادر سنة 2020 سيدور حوله الحوار، وهو “اعتناق الإسلام في عصر ما قبل الحداثة” (Conversion to Islam in the Premodern Age) بشراكة مع نمرود هورفيتز، ولوك ياربروغ، وأوريل سيمونسون، والذي صدر عن دار نشر جامعة كاليفورنيا، وأجرت الجزيرة نت معه هذا الحوار:

  • يشير الكتاب في أكثر من مبحث إلى الدور الإيجابي الذي لعبته المرأة في مراحل الإسلام الأولى، حيث اتسمت المرأة بالشجاعة والمسؤولية، بل إنها قامت بأدوار.. هل يمكنك توضيح هذه الفكرة أكثر؟ كيف شكلت المرأة النسيج المجتمعي للإسلام في تلك الحقبة؟

في الحقيقة أنت محق، الكتاب يحتوي على عدد من القصص حول نساء بارزات اعتنقن الإسلام في حياة الرسول محمد، وأشهرهن كانت زوجة النبي الأولى خديجة بنت خويلد، وهذا أمر يؤكد المكانة العالية للمرأة في المجتمع الإسلامي المبكر، فخديجة زوجة النبي -وفقا المصادر التراثية- كانت أول شخص يعتنق الإسلام، فقد لعبت دورا مهما في طمأنة النبي محمد من صدق الرسالة التي كانت تنزل عليه في مرحلة كان هو نفسه غير متأكد من الوحي الذي كان قد بدأ في تلقيه، وهكذا لعبت السيدة خديجة دورا مهما كزوجة ومؤازرة ومؤمنة بالوحي الذي أنزل على النبي.

كما يحتوي الكتاب على قصص عن تحول العديد من قريبات الرسول إلى الإسلام، بمن في ذلك عمته أروى بنت عبد المطلب، ومن المثير للاهتمام هنا أن نلاحظ أن معظم أعمام الرسول ظلوا وثنيين (باستثناء حمزة والعباس ابنا عبد المطلب)، لكن العديد من عماته أسلمن.

كتاب “اعتناق الإسلام في عصر ما قبل الحداثة” صدر عام 2020 عن مطبعة جامعة كاليفورنيا (مواقع التواصل الاجتماعي)
  • شهد المسلمون الأوائل اضطهادا كبيرا من جانب الأغلبية المشركة في مكة، مما دفعهم للهجرة الأولى إلى إثيوبيا، والثانية إلى يثرب (المدينة المنورة).. كيف ساهمت الهجرة في بناء المجتمع الإسلامي، وكيف تعامل المسلمون مع المشركين عند انتصارهم ودخولهم مكة؟

ربما كانت الهجرة أهم حدث في حياة الرسول، لا عجب أنه منذ القرن السابع الميلادي قام المسلمون بجعل هذا مرجعا لتقويمهم الزمني، فقبل الهجرة كان النبي محمد زعيم جماعة دينية صغيرة مضطهدة، ولكن بعد الهجرة أصبح حاكما لدولة تزداد قوتها، فجمع بين مسؤوليات النبي والملك إذا جاز التعبير.

في مكة، واجه المسلمون الأوائل العنف والنبذ، لكن في المدينة أتيحت للمسلمين فرصة الانضمام إلى مجموعة اجتماعية وسياسية مهيمنة، وكما هو معلوم فقد استاء الوثنيون في مكة من صعود الرسول إلى السلطة وشنوا عليه هجمات كثيرة، ومع ذلك عندما نجح الرسول محمد في فتح مكة عام 630 ميلادي كانت تداعيات الفتح سلمية في الأغلب، كما اعتنق وثنيو قريش الإسلام، وشهد هذا الفتح عددا قليلا من قتلى المسلمين والوثنيين الذين نكلوا بالنبي سابقا.

  • بعد وفاة النبي محمد شهد التاريخ الإسلامي ما أصبحت تعرف بـ”حروب الردة”، ما قيمة هذه الحروب في الحفاظ على الوحدة الإسلامية؟

حروب الردة هي حلقة مهمة في بداية التاريخ الإسلامي، بعد وفاة النبي محمد عام 632 ميلادي رأت العديد من القبائل التي أسلمت أنها لم تعد مضطرة لطاعة الخليفة الجديد أبي بكر، لقد عبرت عن تمردها برفضها دفع ضريبة الزكاة للمدينة المنورة على غرار ما كانت تفعل أيام الرسول، ومن المثير للاهتمام التفكير في هذا التمرد باعتباره شكلا من أشكال “الردة” الدينية كما يفعل التراث الإسلامي.

وبالنسبة للعديد من القبائل لم يكن الأمر يتعلق بالمعتقد الديني في حد ذاته، وإنما العلاقات السياسية والاقتصادية التي جمعتها بالدولة في زمن ما بعد النبي محمد، ويبدو أن العديد من القبائل رأت نفسها موالية لشخص النبي محمد أكثر من ولائها للحركة الدينية التي جاء بها الإسلام.

وكما هو معلوم فإن القرآن لا يذكر شيئا عن إعدام المرتدين، وفي هذا الصدد يعتقد العديد من المؤرخين أن هذا الموقف -الذي شكل وجهة نظر الفقهاء المسلمين في العقود والقرون التالية تجاه “الردة” عن الإسلام- ظهر نتيجة حروب الردة، في ذلك الوقت أدرك المسلمون الأوائل أن الردة تشكل تهديدا خطيرا لوحدة المجتمع، ويجب إيقافها باستخدام أشد العقوبات صرامة.

  • كيف تعامل الأمويون مع غير المسلمين والموالي؟ أشرتم إلى أن الموالي شعروا بالظلم تجاه السياسات الضريبية في زمن الأمويين هل هذا صحيح؟ وهل كانت حقبة عمر بن عبد العزيز متغيرة مع الموالي؟ وكيف مهدت السياسات الأموية تجاه الموالي الطريق لظهور العباسيين؟

في كثير من النواحي تعتبر معاملة غير المسلمين والموالي مسألتين منفصلتين، بموجب التشريع الذي وضعه الفقهاء الأوائل يحق لغير المسلمين -بمن في ذلك اليهود والمسيحيون والزرادشتيون (أهل الذمة)- الحفاظ على عقيدتهم بشرط أن يدفعوا ضريبة للدولة (على شكل الجزية، الخراج، إلخ..)، وكذلك ضرورة الإقرار بسيادة المسلمين.

ويشير مصطلح الموالي إلى غير العرب الذين اعتنقوا الإسلام ودخلوا المجتمع الإسلامي من خلال الانتماء إلى القبائل العربية العريقة، كان العديد من الموالي في الأصل عبيدا تم أسرهم خلال فتوحات شملت أماكن مثل العراق وإيران وآسيا الوسطى.

وعلى هذا النحو، غالبا ما واجهوا تمييزا من قبل إخوانهم المسلمين وعوملوا كمواطنين من الدرجة الثانية، في الواقع خلال العصر الأموي استمر بعض المسؤولين في فرض الضرائب على الموالي كما لو أنهم لم يغيروا دينهم على الإطلاق، وهذا الفعل ارتبط بحاكم العراق المعروف الحجاج بن يوسف الثقفي إلى أن جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز ليضع حدا لهذه الممارسة، وقد عالج الكتاب ذلك في أحد فصوله.

دفعت المظالم بحق الموالي البعض إلى دعمهم الحركات المعارضة الدينية والسياسية خلال العصر الأموي، وكان لها الكثير من الأنصار العرب وليس فقط الموالي

دفعت المظالم بحق الموالي البعض إلى دعمهم الحركات المعارضة الدينية والسياسية خلال العصر الأموي، وشملت هذه الانتفاضات أطياف الشيعة في العراق، وأكثر هذه الحركات الثورية شهرة هي ثورة العباسيين (747-750 ميلادي)، وهنا من المهم أن نذكر مع ذلك أن هذه الانتفاضات كان لها الكثير من الأنصار العرب وليس فقط الموالي.

  • تميزت السياسة العباسية كما ورد في أحد أبحاث الكتاب بكونها أعطت الموالي اهتماما أكبر بالمناصب السياسية والإدارية، فكيف تجلى ذلك؟ وما هو أثره؟

نشأت الثورة العباسية في شرق إيران، ونتيجة لذلك فإن الرتب العليا داخل الدولة العباسية كانت تعود لأعداد كبيرة من العرب من أصول إيرانية أو لصالح المسلمين الفرس الذين اعتنقوا الإسلام حديثا، وينتمي إلى هذه المجموعة الثانية عدد من مشاهير المسؤولين العباسيين، من بينهم الكاتب ابن المقفع، والفلكي نوبخت الأهوازي، والجغرافي ابن خرداذبة، أحب أن أفكر في هذه الشخصيات على أنهم “وسطاء ثقافيون” جلبوا عناصر من التراث الفكري والثقافي والسياسي الفارسي الذي كان قبل الإسلام إلى الإسلام، كانت الفترة العباسية أيضا شهدت تحول أعداد كبيرة إلى الإسلام، لم يعد العرب أغلبية داخل الأمة الإسلامية، وهو ما انعكس على صعود الموالي لمناصب الحكم.

الفترة العباسية أيضا شهدت تحول أعداد كبيرة إلى الإسلام، لم يعد العرب أغلبية داخل الأمة الإسلامية وهو ما انعكس على صعود الموالي لمناصب الحكم

  • أدى توسع رقعة الإسلام الجغرافية إلى تمهيد الطريق لدخول أعداد كبيرة من الناس من مختلف الخلفيات الاجتماعية والدينية للإسلام، فكيف أدى ذلك إلى إثراء الحضارة الإسلامية؟

على الرغم من أن الإسلام قد بدأ كدين للعرب بشكل رئيسي فإن الفتوحات في القرنين السابع والثامن جلبت للإسلام مجموعات واسعة من الجماعات غير العربية، وشمل هؤلاء الفرس إلى جانب الإغريق والبربر والأقباط والصغديين (سكان وسط آسيا) والأتراك والسريان وغيرهم، وجميعهم بدؤوا بالتحول تدريجيا، قد يكون المتحولون إلى الإسلام قد تبنوا اللغة العربية أو بدؤوا في استخدام أسماء إسلامية لكن هذا لا يعني أنهم نسوا تراثهم الثقافي السابق، تدين الحيوية الهائلة التي شهدتها الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى -سواء في الأدب أو الفن أو العلم أو الموسيقى أو الفلسفة- لهذا الخليط العظيم من الشعوب.

تدين الحيوية الهائلة التي شهدتها الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى سواء في الأدب أو الفن أو العلم أو الموسيقى أو الفلسفة لهذا الخليط العظيم من الشعوب

  • إن دخول خراسان وبلاد فارس إلى الإسلام لم يمح كل الإرث الساساني والزرادشتي لمعتنقي الإسلام، وكما هو معروف فإن شريحة مهمة من العلماء الكبار في المراحل الأولى للإسلام كانوا من الفرس.. هل شكل هذا التراث الثقافي الساساني تصور الفقه الإسلامي لفكرة الخلافة والسياسة الإسلامية على غرار مقولة أبي حامد الغزالي التي قال فيها إن “الملك والدين توأمان”؟

أنت محق تماما في أن العديد من أعظم المفكرين المسلمين في العصرين الأموي والعباسي كانوا من الفرس المتحولين للإسلام، كان أسلافهم من الزرادشتيين والمسيحيين واليهود والبوذيين في الإمبراطورية الساسانية السابقة، وأوافقك الرأي، فقد جلب هؤلاء المتحولون أيضا الطبائع الثقافية لعوالمهم القديمة إلى عالمهم الجديد عندما أصبحوا مسلمين.

يمكننا رؤية هذا بوضوح في الأفكار الإسلامية المرتبطة بالسياسة الشرعية، العباسيون على وجه الخصوص تعاملوا مع الملوك الساسانيين باعتبارهم نماذج جيدة للحكم، ولم يكن من قبيل المصادفة أنهم أقاموا عاصمتهم الجديدة بغداد في ظل العاصمة الساسانية القديمة طيسفون (المعروفة لدى العرب بالمدائن)، إن المثال المفضل لدي عن كيفية الجمع بين الأفكار الإسلامية والفارسية حول الحكم هو كتاب “سير الملوك” (سيات نامه) لنظام الملك حسين الطوسي (المتوفى عام 1092 ميلادي) الوزير الأعظم للسلاجقة، وفي هذا دليل خاص بالحكام يصف نظام الملك لدى كل من الأباطرة الساسانيين والخلفاء كنماذج للحكم جنبا إلى جنب.

  • كيف ساهم العلماء المسلمون في إنتاج فقه يدعو إلى “التعايش” بين المسلمين وغيرهم؟

كمؤرخ، أنا لا أحب مصطلح “التعايش” عند تطبيقه على الماضي البعيد، إنه مصطلح حديث محمّل بأحكام قيمية معاصرة (حول التسامح والتعددية وما إلى ذلك) لم يكن موجودا ببساطة في عالم ما قبل الحداثة، أو لم يتم التعبير عنه على هذا النحو، وهو أمر لا ينطبق فقط على الشرق الأوسط ولكن أيضا على أوروبا والصين وأي مجتمع ما قبل حداثي.

حصل العنف بين الطوائف على غرار العديد من مجتمعات العصور الوسطى حول العالم، لكن التحول القسري كان نادرا، وهناك افتقار للأدلة التي تؤكد تعرض غير المسلمين لاضطهاد ممنهج

عندما يتعلق الأمر بـ”العلماء” في العصور الوسطى فإنهم لم يكونوا يهدفون إلى خلق فقه “التعايش” على هذا النحو، وبدلا من ذلك كان هدفهم إنشاء نظام تشريعي لتنظيم العلاقات بين الجماعات المهيمنة والتابعة، أي بين المسلمين كحكام وغير المسلمين كرعايا.

لقد فعلوا ذلك من أجل الحفاظ على التسلسل الهرمي الاجتماعي والسياسي، ومن خلال هذا الأمر كانوا يهدفون إلى إنشاء مجتمع مستقر يمكن للجماعات أن تعيش داخله جنبا إلى جنب.

في كثير من النواحي كان النظام الذي أنشؤوه ناجحا للغاية، حصل العنف بين الطوائف على غرار العديد من مجتمعات العصور الوسطى حول العالم، لكن التحول القسري كان نادرا، وهناك افتقار للأدلة التي تؤكد تعرض غير المسلمين لاضطهاد ممنهج.

  • أشارت إحدى الأوراق البحثية في الكتاب إلى أن الأسر المختلطة الناتجة عن زواج الأديان أو اهتداء الزوجين تشكل تهديدا للمجتمعات المسيحية في مناطق الشرق الأوسط، فكيف يتم ذلك؟ وكيف تم التعامل مع الأمر من أجل بقاء الجماعات المسيحية على قيد الحياة؟

بموجب الشريعة الإسلامية الرجال المسلمون يتمتعون بحرية الزواج من يهوديات ومسيحيات، وكان هذا شائعا إلى حد ما طوال فترة العصور الوسطى، كما نص الشرع على وجوب تربية أطفال الزيجات المختلطة باعتبارهم مسلمين، وهذا يعني أنه على الرغم من أن الأسرة قد تكون مختلطة دينيا في الجيل الأول فإن الأجيال اللاحقة كانت متجهة إلى أن تكون مسلمة بالكامل، وهكذا كان الزواج المختلط محركا مهما (تم التغاضي عنه) للتحول الديني (إلى الإسلام).

الزواج المختلط كان دافعا مهما (تم التغاضي عنه) للتحول الديني

لأسباب واضحة حاول العديد من المسيحيين والمسلمين منع هذه الزيجات المختلطة من الحدوث، في الواقع لدينا مصادر تعود إلى العصر الأموي (بما في ذلك نص سرياني مترجم في الكتاب) حاول فيها الكتاب المسيحيون ابتكار طرق لمنع النساء المسيحيات من الزواج بالمسلمين حينما لا يتمكنون من وقف هذه الزيجات، حيث وضعوا قوانين تمنع النساء المسيحيات من التحول إلى الدين الجديد، وعلى سبيل المثال يعقوب الرهاوي (توفي عام 708 ميلادي) أسقف يتحدث السريانية كتب النص الذي ذكرته أعلاه، وعندما سئل عما إذا كان من المناسب حرمان امرأة مسيحية متزوجة من رجل مسلم من القربان المقدس قال إنه من الأفضل الاستمرار في منحها القربان المقدس بدلا من إنكارها فهو يمهد لمجازفة طردها من الكنيسة تماما.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى