هذا الكتاب حلقة مهمة من حلقات المشروع الفكري السياسي الذي تحدثت عنه في كتبي السابقة، الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها، والبرلمان في الدولة الحديثة، وقد صدرت عدة كتب تخدم هذا التوجه منها: ـ الشورى فريضة إسلامية. ـ الحريات من القرآن الكريم حرية التفكير والتعبير واَلعتقاد والحريات الشخصية. ـ العدالة والمصالحة الوطنية ضرورة دينية وإنسانية.
وهذا الكتاب يتناول التداول على السلطة التنفيذية وقد قسمه الدكتور الصلابي إلى 4 مباحث، المبحث الأول: السلطة التنفيذية، يتحدث عن تعريفها في اللغة والاصطلاح والمفهوم السياسي والاسلامي ولدى الفقهاء المعاصرين ومما تتكون السلطة التنفيذية وتعريف الخليفة “الرئيس” وألقاب من يتولى السلطة التنفيذية وجذورها التاريخية كالخليفة وأمير المؤمنين، والإمام، والسلطان، والملك، والرئيس، ووجوب الرئيس والأدلة من القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، والإجماع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ودفع أضرار الفوضى وأن الرئاسة مما تقتضيها الفطرة وعادات الناس. المبحث الثاني: التداول على الحكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان الحديث في هذا المبحث عن انتقال الرئاسة إلى أبي بكر الصِّديق بالشورى والتحليل السياسي للأحداث في سقيفة بني ساعدة، كموقف الأنصار وترشيحهم لسعد بن عبادة، وخشيتهم من الانشقاقات السياسية على كيان الدولة الوليدة، وكيف تغير موقفهم لصالح أبي بكر الصِّديق صاحب المواهب المتميزة والقدرات العالية في الإقناع والتعامل مع النفوس، وكيف تمت بيعته الخاصة ثم العامة وحرص الجميع على وحدة الأمة، وتم شرح الحديث النبوي الشريف: »الأئمة من قريش«، وبين الدكتور الصلابي أهم المبادئ التي أفرزتها الحوارات الجادة في سقيفة بني ساعدة ومنها: أن قيام الأمة لا تقام إلا بالاختيار وأن البيعة هي أصل من أصول الاختيار وشرعية القيادة وأن الخلافة لا يتولاها إلا الأصلب ديناً والأكفأ إدارة فاختيار الخليفة رئيس الدولة وفق مقومات إسلامية وشخصية وأخلاقية، وأن تولي السلطة التنفيذية لا يدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبية أو القبلية، وأن إشارة “قريش” في سقيفة بني ساعدة باعتباره واقعاً يجب أخذه في الحسبان، ويجب اعتبار أي شيء مشابه ما لم يكن متعارضاً مع أصول الاسلام، وأن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة الأمن النفسي السائد بين المسلمين حيث لا هرج ولا مرج، ولا تكذيب ولا مؤامرات، ولا نقض لاتفاق، ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم حيث المرجعية في الحوار إلى النصوص الشرعية.
وفي المبحث الثاني: تم الحديث عن نظرية العقد الجتماعي لجان جاك روسو وبيان الفروق الأساسية بين العقد الاجتماعي والبيعة في الاسلام، ووضح الصلابي طرق اختيار الحاكم بطريقة الانتخاب المباشر وغير المباشر وشرح خطاب أبي بكر رضي الله عنه بعد البيعة العامة وأهم الأسس والمبادئ التي جاء ذكرها في الخطاب: ـ كحق األمة في مراقبة الحاكم ومحاسبته. ـ الصدق أساس التعامل بين الحاكم والمحكوم. ـ إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس. ـ إعلان مبدأ التمسك بالجهاد وإعداد الأمة لذلك. ـ رئيس الدولة وتطبيق الشريعة. وكان الحديث عن إقرار مشروع توثيق دستور الأمة وتحديد مدة الرئاسة وأن التوقيت لا ينافي طبيعة العقد، وكيف تحدد مدة الرئاسة؟ وتكلم الصلابي عن مدنية دولة الصِّديق وتحديد مسؤولية الحاكم وعن تولي عمر بن الخطاب للرئاسة وانعقاد الغجماع على خلافته وخطبة الفاروق لما تولى الخلافة وعن تولي عثمان بن عفان الرئاسة. والفقه العمري في الاستخلاف. ـ كالعدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم. ـ طريقة اختيار الخليفة. ـ مدة الانتخابات أو المشاورة. ـ عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة. ـ الحكم في حال الاختلاف. ـ جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل. ـ جمع عمر بين التعيين وعدمه. ـ الشورى ليست بين الستة فقط. ـ أهل الشورى أعلى هيئة سياسية. ـ وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده.
وبيّن الدكتور علي الصلابي منهج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إدارة الشورى وحكمته في تنفيذ خطة الشورى، وانعقاد الإجماع على خلافة عثمان ومنهجه في الحكم، وذكر الكتب التي كتبها عثمان إلى جميع ولاته وقادة جنده، وعمال الخراج، وإلى العامة وكيف تمت بيعة علي رضي الله عنه وانعقاد الإجماع على بيعته وشروطه في بيعته وخطبته الإولى، وكيف تولى الحسن بن علي بن أبي طالب الرئاسة؛ وبيعته وبطلان قضية النص على خلافة الحسن وتطور الفكر السياسي الشيعي وكيف تولى معاوية بن أبي سفيان الحكم، وما هو الصلح الذي تَّم بينه وبين الحسن بن علي؟ وكانت الإشارة في هذا الكتاب إلى انتهاء عهد الخلافة الراشدة وبداية الملك العضوض والجبري. ووضح فكرة ولاية العهد وكيف تولى يزيد بن معاوية؛ وما هي الانتقادات التي وجهت لمعاوية بشأن البيعة ليزيد، وكان الحديث عن خلافة معاوية بن يزيد ثم بيعة عبد الله بن الزبير وخروج مروان بن الحكم على ابن الزبير وانعقاد مؤتمر الجابية بالشام وزعامة مروان بن الحكم لمعارضي أهل الشام ومعركة مرج راهط ونتائجها وبيعة عبد الملك بن مروان بعد وفاة أبيه واجتماع الأمة عليه بعد مقتل عبد الله بن الزبير وهو أول حاكم ينتزع الخلافة بقوة السيف والقتال مما أثر على الفقه السياسي بعد ذلك أكبر الأثر وبدأ عصر الخليفة المتغلب، وهو ما لم يكن للأمة به عهد من قبل. وبدأ هذا الأمر يفرض نفسه، وصار بعض الفقهاء ـ بحكم الضرورة ـ يتأولون النصوص لإضفاء الشرعية على توريثها وأخذها بالقوة لتصبح هاتان الصورتان بعد مرور الزمن هما الأصل الذي يمارس على أرض الواقع وما عداهما نظريات لا حظ لها من الواقع التطبيقي العملي إلا في حالات نادرة وأصبح الفقه السياسي الهرقلي والقيصري بديلاً عن الفقه الراشدي في تولي رئاسة الدولة.
واليوم تتطلع الشعوب إلى حقها الطبيعي لاختيار حكامها بإرادة حرة وعن طريق صندوق الاقتراع والتداول السلمي ونجحت شعوب أوروبا وأمريكا وغيرها وأصبحت الشعوب العربية والإسلامية من مطالبها التي خرجت من أجلها إلا أن محاولة منع الشعوب من حقها في اختيار حكامها ما زالت مستمرة، وهذا تدافع طبيعي بين الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل، وفي النهاية تنتصر إرادة الشعوب على إرادة الطغاة، وهذا من سنن الله: ﴿فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً﴾ “فاطر، آية 34”.