بقلم د. عبد الصمد الرضى
ليس جديداً في سنة التدافع الحضاري العام أن يُجر الضعيف إلى ساحات المناظرات الفكرية التي تروم تطويعه في مجالات أخرى أشد أثراً في عملية التدافع، وهو التبعية المطلقة لمبادئ الغالب من قبل المغلوب في السياسة والاقتصاد، أي في السلطة والثروة.
كما ليس مفيداً أن يبقى المغلوب دائم الولع باتباع الغالب في كل شيء، إذ من سنن الله في التاريخ، ومن طبيعة الأشياء توقان الضعيف إلى التحرر من ربقة القوي.
القوي الغالب يتجسد في كل أشكال الانتصار والقيادة، على المستوى الفكري والاقتصادي والسياسي. والضعيف المغلوب إما تابع خنوع، وإما ممانع مصانع، ينظر إلى الآخر بعين المقاوِم العنيد الذي يرفض الغالب بكل ما له وما عليه.
ومما زاد الأمر تعقيداً وتشابكاً في العصر ما يعرفه العالم من ثورات متسارعة في عالم التواصل التكنولوجي وما يحدثه من التأثير والتأثر بشكل سريع جدا، تتغير آثاره وتداعياته ونتائجه في كل لحظة من الزمن، بل في كل جزء صغير من جزيئات الزمن. العالم صار قرية صغيرة تتأثر جوانبه الدنيا بجوانبه القصوى في لحظات!
ولعل من أهم تجليات هذا النوع من التدافع الحضاري البعد العالمي” العولمي” في تشكيل القيم والمبادئ الحاكمة للسياسة والاقتصاد والفكر في العالم، وفي تحديد مسارات الشعوب والأمم و “برمجة” اختياراتها في خط ناظم محدد سلفاً.
ويقتضي النظر السديد لحامل رسالة “العدل والإحسان” بما هي أمر من الله تعالى لكل عباده، أن يدرك هذا التداخل والتسارع، ويستوعب حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه بالنظر إلى الموروث الفكري الفقهي السياسي المحمول إليه عبر أجيال سبقته في الفعل التاريخي من جهة، والذي يحتاج إلى نظرات نقدية بناءة، وتمحيصات موضوعية وافية، وبين واقع يتطلب منه فقهاً واعياً باللحظة التاريخية التي يعيشها، وسلوكاً بانياً لمستقبل الأمة مستشرفاً لموقعها المرجو مآلا من جهة ثانية.
ومن أهم مداخل هذا النوع من التدافع ما يتعلق بقضايا المرأة:
1- من حيث مساواتها بالرجل في كل شيء في الإرث والوظيفة والفعل المجتمعي والقرار السياسي….
2- من حيث العلاقات الأسرية كزواج المسلمة بغير المسلم، وامتلاك حق التصرف المطلق في مصير الأسرة، وعدم اعتبار الأسرة وحدة طبيعية للتجمع البشري…
3- من حيث الحرية الجنسية ومتعلقاتها، بأن ترتبط المرأة بمن تشاء وقتما تشاء، وكيفما تشاء.
4- من حيث الإجهاض والأحقية به من غير اعتبار لأسبابه ونتائجه ومقتضياتهما الخلقية والدينية.
واللائحة طويلة من القضايا التي تثار في سياقات محددة، وبهندسات مرسومة، ومقاصد معلومة.
في هذا النقاش سنتناول مسألة “مساواة المرأة للرجل في الإرث” في المجتمعات الإسلامية، يتطلب منا هذا النقاش الإجابة على الأسئلة الملحة التالية:
• ماذا تمثل مسألة الإرث والميراث في النسيج المجتمعي المسلم اليوم؟
• ما هي القيمة المضافة التي تحققها مساواة المرأة بالرجل في الإرث من حيث تطوير العلاقات المجتمعية وتحسين أوضاع طبقات المجتمع؟
• هل تحقيق المساواة يعني تحقيق العدل أم هناك فرق بينهما؟
• هل تنبني منظومة الإرث أصلا على التماثل والمساواة مع الرجل أم على الاستحقاق المبني على العلاقة الواضحة بالموروث؟
• هل هناك فرق بين النساء الوارثات أنفسهن في الميراث؟
• ما هي حدود الاجتهاد وضوابطه المتعلقة بتغير الأزمان والأمكنة والأحوال والعوائد؟
الأسئلة كثيرة يستدعي النظر فيها التأسيس العلمي لا مجرد الشعارات الموقوتة، والنقاش الموضوعي لا مجرد النداءات الفارغة، نتوكل على الله في مناقشة الموضوع من خلال:
1- مفهوم العدل والمساواة بين التماثل والتمايز.
2- مقاصد الإرث في منظومة التشريع الإسلامي
3- نسبة فقه الإرث ودرجته بالنظر إلى الفقه الإسلامي بشتى مباحثه.
4- حالات الإرث لدى المرأة في الفقه الإسلامي.
5- بعض مظاهر الانحراف عن مقصود الشرع من الإرث في المجتمعات المسلمة.
6- خلاصات ونتائج.
♦ ♦ ♦ ♦
1- مفهوم العدل والمساواة بين التماثل والتمايز:
العدل في اللغة الإنصاف أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ففي الحكم والقضاء العدل هو القسطاس ورد الحقوق إلى أهلها، وبين المتبارين أو الأطراف المختلفة إعطاء كل واحد ما يستحق حسب جهده وعمله، وقد يكون نصيب كل طرف من المتنازعين أقل من الطرف الآخر بما يقتضيه الحكم.
أما المساواة في اللغة فهي تماثل طرفين أو أطراف في شيء ما، وعدم التمييز بينها بناء على خصائص معينة كالعرق أو الجنس أو الدين أو المستوى الاجتماعي أو النفوذ السياسي أو أي مقياس آخر، وغالبا ما يكون في أمر مشترك بين طرفين أو عدة أطراف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعليه فكلا اللفظين تتغير دلالاته بحسب المجال الذي تناقش فيه والوضع الذي تتم مباشرته. فقد تكون المساواة بين طرفين في أمر ما عدلاً وقد يكون ظلماً بحسب مقتضى تلك التسوية.
ولقد اختارت المؤتمرات المهتمة بقضايا المرآة مصطلح “المساواة” بدل “العدل” لغرض في نفس يعقوب، وفي ما يلي جرد للمؤتمرات التي تتشبث بهذا المصطلح وكيفية توظيفه لمفهوم المساواة[2].”... المساواة عامة وشاملة، وهي من المبادئ السامية، والشعارات الجميلة التي ينادي بها العلماء والمصلحون.
وأول ذكر للمساواة عند الغرب، كان من خلال إعلان الاستقلال الأمريكي في (18/ 5/ 1190هـ/ 4تموز من عام 1776م)، حيث تعرض فيه لبعض الحقوق الإنسانية، ومنها إيجاب المساواة[3].
وأما المناداة بالمساواة كنظام وتشريع، فقد ظهرت مع الثورة الفرنسية، ومناداة كتاب الثورة بذلك، أمثال جان جاك روسو، ومونتسكيو، وديدرو.. وغيرهم، وصدرت في 13/ 11/ 1203هـ- الرابع من شهر آب عام 1789م وثيقة حقوق الإنسان والمواطن. وبدأت الوثيقة بعبارة: ( يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق )، حيث تضمنت تقرير المساواة. وتم وضعه في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر في 7/ 3/ 1206هـ- الثالث من أيلول عام 1791م.
ولقد نصت مواثيق وإعلانات ومؤتمرات الأمم المتحدة على قضية مساواة المرأة بالرجل دون أي تمييز، وعقدت اتفاقيات موضوعها الرئيس والوحيد مساواة المرأة بالرجل، مثل:
• اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة عام (1371هـ-1952م)، وإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام (1387هـ -1967م)، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام (1399هـ –1979م).
• ميثاق الأمم المتحدة[4] الصادر عام (1364هـ -1945م)،فإنه يؤكد على مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، وجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، حيث نصت المادة الثامنة على ما يلي: (لا تفرض الأمم المتحدة قيوداً تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأي صفة، وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية).
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام (1367هـ -1948م)أكد في مادته الثانية على أن (لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر)[5]، وجاء في المادة السادسة عشرة منه:(للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله)[6].
• العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – المتفق عليه – في المادة الثالثة منه النص على ما يلي: (تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد)[7]. ومن الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد:
• الحق في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمينات الاجتماعية[8].
• الحق في تكوين الأسرة، التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ومنحها أكبر قدر من الحماية والمساعدة، خصوصاً في مجال نهوضهـا بمسؤولية تعهد وتربية الأولاد الذين تعيلهم، ويجب أن ينعقد الزواج برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء لا إكراه فيه[9].
• إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، الذي أصدرته الأمم المتحدة عام (1387هـ -1967م[10]).
• وقد كان هذا الإعلان بمقدمته ومواده الإحدى عشرة، يتحدث عن ضرورة مساواة المرأة بالرجل مساواة تامة دون أي تمييز في جميع ميادين الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية[11].
• ثم ذكرت مواد هذا الإعلان، حيث ذكرت المادة الأولى أن التمييز ضد المرأة يمثل إجحافاً أساسياً، ويكون إهانة للكرامة الإنسانية.
• وأما المادة الثانية و الثالثة والخامسة والسادسة فتحدثت عن وجوب النـص علـى مبـدأ تساوي الحقوق في الدستور، وأن يصار إلى تصديق الصكوك الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، المتعلقة بالقضاء على التمييز ضد المرأة، والانضمام إليها وتنفيذها على وجه التمام…وإلغاء جميع الممارسات، العرفية وغير العرفية، القائمة على فكرة نقص المرأة، ووجوب كفالة حقوق المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، ودون أي تمييز، مثل: حقها في التصويت في جميع الانتخابات، وفي ترشيح نفسها لجميع الهيئات المنبثقة عن الانتخابات العامة، وكذلك حقها في تقلد المناصب العامة ومباشرة جميع الوظائف العامة، و حقها في اكتساب الجنسية أو تغييرها أو الاحتفاظ بها، مثل الرجل سواء بسواء، متزوجة كانت أو غير متزوجة، مثل: حق التملك وإدارة الممتلكات والتصرف بها ووراثتها، وحق التمتع بالأهلية القانونية وممارستها على قدم المساواة، ذات الحقوق التي يتمتع بها الرجل، فيما يتعلق بالتشريع المنظم لتنقل الأشخاص.
• وتأمين مبدأ تساوي الزوجين في المركز، مثل: أن يكون للمرأة حق اختيار الزوج بملء حريتها، وعدم التزوج إلا برضاها التام، وأن تتساوى المرأة مع الرجل في الحقوق أثناء قيام الزواج وعند حله، وأن يترتب للوالدين وعليهما حقوق وواجبات متساوية في الشؤون المتعلقة بأولادهما. وأما المادة السابعة فتنادي بإلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات التي تنطوي على تمييز ضد المرأة. والمادة الثامنة تنادي بمكافحة جميع أنواع الاتجار بالمرأة واستغلال بغائها.
وختمت هذه المادة بعبارة ( لا تعتبر تدابير تمييزيـة تلك التدابير التي تتخذ لحماية المرأة، في بعض أنواع الأعمال، لأسباب تتعلق بصميم تكوينها الجسمي). ووجوب وضع مبدأ تساوي حقوق الرجل والمرأة موضع التنفيذ في جميع الدول وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان[12].
• (إعلان طهران) عام (1388هـ -1968م)، الخاص بحقوق الإنسان تمت الدعوة للقضاء على التمييز ضد المرأة.
• اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[13]، التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام (1399هـ –1979م).وهي تأكيد للإعلان السابق في عام (1387هـ -1967م، وتعهدت بفرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان حمايتها عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة، واتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة[14].
وتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية لهما، ومكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغائها عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم….[15].
• وأما المادة السادسة عشرة فتضمنت المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بحقوق الزواج والعلاقات العائلية، فمن ذلك:
أ- نفس الحق في عقد الزواج.
ب- نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.
ج- نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، وما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني.
د- نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل)[16].
• تقرير المؤتمر العالمي عن البيئة والتنمية، المنعقد في (ريودي جانيرو) بالبرازيل عام (1412هـ -1992م)،تحت إشراف الأمم المتحدة، تم التأكيد على: (وضع وتنفيذ سياسات حكومية ومبادئ توجيهية وطنية واستراتيجيات وخطط واضحة لتحقيق المساواة في جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك النهوض بمحو أمية المرأة، وتعليمها وتدريبها، وتغذيتها، وتنفيذ برامج للتشجيع على تخفيف عبء العمل الثقيل الذي تقوم به النساء في المنزل وخارجه، عن طريق إنشاء مزيد من دور الحضانة ورياض الأطفال بواسطة الحكومات والسلطات المحلية وأصحاب الأعمال والمنظمات ذات الصلة الأخرى، وتقاسم الأعمال المنزلية بين الرجال والنساء بالتساوي، وتشجيع توفير تكنولوجيات سليمة بيئياً يتم تصميمها وتطويرها وتحسينها بالتشاور مع المرأة..)[17].
• تقرير المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان[18]عام (1413هـ -1993م)، أو ما يسمى إعلان وبرنامج عمل فينا: يحث على استئصال جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الخفية منها والعلنية على السواء. وينبغي للأمم المتحدة أن تشجع على بلوغ هدف التصديق العالمي من قبل جميع الدول على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بحلول عام (1420هـ -2000م)، وإيجاد سبل ووسائل إزالة التحفظات التي أبديت على الاتفاقية، وحث الدول على سحب التحفظات التي تخالف موضوع الاتفاقية والغرض منها، أو التي تخالف في غير هذا الوجه قانون المعاهدات الدولي)[19].
• تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية، أو ما يسمى إعلان كوبنهاجن للتنمية الاجتماعية المنعقد في (كوبنهاجن) بالدانمرك (5-11/ 10/ 1415هـ/ 6-12 آذار مارس عام 1995م)،بتشجيع المساواة والإنصاف بين المرأة والرجل، وحماية حقوق الأطفال والشباب، وتشجيه تعزيز التكامل الاجتماعي، والمجتمع المدني)[20].
• تقرير المؤتمر الدولي المعني بالسكان، الذي أقيم بالمكسيك مكسيكو (10-19/ 11/ 1404هـ/ 6-14 آب/ أغسطس عام 1984م)،التأكيد على الطابع الملح لتحقيق الدمج التام للمرأة في المجتمع على قدم المساواة مع الرجل، وإلغاء أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة)[21]، فيمكن المرأة من تحمل مسؤولية أكبر فيما يتعلق بحياتها التناسلية. وتراعي التوصيات التالية الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لضمان كون المرأة تستطيع أن تمارس، على نحو فعال، حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في جميع مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ولا سيما تلك الحقوق المتصلة بصورة مباشرة جداً بالاهتمامات السكانية)[22].
• تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقدته هيئة الأمم المتحدة بالقاهرة بمصر (30/ 3- 8/ 4/ 1415هـ/ (5-13 أيلول/ سبتمبر 1994م)وهو المؤتمر الثالث المعني بالسكان الذي تقيمه الأمم المتحدة، تعزيز المساواة والإنصاف بين الجنسين والتمكين من القدرة على السيطرة على خصوبتها أمور تمثل حجر الزاوية في البرامج المتعلقة بالسكان والتنمية. واشتراك المرأة اشتراكاً كاملاً وعلى قدم المساواة…وإزالة جميع أشكال التمييز على أساس الجنس، هما من الأهداف التي تحظى بالأولوية لدى المجتمع الدولي).
• المؤتمرات العالمية التي أقامتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والخاصة بالمرأةفقد تحدثت بإسهاب عن قضية المساواة، بل كانت هذه القضية -بالإضافة إلى قضية التنمية والسلم- هي شعار الخطة العالمية لعقد الأمم المتحدة للمرأة التي أقرت في المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة الذي أقيم في المكسيك عام (1395هـ –1975م)، وهو المؤتمر العالمي الأول عن المرأة.
• المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم في كوبنهاجن بالدانمرك (2-18 من شهر رمضان 1430، الموافق ل: تموز/ يوليه 1980م). وقد فسرت المساواة بين المرأة والرجل في هذا المؤتمر بما يلي:(تفسر المساواة هنا على أنها لا تعني فقط المساواة القانونية، والقضاء على التمييز القانوني، ولكنها تعني أيضاً المساواة في الحقوق والمسؤوليات والفرص المتعلقة باشتراك المرأة في التنمية…. ويجب التسليم بأن تحقيق المساواة للنساء اللواتي طالما تضررن قد يتطلب القيام بأنشطة تعويضية لتصحيح المظالم المتراكمة. ولا بد من إعادة تأكيد المسؤولية المشتركة التي يتحملها الرجل والمرأة من أجل رفاهية الأسرة على العموم، ورعاية الأطفال على الخصوص)[23].
• في تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم الذي أقيم في نيروبي بكينيا (27/ 10-9/ 11/ 1405هـ/ 15-26 تموز/ يوليه 1985م)،كان الحديث عن تأكيد مساواة المرأة بالرجل. فقد جاء في هذا المؤتمر: (ينبغي أن تزال إزالة تامة العقبات التي تعترض تحقيق المساواة بالنسبة للمرأة، التي تتسبب فيها القوالب النمطية الجامدة والتصورات والمواقف تجاه المرأة. وتتطلب إزالة هذه الحواجز، بالإضافة إلى التشريع، تعليم السكان في مجموعهم من خلال القنوات الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك وسائط الإعلام والمنظمات غير الحكومية ومنابر الأحزاب السياسية والعمل التنفيذي)[24].
• المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي أقيم في بكين بالصين (9-20/ 4/ 1416هـ/ 4-15 أيلول/ سبتمبر) 1995م)، الذي كان عنوانه: ( بيان المهمة) ونصها: (منهاج العمل هو جدول أعمال لتمكين المرأة. وهو يهدف إلى التعجيل بتنفيذ استراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة، وإزالة جميع العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة…وإقرار مبدأ تقاسم السلطة والمسؤولية بين المرأة والرجل في البيت وفي مواقع العمل وفي المجتمعات الوطنية والدولية بصورتها الأعم. والمساواة بين المرأة والرجل هي مسألة تتعلق بحقوق الإنسان، وهو شرط لتحقيق تنمية مستدامة يكون محورها الإنسان).
♦ ♦ ♦ ♦
هذه أهم المؤتمرات الأممية المتعلقة بالمساواة بين المرأة والرجل والتي يستند إليها دعاة “الحداثة والتحرر ” من شكل من أشكال” الميز ” الممارس ضد المرأة، ويعتبر العقد الأممي بداية انطلاق هذا الأمر[25].
وحتى تكون من المنصفين فإنها تتضمن تطورا بارزا في التدقيق والتحديد في الموضوع، وصياغته صياغة حقوقية، والتقدم في تثبيت فرضه على المؤسسات الرسمية للدول في تبنيه، وتشجيع ودعم المؤسسات غير الرسمية “المدنية”، خاصة ذات التأثير السريع من الهيئات الإعلامية والحقوقية والقانونية التي تضغط في اتجاه المساواة التي تعني الندية بين الرجل والمرأة في كل شيئ… وهذا كله من منطلق القوة والغلبة الذي تملكه الدول المؤثرة في صناعة القرار الأممي.
بيد أنها في جزئيات دقيقة وواضحة تتعارض تعارضا واضحا مع مسلمات معلومة من الدين لدى المسلمين بالضرورة كالتسوية بين العلاقات الجنسية المبنية على الزواج والناشئة على غير زواج، والتخلص من الجنين الناتج عن علاقة جنسية من غير زواج بإزالة القيود القانونية عن الإجهاض، خاصة في صفوف المراهقين والمراهقات من شباب الإنسانية.
2- مقاصد الإرث في منظومة التشريع الإسلامي:
تنبع مقاصد الشرع في فقه الإرث في الإسلام من المقاصد المعروفة التي تروه تحقيق العدل والإحسان في بناء العلاقات بين الرجل والمرأة في شكل تكاملي تعاوني، من آكدها حفظ العرض والنسل والنسب، فكل الأحكام المتعلقة بالمرأة تدور حول الخصائص الفطرية التي تبلغ بها مرتبة الإحسان، ومن أهمها الخصوصية التي تتعلق بالمرأة باعتبارها أنثى ذات وظائف استراتيجية في بناء الإنسان، لا تنقص هذه الوظائف من كرامتها وحرمتها، بل تزيدها كمالا وحسن تأثير في البناء المجتمعي، لا “دمية جنسية” تستعمل استعمالات غير سليمة.
الخط الناظم لهذه الخصوصية في مجال أحكام الإرث ينبغي أن يتجه صوب تحقيق المقاصد الكبرى للشريعة وهي الحرية، تحرير الإنسان، والكرامة، تكريم الإنسان، والهداية هداية الإنسان، ومن أهم هذه المقاصد في أحكام الإرث.
• تحقيق العدل بين الذكر والأنثى في الإرث.
• النظر إلى وظائف المجتمع العامة في علاقتها بوظائف المرأة وخصوصياتها الطبيعية والفطرية.
• انسجام أحكام الإرث مع أهلية المرأة الكاملة في التملك والتجارة دون حجر عليها من أي جهة كانت.
• تصحيح ما كان سائدا في الشرائع السابقة من ظلم بشأنها في ما يترك أقاربها من أصول وفروع وحواشي ومن تربطها بهم رابطة زواج.
• انسجام أحكام الإرث الخاصة بالمرأة مع منظومة التشريع التنزيلي في شكل قوانين تنفيذية.
• تطبيق هذه الأحكام على جميع الورثة سواء كان الميت ذكرا أو أنثى كبيرا أو صغيرا، فالعبرة بمنهج التقسيم لا بمن مات أو بقي ليرث.
3- نسبة فقه الإرث ودرجته بالنظر إلى الفقه الإسلامي بشتى مباحثه:
ليس فقه الإرث في الإسلام بمنفصل عن الفقه العام بكافة مباحثه، ومباحث الفقهي منها القطعي والظني، ومنها المجمع عليه والمختلف فيه، وهذا باب للاجتهاد والتجديد كبير، بيد أن الاجتهاد فيه وتجديده يحتاج إلى نقاش علمي واقعي متئد لا استغلال جزئيات أحكام، ومفردات نوازل لوصم مجموع الشرع بالقصور.
وباب الاجتهاد هذا لا حق لأحد إغلاقه بدعوى كمال الشريعة، ولا لأحد في تعطيله بدعوى أن المصلحة يحددها العقل البشر بما امتلك من ابتكارات وتطورات.
نعم عرف فقه المرأة، كما الفقه العام في بعض أبوابه، انحباسا عن مواكبة التغيرات المجتمعية التي تفرضها طبيعة تطور الحياة، لكن هذا لا يعني الانسلاخ من حكم الشرع ومقصده، ونفض اليد منه، والنقاش الهادئ المؤسس على قواعد علمية سليمة من شأنه الوصول إلى الصواب وتحقيق المصلحة، ولا حق لأحد في إلغاء الآخر، لكن واقع الحال أن الآلة الإعلامية تهجم بين الفينة والأخرى هجوما عنيفا على بعض الثوابت الشرعية من غير دليل مقنع، إنما لأجل الفرض السياسي، والتوجيه المسبق للوقائع في اتجاه معين.
الوارث كما الموروث في منظومة الشرع قد يكون رجلا أو امرأة، صغيرا أو كبيرا ذا كثير مال أو قليله، وإرث خاص بالقرابة أو الزوجية ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً ﴾ [النساء: 7 – 9].
أما الإرث العام للأمة بمقدراتها وثرواتها فهي ملك للأمة جميعها، وما وقع فيها من انحراف عن مقتضيات العدل والإحسان كبير جدا هو الذي ينبغي أن يحتل من دعاة محاربة الفساد والمفسدين اهتماما أكبر وتوظيفا إعلاميا أقوى.
4- حالات الإرث بالنسبة للمرأة في الفقه الإسلامي.
هناك حالات متعددة في فقه إرث المرأة فليس مقصود الشارع إعطاؤها أقل مما يعطى للرجل لأنها أنثى، وإنما بالنظر إلى الشروط المستوفية في ميراثها، فقد ترث مثل ما يرث الرجل وقد ترث أكثر مما يرث، وقد ترث أقل منه، وتفاصيل ذلك كالآتي:
حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل :
• ميراث الأم والأب مع وجود ولد ذكر، أو بنتين فأكثر، أو بنت أحيانا. لكل منهما السدس.
• الإخوة للأم مع أخوات الأم. فلكل واحد منهما السدس على الانفراد، وإذا تعددوا اقتسموا الثلث.
• زوج وأم وإخوة للأم وأخ شقيق فأكثر. للزوج النصف وللام السدس وللإخوة للام مهما تعددوا، والأخ الشقيق ومن معه الثلث يقتسمونه بالتساوي. وهذه الفريضة تسمى بالحمارية والحجرية واليمية عرضت على عمر فسوى بين الإخوة كلهم.
• عند انفراد الرجل أو المرأة بالتركة. فإذا مات شخص وترك أمه فقط أخذت التركة فرضا وردا، وكذا إذا مات وترك أباه.
• الأخت الشقيقة مع الأخ للأب. فللشقيقة النصف فرضا، والباقي نصف يأخذه الأخ للأب.
• الجد والجدة لكل منهما السدس.
• البنت والعم للبنت النصف والباقي نصف للعم
• بنت الابن مع الأخ الشقيق، لبنت الابن النصف فرضا، والباقي نصف للأخ الشقيق.
حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:
نذكر بعضا منها في هذا المقام:
• إذا تركت امرأة زوجا وأبا وأما وبنتين، فإن الثلثين للبنتين يمكنهما من أن يأخذ أكثر من الابنين إذا وجد مكان البنتين.
• إذا تركت امرأة عن زوج وأم وأخت شقيقة(2 / 1)، فإن الفارق يكون كبير جداً إذ تأخذ الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نظيرها الأخ الشقيق.(الباقي تعصيبا).
• حالة الزوج مع البنت، فإن الزوج ذكر يأخذ الربع والبنت أنثى تأخذ النصف، وغالبا ما تكون بنته وتخت نفقته وجوبا.
• البنت الواحدة مع متعدد إخوة للميت، فإنها تأخذ النصف وحدها، والنصف الباقي يقسمه الإخوة بينهم.
حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل:
• إذا توفيت امرأة عن زوج (4 / 1) وأب (6 / 1)وأم(6 / 1) وبنت(2 / 1) وبنت ابن(6 / 1)، فهي (بنت الابن) بالفرض، وتكون المسألة عائلة إلى (15)، ولو جعلنا ابن الابن مكان بنت الابن، فإنه لا يرث شيئا، لا أنه يرث ما بقي ولن يبقى له شيء.
• حالة ميراث الجدة أم الأم، فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها أب الأم من الأجداد، وقد ترث الجدة ولا يرث معها زوجها الجد.
• البنت أو بنت الابن ومعها أخت شقيقة أو أكثر ووجود إخوة لأب، فللبنت النصف والباقي للأخت أو الأخوات، ولا شيء للإخوة للأب حيث حجبتهم الأخت الشقيقة لوجودها مع البنت.
الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل حصرها القرآن الكريم في أربع حالات فقط وهي:
• وجود البنت مع الابن. وإن تعددوا
• وجود الأخ والأخت الشقيقة وإن تعددوا.
• وجود الأخت للأب مع الأخ للأب. وإن تعددوا.
• وجود بنت الابن مع ابن الابن وإن تعددوا.
وعلى العموم، فإن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات واردة على سبيل الحصر ترث فيها المرأة نصف الرجل، والأكثر من ذلك أن مسألة الأنصبة وتقسيم الإرث بما عملية تقنية حسابية دقيقة، فهي منة دلائل نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو النبي الأمي فمن أين له بهذا النظام الدقيق لولا أنه نبي يوحى إليه ما يصلح البشرية، إنما هي المكابرة والدخول على منظومة الإسلام لهدمها من الداخل، وأنى ذلك فسر بقائها في تشريعها، وقوة حامليها رحمة في العالمين.
إن أمر الإرث وقضاياه ترتبط بالنظام المالي للأسرة في الإسلام. فيوزع المال أو بعد موت مالكه توزيعا يراعى فيها القريب والبعيد، ويراعى فيها هل الوارث صغير أم بلغ من العمر عتياً؟. فكل واحد من الوالدين يستحق من تركة ابنهما السدس، والباقي وهو الثلثان يستحقه أولاده لأن الولد لا زال في حاجة إلى ما يستقبل به الحياة، وإما الوالدان فسيكونون في مرحلة من العمر لا يحتاجون إلى مال أكثر من الصغير وكذلك لهما أولادهم تجب عليهم نفقة أبويهما.
5- بعض مظاهر الانحراف عن مقصود الشرع من الإرث في المجتمعات المسلمة.
مما لا شك فيه أنه وقع من انحراف في التطبيق العملي لأحكام الميراث بهذه النظرة الشاملة، خاصة في مراحل الجمود والتخلف والاستبداد التي عرفتها الأمة الإسلامية في مراحل تطورها التاريخي، ولا تزال تعرفها، إذ يستبد الرجال على النساء في الميراث فتجد الرجل يأكل ميراث أخته ظلما وعدوانا بدعوى أنها متزوجة غير محتاجة، أو ينفرد الأب بحق ابنته التي مات عنها وزجها في الميراث بدعوى أنه سينفق عليها، وهكذا تتطور العادات المنحرفة وتبتعد شيئا فشيئا عن روح الشرع ومقصده، وتصير وسيلة إذلال بعد أن كانت سبب إعزاز.
6- خلاصات ونتائج
الناظر إلى الموضوع بموضوعية يصل إلى النتائج التالية:
أولا: مشكل دعاة المساواة على الإطلاق يكمن في صدهم عن المرجعية الشرعية في مقاربة القضايا، بل واقتناص الفرصة لمحاربة من يريدون الانطلاق من صميم دينهم الذي هو تحقيق مقصدي العدل والإحسان في كل شيء. وبغض النظر عن الأصل التشريعي المعتمد في هذا الموضوع، والذي هو مقررات العقل البشري والتجربة الإنسانية في تحديد حسن الأشياء وقبحها، فإنه يمكن إيجاد مداخل قوية في منطوق مقررات المؤتمر الأممية للاحتجاج بها على صحة وأحقية ما جاء به الشرع الحنيف مما هو صريح في دلالته صحيح في نسبته مجمع على تحديد معناه، من ذلك:
ثانيا: أصل المساواة بين الناس في الكرامة والمسؤولية والتكليف بغض النظر عن العرق أو الجنس.
ثالثا: أصل المساواة لا يلغي تنوع وظائف فئات المجتمع باعتبارات متعددة الذكورة والأنوثة واحد من معاييرها في خط تكاملي لا صدامي، فالمادة العاشرة من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، الذي أصدرته الأمم المتحدة عام (1387هـ -1967م). تتحدث عن كفالة تمتع المرأة، متزوجة أو غير متزوجة، بحقوق مساوية لحقوق الرجل…. وختمـت هـذه المادة بعبـارة:” لا تعتبـر تدابيـر تمييـزيـة تلـك التدابير التي تتخذ لحماية المرأة، في بعض أنواع الأعمال، لأسباب تتعلق بصميم تكوينها الجسمي“[26]
رابعا: أن تحقيق المساواة على المستوى الواقعي التطبيقي تحول دونه كثير من الحوائل سواء في منظومة التشريع الإسلامي أو منظومة التشريع الغربي، فينبغي أن ينصب النقاش حينها على إشكالات التنزيل لا مبادئ التقنين والتأصيل[27]. “أساء المسلمون الرجال ممارسة «الدرجة»، فالمسلمات يطلبن عدلا، والمارقات المندسات الكاتبات الخاطبات يردن انتزاع زعامة القافلة من يد الرجال المسلمين ليتولاها أخدانهن ويتولينها هن. مساواة بين الرجل والمرأة، وديمقراطية تطرح الدين جانبا، وقانون متحول لا يقبضه ثابت عتيق عن السير في خط التقدم في ذيل القافلة الدوابية الزعيمة. هل في مكتسبات المرأة الغربية ما يغري المسلمات؟ هذا والاستقلال الاقتصادي لا تزال المرأة الغربية تجري وراءهُ، وهو مكسب هائل لو تحقق. نفرض أنه تحقق لها هناك، فما ثمنه؟ إن كان القانون الغربي انتزعت منه المرأة الغربية بنضال وتطور اجتماعي بعض الإنصاف في أجر العمل، وفرص التعلم والرقي الاجتماعي، فإن الثمن من إنسانيتها باهظ. صيرتها الثورة الجنسية لعبة مبتذلة. واختلس منها الرجال من جانب ضعفها النفسي أضعاف ما خوله لها القانون من جانب قوتها النضالية. على لافتة النضالية العالمية للمرأة مكتوب بحروف ملتهبة: «مساواة». إن أردتن معشر المؤمنات الفرجة على هذه المساواة على أرض الواقع الغربي لا على لافتات النضال تحت راية القومية النسوية فانظرن إلى حال الدمية الغربية. وإن جادلتكن مارقة فاسألنها ما يفعل الحلاق بشعر الغربية الأصيلة واللقيطة، وما يفعل بوجهها صانع الأصباغ والعطور وجراح التجميل، وما يفعل بهندسة جسمها مبدع الأزياء، وما يصنع الإشهار بصورتها وأوضاع جسمها، وما يفعل صانع الأغاني بصوتها، وما يفعل كل هؤلاء الرجال بأجرتها عاملةً، وبماهيتها موظفة. أي استقلال وأية مساواة! بل أي استعباد واستغلال![28]“
خامسا: أن من دعاة حقوق الإنسان في المنتظم الدولي ذوو مروءات يقتنعون بالحق أنى وجدوه وكانت حجة أصحابه قوية ولو كان من منظومة تشريعية ذات أصول دينية إسلامية، وهذا يتطلب منا حشد الجهود من أجل إبراز البعد العالمي للإسلام[29]، واستفراغ الوسع في ربط هذا البعد بإنقاذ الإنسان مما يعانيه من مشكلات على جميع المستويات ومنها التناقض الصارخ بين الدول الأغنياء المتحكمة في الثروة والسلطة وبين المجتمعات المغلوبة، سواء كانت غربية أو عير غربية.
سادسا: التنبيه على أن الأمم المتحدة بما هي منتظم دولي ينبغي ألا تسقط في أحضان جهة ما في العالم، كما هو واقع الآن، وأن العولمة لا تعني البتة تذويب القيم الإنسانية في قالب معين وتنميط الاختيارات العالمية تحت أي اسم من المسميات مثل: السلم، التنمية، المساواة، فخصوصيات الشعوب والأمم والحضارات إرث إنساني ينبغي مراعاته والحفاظ عليه.
سابعا: توضيح أن أشكال الميز التي تعانيها شعوب العالم اليوم لا تتعلق بصفتي الذكورة والأنوثة والمواقف منها أكبر بكثير من تلك الناتجة عن أسباب أخرى، أين هي المساواة بين أطفال العالم ونسائه وعجزته؟
ثامنا: الالتفات إلى التراث الفقهي الذي خلفه الذين سبقونا بإيمان والنظر في اجتهاداتهم التي كان للزمان والحال والواقع موقع تأثير واضح واستفراغ الجهد في تجديدها. “المؤمنات والمؤمنون أكفاء في شرع الله المنزَّل بميزان العدل. لا ترجَحُ كفة الرجل ولا كِفة المرأة إلا بالتقوى. تجد هي ويجد هو فضل ذلك الرجحان في ميزان الحسنات يوم القيامة. أما التكافؤ في الحقوق والواجبات هنا في الدنيا فمحكوم بشريعة مفصلة ثابتة ثبوت الفَلَك الدَّوّار وثبوت نواميس الله في الكون. فإذا وقع التحول بالهبوط أو الانحراف في أشخاص ذوي الحقوق وفي بيئتهم الاجتماعية والعالمية فإن مرونة الاجتهاد تُكيف ما بين الواقع وبين المطلوب الشرعي بالتدرج والتقريب وإعمال وازعَيْ القرآن والسلطان.[30]“
تاسعا: تدقيق الدراسات العملية في الأسباب الكامنة وراء التناقض الصارخ بين أحكام الشريعة الغراء وواقع المسلمين المليء بمظاهر الميز والعنصرية على أساس القبيلة والشخص والجنس والسلطة، خاصة من قبل العلماء الذين حملوا أمانة التبليغ والبيان، ومن آكد أوجه التبليغ والبيان الانحراف الذي وقع في نوع العلاقة بين حقوق الحاكم وحقوق المحكوم في ظل أحكام الشرع ومقاصده، وما نتج عن ذلك من تأثير في فقه المرأة ووظيفتها الأساسية وموقعها في المجتمع، ذلك أنه: ” إذا أخرجت الحكم الشرعي في الميراث عن نسقه الإسلامي الكلي فالإجحاف والظلم باديان صارخان في كون الأنثى ترث نصف ميراث الذكر. لكن إن اعتبرت هذا الحكم في نسقه الكلي وجدت أن المسلمة أحسن إليها الشرع حيث حباها بنصيب من الميراث تشتمل عليه احتياطا لدوائر الزمن، وتستثمره بحرية ليوم الحاجة ولإنفاقها في سبيل الله، بينما رزقها وكسوتها وسكنها وسائر نفقاتها كُلِّفَ بها الأب وهي صبية أو أيِّمٌ، وكلف بها الزوج الكاسب.[31]“
عاشرا: رغم إن في نتائج المؤتمرات الأممية ما يعارض شريعة الإسلام في أحكامها، فإنه يمثل تطورا في الحكمة البشرية في اتجاه مقصدي العدل والإحسان الذي أمر الله تعالى بهما، خاصة فيما يتعلق بالتطبيق العملي لمبدأ المساواة التي تحترم الخصوصية، وتراعي البعد التكاملي، فيكون من الإنصاف والعدل النظر في تجارب المسلمين في معالجة القضايا الاجتماعية في ظروف واقعية متسمة بالتطور والتغير السريعين. نحتاج إلى اجتهادي جماعي يروم مقاربة المواضيع مثل هذه من زوايا متعددة، الشرع الحكيم، الدراسات الاجتماعية والنفسية والطبية وغيرها.
[1] الدكتور عبد الصمد الرضى: أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجهة البيضاء- سطات. مدير المركز الدولي للبحث العلمي. مستشار ومؤلف في المجال التربوي.
[3] حقوق الإنسان في الإسلام/ محمد الزحيلي ص102، 103 مختصراً.
[4] انظر: هذا الميثاق في موقع الأمم المتحدة على الشبكة العنكبوتية -الإنترنت-.
[5] حقوق الإنسان/ محمود بسيوني: ج1 ص18.
[6] المرجع السابق: ص19.
[7] حقوق الإنسان/ محمود بسيوني: ج1 ص23.
[8] المادة التاسعة.
[9] المادة العاشرة.
[10] أصدرت هذا الإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967م القرار 2263(د-22).
[11] حقوق الإنسان/ محمود بسيوني: ج1 ص93،94، فمما جاء في مقدمة الإعلان: (إن الجمعية العامة.. إذ يقلقها استمرار وجود قدر كبير من التمييز ضد المرأة، رغم ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وغير ذلك من صكوك الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، ورغم التقدم المحرز في ميدان المساواة في الحقوق.
وإذ ترى أن التمييز ضد المرأة يتنافى مع كرامة الإنسان وخير الأسرة والمجتمع، ويحول دون اشتراك المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويمثل عقبة تعترض الإنماء التام لطاقات المرأة على خدمة بلدها وخدمة الإنسانية.
[12] المرجع السابق: ج1 ص94-96.
[13] اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/ 180 المؤرخ في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979م، وتاريخ بدء النفاذ 3 أيلول/ سبتمبر 1981م، طبقاً لأحكام المادة 27/ 1.
[14] المرجع السابق: ج1 ص98،99.
[15] المرجع السابق: ج1 ص99 (المادة الخامسة والسادسة).
[16] المرجع السابق: ج1ص103،104.
[17] تقرير المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية (1992م)، ريودي جانيرو، الفصل 24 (3-د) ص400،401.
[18] تقرير المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان/ إعلان وبرنامج عمل فينا (النمسا) حزيران / يونيه 1993م، منشورات الأمم المتحدة (إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة).
[19] تقرير المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، فينا، 1993، ص 48،49.
[20] تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية، كوبنهاجن، 1995، الفصل الأول/ باء (الفقرة 26-ي) ص11.
[21] تقرير المؤتمر العالمي المعني بالسكان/ مكسيكو، 1984م، التوصية (باء)/ دور المرأة ومركزها، الفقرة (15)، ص19.
[22] تقرير المؤتمر العالمي المعني بالسكان/ مكسيكو 1984م، التوصية (باء)/ دور المرأة ومركزها، الفقرتان (16،17)، ص19،20.
[23] تقرير المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة، كوبنهاجن،1980، الجزء الأول/ المقدمة – باء (الفقرة3).
[24] تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة، نيروبي، 1985م، الفصل الأول/ باء الفقرة (57).
[25] العقد الأممي: هو العقد الذي اتفق عليه في المؤتمر العالمي الأول للمرأة المنعقد في المكسيك عام (1395هـ – 1975م) –، الذي اعتمدت فيه خطة العمل العالمية حول قضايا المساواة، والتنمية، والسلم. ويمتد من عام (1396-1405هـ/ 1976-1985م). وقد بدأ اهتمام هيئة الأمم المتحدة بالمرأة منذ عام ستة وأربعين وتسعمائة وألف (1365هـ – 1946م)، حين أنشئت لجنة مركز المرأة، وهي هيئة رسمية دولية تتألف من خمس وأربعين دولة من الدول الأعضاء، تجتمع سنوياً بهدف عمل مسودات وتوصيات وتقارير خاصة بمكانة المرأة وتقويم تلك الأعمال. وقد أكد دستور هيئة الأمم المتحدة وميثاقها – الذي أبرم في سان فرانسيسكو بتاريخ (16/ 7/ 1364هـ – 26/ 6/ 19455م) – على مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، فجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، كما ورد في نصوص المادتين الأولى والثامنة. وقد أكدت المادة الثامنة على أنه (لا تفرض الأمم المتحدة قيوداً تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأي صفة وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية).
[26] أصدرت هذا الإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967م القرار 2263(د-22).
[27] لا تنسى الإنسانية سوء معاملة بعض أفراد الشرطة البيض لزنجي في ولاية (لوس أنجلوس) في العام الميلادي (1417هـ-1997م)، حيث انكبوا عليه ضرباً وشتماً، من باب التفرقة العنصرية، مما تسبب في أحداث عنف كبيرة من قبل الزنوج في تلك الولاية، خرجت فيها الولاية بخسائر مالية واجتماعية كبيرة، وقد تحدثت عنها وسائل الإعلام العالمية كثيراً في ذلك الوقت؛ حيث تجلت صورة الإخاء والمساواة بين الناس، لا بل بين النصارى وأبناء الدولة الواحدة، على حقيقتها أمام العالم!!. والأمثلة على ذلك كثيرة، وقصص الميز واللامساواة في الوظائف في فرنسا ضد ذوي الأصول العربية معروفة.
[28] تنوير المومنات عبد السلام ياسين ج1 ص204.
[29] تم إعلان عالمي إسلامي لحقوق الإنسان، على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في عام 1399هـ-1979م، اتفق عليه من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1409هـ- 1989م، وقد نص على مبدأ المساواة، في عدة مواد منها:
المادة الأولى:((البشر أسرة واحدة، والعبودية لله، والنبوة لآدم، وجميع البشر متساوون في الكرامة، وأصل التكليف، والمسؤولية دون تمييز، وأن العقيدة الصحيحة هي الضمان، والخلق كلهم عيال الله، ولا فضل لأحدهم إلا بالتقوى)).
المادة الثانية:((الحياة هبة الله، وهي مكفولة لكل إنسان..)). المادة الخامسة: ((الأسرة أساس المجتمع، والزواج أساس تكوينها، وثبوت حق الزواج للرجال والنساء..)). المادة السادسة:((المرأة مساوية للرجل في الكرامة، والحقوق، والشخصية، والذمة المستقلة، وعلى الرجل عبء الإنفاق)). المادة الثامنة ((تمتع الإنسان بالأهلية الشرعية، وقيام الولي عند فقدانها)). المادة التاسعة: ((العلم فريضة، والتعليم واجب، ويجب التعليم الديني والدنيوي بشكل متوازن)).
المادة الحادية عشر: ((الناس يولدون أحراراً، ويمنع الاستعباد، والقهر، والاستغلال، والاستعمار للشعوب)).
المادة الثالثة عشرة: ((حق العمل تكفله الدولة، مع حرية اختيار العمل اللائق، بأجر عادل، مع الحق بالإجازة، والعلاوة، والترقية، وحق الدولة بالتدخل لفض النزاع، والظلم بين العمال وأرباب العمل)).
المادة التاسعة عشرة: ((الناس سواسية أمام القضاء، مع الحق المكفول للجميع، والمسؤولية شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بحكم شرعي..)).
المادة الثالثة والعشرون: ((الولاية أمانة بدون استغلال، ولكل إنسان الحق في المشاركة في الأمور العامة، والوظائف)).
[30] نفس المرجع ج1 ص203.
[31] نفس المرجع والصفحة.
(المصدر: شبكة الألوكة)