مقالاتمقالات مختارة

كارثة فقه الاستضعاف (2)

كارثة فقه الاستضعاف (2)

بقلم إبراهيم الديب

أهم المفاهيم الدينية المزيفة التي ساهمت في التمكين للمستبد

منظومة من المفاهيم التي تكاملت وتراكمت وتشكلت في ظل تعاقب أزمتي الاستعمار العسكري والاستبداد المحلي فنشأت في ظروف استثنائية خماسية الأبعاد:

 

أ- تحت سيطرة وضغط قوى الاستبداد على منابع وروافد ومنصات الثقافة والفكر.

ب- اختراق أجهزة الاستبداد لعقل وثقافة المقاومة، وتمريرها لأفكار معينة تكرس الاستبداد وتتعايش معه.

ج- ضعف الماكينة العلمية وآلات التجديد الفكري للمقاومة.

د- الوقوع فريسة لمصطلح واتهامات الإرهاب التي أطلقها النظام العالمي بداية من سبعينيات القرن الماضي، والتراجع إلى خندق الدفاع ومحاولة التبرؤ المستمر من هذه التهمة بالتخلي عن كل أسباب القوة والردع الممكنة، وتكييف الذات وتربية الأجيال التالية على فقه الاستضعاف.

هـ- غياب المؤسسية والقيادة القوية لتيارات وكيان ومؤسسات المقاومة، ولذلك نشأ غالبها بالقناعة العقلية والتراضي النفسي داخل عقل وجسم المقاومة تحت عنوان المتاح والممكن الحالي، والذي تحول بمرور الزمن إلى أصل ومرجع ومعيار للأجيال المتعاقبة حتى وقتنا هذا.

(الاستضعاف- الصبر- المسالمة- الصراع- الثبات- النقد الذاتي- الجهاد)

1- الفهم الخاطئ لمعنى الاستضعاف المؤقت مع العمل والإعداد واستكمال القدرات الذاتية الرادعة للمستبد عن الاستمرار في بغيه وطغيانه، والتحول المهين إلى الاستغراق والاستمتاع بتقمص دور الضحية الضعيف المظلوم، وإنشاء الخطب والقصائد والرثائيات والأناشيد في مدحه؛ ظنا خاطئا منهم بأن الله تعالى سيعوضهم في الآخرة، حيث الدنيا للظالم المستبد والآخرة للضعيف المستضعف المظلوم، وما دروا أنهم بذلك الاستضعاف والامتهان المنافي للإيمان قد خسروا الدنيا والآخرة.

وهذا ما كشفه وحذر منه القرآن قبل أربعة عشر قرنا من الزمان: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا” (النساء).

2- الفهم غير الصحيح لفكرة السلم والسلام والمسالمة.

مثال 1: حديث “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، المقصود كفّ الأذى عن الناس، لكن تم توظيفه بتعزيز فكرة مسالمة المسلم حتى لو تم الاعتداء عليه؛ بكف النفس عن مواجهة الظالم واستفزازه بما يتجاوز الخطوط الحمراء التي حددها وما يغضبه، إيثارا للسلامة ومصلحة الدعوة.

مثال 2: حديث “لا ضرر ولا ضرار”، والمقصود هو عدم وجود الضرر في ما شرعه الله لعباده من الأحكام، وأما نفي الضرار فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله، لكن تم تحريف فهمه بالبحث عن السلامة وتقنين قاعدة “هو في حاله واحنا في حالنا”، أي لا شان لنا بالمستبد الظالم ما دام بعيدا عنا، إنما ظلمه على الذين يعادونه فقط.

مثال3: الفهم الخاطى لحديث”من صمت نجا”، وصحيحه الصمت عن السوء وفضل الحديث بتعميم الصمت كمنجاه من الخطأ والوقوع في مشاكل مواجهة المستبد الظالم، والصحيح هو واجب المبادرة بمواجهة الظالم.

3- قبول طُعم فكرة أن المجتمع والدولة لا يصلح لها إلا العسكري الحازم المستبد القوى، وهذا مناف لسنة الله تعالى بالعدل والمساواة والمؤسسية في الحكم والإدارة.

4- الجبن والخوف من المستبد الظالم على حساب الخوف من الله تعالى لضعف الإيمان في القلوب، والتعلق الذليل بالدنيا والحياة المهينة فيها تحت المستبد الغاشم على حساب الآخرة، وإنتاج مبررات فاسدة لتبرير وتجميل موقفه.

5- تعمد تغييب آيات ومعاني الإعداد والمقاومة والانتصار للإيمان وأهله، وإيثار السلامة الفردية والجزئية المؤقتة على السلامة الجماعية الكلية الدائمة للمجتمع:

“وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُون” (الأنفال).

“وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ” (الشورى).

“وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ” (الشورى).

6- تحريف مفهوم قدر الاستطاعة بالحد الأدنى، وربطه بالمحافظة على سلامة الفرد وليس بالحد الأقصى الذي يمتلكه ويستطيعه الفرد والمجتمع.

7- إنتاج تعريف جديد مزيف للصبر، بالصبر على الظالم والتصبر عليه، والتبرير له بفقه فاسد مزيف يدمر المجتمعات والأمم، وهو فقه المتغلب القوي، وكأنه يريد للمجتمع أن يتحول إلى غابة؛ شرعية الحاكم فيها تُستمد من قوته وغلبته، وليس من دينه وعلمه وحكمته وعدله.

ومن أهم اسباب ودوافع تحريف والانحراف المتعمد عن صريح فهم الصبر؛ هو الضعف والخذلان الإفلاس عن التفكير والعجز عن إنتاج حلول، و الخوف، والاستفادة منه والاقتيات على فضلات مائدته، وإن كان بمجرد السلامة من بعض أذاه.

8- التفكير التبريرى لتبرير الضعف والإخفاق المتكرر عن مقاومة المستبد، بتحويل مفهوم الصراع كسنّة كونية مستمرة بين الخير والشر، تخضع لقانون الإعداد والقوة ويتبادل فيها الانتصار الطرف الأكثر إعدادا وقوة، إلى مفهوم المؤامرة الكونية واستحالة مقاومة المستبد المدعوم من الصهيونية والصليبية والشيوعية والإمبرالية العالمية.

9- إعادة إنتاج مفهوم جديد للنصر، بأنه ليس دحر المستبد وكسر إرادته والتخلص من ظلمه وطغيانه وفساده، باعتماد مفهوم بأن مجرد الثبات على الحق مع الهزيمة في حد ذاته انتصار كبير يجب الاعتداد به والمحافظة عليه.

10- الاستجابة لثقافة المستبد التي فرضها على المجتمع؛ بتجريم التفكير النقدي لمؤسسة الاستبداد، وهو المقرر في القرآن الكريم، والمقنن في الفكر الحضاري العالمي بأنه أحد أهم محركات الحضارات الإنسانية وسر استمرارها وبقائها للعقود وقرون طويلة. وقد انتقل تجريم النقد إلى داخل العقل الجمعي وثقافة مؤسسة المقاومة، وتم إتباعه بتحريف مفهوم آخر هو أن الثبات هو الثبات والإصرار على نفس الأفكار ونفس القيادة ونفس الوسائل، حتى وإن تكرر فشلها، مما ساهم في جمود وإضعاف جسد المقاومة المجتمعية للاستبداد.

11- التجريم الضمني لقيمة الجهاد في سبيل الله تعالى؛ استجابة لضغوط الاتهامات العالمية للإسلام بالإرهاب، واختزال الجهاد والإعداد لمقاومة وردع المستبد الظالم في جهاد النفس والإعداد السلمي الوديع المتأقلم المستجيب لشروط ومعايير وحدود وخطوط الخصم المستبد الظالم.

12- التفسير الخاطئ للقواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير:

مثال 1: قاعدة أقل الضررين (تحمل أخف الضررين لدفع أشدهما).

مثال 2: قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

مثال 3: قاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة “إذا ضاق الأمر اتسع”.

وتم استخدامها في تبرير قبول ضرر الاستبداد للمحافظة على مكاسب الوجود والعمل الدعوي، وما دروا أن الاستبداد هو أصل كل فساد، وأنه يدمر في شهور ما قامت به الدعوة والمقاومة في عقود، وأن الاستبداد يستوعبهم استراتجيا وينقض غزلهم ويقوض بناءهم أولا بأول.

13- التعظيم والإعلاء المتعمد لقيمة ومكانة وفضل الشعائر التعبدية، وأعمال البر الفردية، على حساب تغييب العبادات المجتمعية المتعدية، وخاصة عبادة مقاومة المستبدين الظالمين.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى