قطار العمر والمحطَّة الأخيرة
بقلم د. عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)
حياتنا أشبه ما تكون بقطار يشقُّ طريقه عبر عدَّة محطَّات.
(محطَّة الانطلاق) حيث نولَد فيها بلا حول لنا ولا قوَّة مجرَّدين من كلِّ شيء وعلى فطرة سليمة، ننشأ وفق ما عوَّدنا عليه والدينا وما يحيط بنا من عادات وتقاليد.
بعد ذلك نتَّجه نحو المحطَّة الثَّانية، (محطَّة التَّعلُّم) واكتساب المعرفة، واللَّعب واللَّهو… إلخ.
ثمَّ ننطلق باتِّجاه المحطَّة الثَّالثة، (محطَّة الشَّباب) وما يصاحبها من إثبات للذَّات والطَّيش أحيانًا والطُّموح والأمل.
بعدها نصل إلى المحطَّة الرَّابعة، (محطَّة العمل والإنتاج) وتكوين أسرة واعتماد على النَّفس لنصل على إثرها إلى المحطَّة الخامسة (محطَّة الرِّعاية الأسريَّة) وذلك بالحرص على مستقبل الأسرة والعناية بها.
بعدها نقترب من المحطَّة السَّادسة محطَّة (الرِّعاية الصِّحيَّة) حيثُ نركِّز جلَّ همِّنا على رعاية الجسد والمحافظة عليه بعد أن أنهكته سائر المحطَّات السَّابقة.
وتبقى المحطَّة الأخيرة (؟؟؟؟).
هذه المحطَّة تتفاوت مشاعر النَّاس بالوصول إليها؛ لأنَّها آخر محطَّة للقطار، فمنهم من يتشوَّق للوصول إليها معتقدًا أنَّ الرِّحلة قد شارفت على الإنتهاء بعد عناء السَّفر كما أنَّها محطَّة راحة من كلِّ همٍّ وغمٍّ، وهذا دأب من تزوَّد لتلك المحطَّة بزادٍ وفير، وخير الزَّاد التَّقوى، وذروة ذلك زاد الجهاد في سبيل اللَّه حيث تجد المجاهد يشمُّ نعيم المحطَّة الأخيرة كما حدث مع الصَّحابيِّ أنس ابن النَّضر رضي الله عنه يوم أُحد حيث قال: “واهًا لريح الجنَّة أجده دون أُحد”.
ومنهم من يقترب لهذه المحطَّة بخطوات مثقَلة يعيش فيها بين خوف و رجاء فهو تارة خائف مرتبك مهموم وتارة يرجو فيها رحمة اللَّه و رضوانه و مغفرته.
وتبقى فئة من الرُّكَّاب تعيش في قلق و رعب مستمرٍّ كُلَّما اقترب القطار نحو المحطَّة الأخيرة فتجدهم يلتفتون إلى الوراء ويتمنون العودة لمحطَّاتهم السَّابقة ولكن هيهات هيهات على ما فرَّطوا حيث تجدهم يعضُّون أصابع النَّدم ويقولون: يا ليتنا قدَّمنا لحياتنا، لكنَّ القطار يسير بسرعة ثابتة لا يأبه بأحوال الرُّكَّاب حيث يشقُّ طريقَه نحو المحطَّة الأخيرة، رضي من رضى، وسخط من سخط.
في الختام، اسأل اللَّه العليَّ القدير أن يجعلَنا ممَّن يصل إلى المحطَّة الأخيرة بنفس مطمئنة راضية مرضيَّة… اللَّهم آمين ياربَّ العالمين.