مركز التأصيل للدراسات والبحوث
تحتل علوم الشريعة الإسلامية مكانة عظيمة في المؤسسات التعليمية في المملكة العربية السعودية، ومناهجها ترتبط في مضمونها ورسالتها بنصوص الوحيين الكتاب والسُّنة باعتبارهما المنبع الصافي لهذه العلوم، والمرجع لكل القضايا العقدية والفقهية والأخلاقية والسياسية والدعوية. وانطلاقا من مكانة النصِّ الشرعي والاهتمام بها عقدت جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية ممثلة في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية مؤتمرا خاصا بهذا الشأن؛ وحرصا منها على تبني قضايا الأمة وتلمس مشكلاتها وإيجاد الحلول لها، والقيام بواجبها الشرعي والوطني.
وقد جاء المؤتمر، والذي انعقد يومي الأربعاء والخميس (23- 24 صفر 1438هـ الموافق 23- 24 نوفمبر 2016م)، تحت عنوان “النص الشرعي.. القضايا والمنهج”. وقد قُدِّم للمؤتمر أكثر من (120) مائة وعشرين بحثاً، اجتاز التحكيم منها (59) تسعة وخمسون بحثا، عقد لها (8) ثمانُ جلساتٍ علمية، تناولت ستة محاور:
المحور الأول: النص الشرعي المفهوم والحجية؛ والمحور الثاني: تعظيم النص في الكتاب والسنة وعند السلف؛ والمحور الثالث: جدلية العلاقة بين النص وفهمه؛ فيما تناول المحور الرابع: المؤثرات في الموقف من النص الشرعي؛ وكان المحور الخامس حول قواعد وضوابط العمل بالنص الشرعي، أما المحور السادس فتحدث عن المناهج المخالفة في التعامل مع النص الشرعي.
وقد حظي المؤتمر برعاية أمير منطقة القصيم د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، الذي ألقى كلمة بهذه المناسبة أشار فيها إلى أنَّ المؤتمر يَدُلُّ على اهتمام الجامعة بالحِفَاظِ على الدِّين وثوابته التي تمثل دستور المملكة، مؤكداً أن قوة المملكة واستقرارها منذ توحيدها يعود إلى تمسكها بكتاب الله وسنة رسوله والشريعة الغراء؛ ومشدِّدًا -في كلمته- على ضرورة أن تشمل التوصيات والنتائج على ما يزيل الفرقة والتشتت عن الأمة الإسلامية، وسبل مواجهة تسلط الأعداء الذي جاء بعد أن أهملت الأمة مصدر قوتها وعزتها المتمثلة في الشريعة الغراء.
وطالب سمو الأمير بضرورة أن يدفع علماءُ الدِّين تُهمَةَ التَّطرُّفِ والإرهَابِ عن الدين الإسلامي، بالتركيز على الوسطية والاعتدال التي تمتلئ بها النصوص الشرعية؛ مُشدِّداً على أن يتبنى المؤتمر طرحاً جديداً وليس تقليدياً لنبذ الإرهاب والإدانة القوية لمن يمارسون الإرهاب باسم الدِّين وبفتاوى باطلةٍ من جماعات إرهابية تدعو للعنف والقتل وانتشار الطائفية. كما طالب القائمين على المؤتمر بترجمة التوصيات إلى عدة لغات ونشرها للعالم، ليعلم الجميع سماحة هذا الدِّين، وينجذبوا لدين الله ولا ينفروا منه؛ مذكرا بأهمية أن نبتعد في تفسير النصوص الشرعية عن الأهواء.
وأكد مدير جامعة القصيم أ. د. عبدالرحمن بن حمد الداود –في كلمته الافتتاحية- على ضرورة أن يخرج المؤتمر بتوصيات مثمرة، تكون محل التنفيذ داخل المؤسسات العلمية المختلفة، وأن يتم تطبيقها في كافة مؤسسات المجتمع بما يخدم الأمة ويرفع من قدرها.
من جهته أكد عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية (رئيس المؤتمر) د. وليد الحسين على أهمية المؤتمر كونه يتناول النص الشرعي بما له من مكانةً عظيمةً في الشريعة، وخصوصيةٍ لا تتأتى لغيره، فهو مصدرُ التشريع، وإليه يَحتكِم المختلفون. مشيرا إلى تقلبات العصر التي أحدثت بعض الاضطرابٌ والخللٌ في فهم النصوص الشرعية وتَعدُّدِ أَوجهِ قراءاتِه، حتى أٌقحمَ على النُّصوصِ كثيرٌ مِن الشبهات -لا سيما عند فئة الشباب.
المؤتمر الذي حظي باهتمام العلماء وطلبة العلم والباحثين، وصدرت أبحاثه في ثلاثة مجلدات، وحفلت جلساته بالطروحات العلمية المؤصلة والمناقشات الثرية والمداخلات المفيدة، شهد مشاركة نسائية مرافقة، بقاعة الجوهرة في مبنى الطالبات، مع تخصيص عدد من الجلسات لمناقشة الأبحاث والأوراق البحثية المقدمة من الباحثات.
وخرج المؤتمر بجملة من التوصيات من أهمها:
– ضرورةُ إظهارِ وتأصيلِ الفهمِ الصحيحِ للنصوصِ الشرعية على ما جاءَ عن السلفِ الصالح -عليهم رضوان الله- وما يؤسِّسُهُ من منهجِ الاعتدالِ والتوسطِ ويُسرِ الشريعةِ وسماحتِها، وذمِّ الغلوِّ والتطرفِ الناشئِ عن الانحرافِ في فهم النص الشرعي.
– التأكيدُ على مسؤوليةِ علماءِ الأمة في كشفِ زللِ الفهم المتطرفِ للنصِّ الشرعي، وما يؤَثِّرهُ من اختزالِ النصوصِ وحملِها على غيرِ مرادِ الشارع، وتركِ محكمات الشريعةِ إلى فهومٍ باطلةٍ تؤدي إلى الزيغِ والضلالِ.
– العملُ على تعزيز البناءِ الرّوحي والثّقةِ بالنّفس لدى الفرد المسلم، وضرورةُ تبنّي برامجَ علميّةٍ دعويّةٍ ثقافيّةٍ توعويّةٍ لتنشئة الأجيال على حبّ الكتاب والسُّنّة وتعظيمِهما.
– الاعتمادُ على مصادرِ الاستدلالِ المعتبرةِ عند العلماء المحقّقين في فهم النّص، دون إخلالٍ بظروف العصر وتحوّلاتِه، ومراعاةُ المرحليةِ والتّدرُّجِ والتّدافع.
– ضرورةُ ضبطِ المفاهيمِ والمصطلحاتِ وفقَ منهجٍ علميٍ صحيح، لئلا تُستغل المفاهيمُ والمصطلحاتُ غيرُ الصحيحةِ في تضليلِ الأفكارِ وتحريفِ الفهمِ للنصوص الشرعية.
– على المؤسّسات الأكاديميّةِ الإسلاميّةِ الاستمرارُ في إقامة مثل هذه الأنشطة التي تهدف لضبط فهمِ النّصّ الشّرعي.
– العملُ على إنشاء خُطّةٍ تهدف إلى بناء وتكوينِ العلماء المجتهدين.
– التأكيدُ على أهمّيّة توعية المجتمعات الإسلامية بضرورة توقير النّصوصِ الشرعية، والأخذِ بما قرّره العلماءُ من ضوابطَ تحكم الاحتجاجَ بالنّصوص الشرعية.
– إبرازُ جهودِ العلماء والشخصيّاتِ والمؤسساتِ والدولِ في الحفاظ على النّص الشرعي، والدّعوةُ لجعله مصدرًا وحيدًا للتشريع والتّقنين.
– أهميةُ وضعِ برامجَ دراسيةٍ في المناهج التعليمية للمدارس والجامعات تتضمنُ تعظيمَ النّص الشرعي وأخلاقياتِ التعاملِ معه، وبيانَ خطورة التعدّي عليه.
– الدعوةُ إلى إعداد طالبِ العلم الشرعي بمنهجيةٍ علميةٍ واعية، مدركةٍ للواقع معظِّمةٍ للنص، قادرةٍ على مواجهة التحديات المعاصرة.
– تكثيفُ الجهودِ العلميةِ من قبل المؤسسات الحكوميةِ والخيريةِ والإعلاميةِ في إبراز مواكبة النصّ الشرعي للعصر وتحدياتِه.
وأكد المشاركون في المؤتمر -خلال جلساتهم العلمية المتواصلة- على ضرورة ترسيخ مبدأ الإتباع بدلاً من التقليد تجنباً للتعصب، وذلك لحماية الأمة من التطرف والفكر الضال المنحرف.
وكانت أولى الجلسات بعنوان (النص الشرعي، المفهوم والحجية)، برئاسة الدكتور أحمد بن حمد الخليل، نوقش خلالها عدد من الأبحاث وأوراق العمل، حول مفهوم النص الشرعي وحجيته، حيث شملت المناقشات طرق ضبط قراءة النص الشرعي بما يتوافق مع مفهومه، ومعالم التمسك بالنص الشرعي عند الحنفية وغيرهم، كما تناولت الجلسة النص الشرعي التعليمي وطرق معرفته وحجيته، ، وكان من أهم التوصيات التي خرجت بها التوسع في دراسة النص الشرعي واستخراج ضوابط للنص الشرعي التعليمي بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
وعقدت الجلسة الثانية بعنوان (النص الشرعي، موجبات التعظيم وإشكاليات التأويل) برئاسة الدكتور سليمان بن عبد العزيز الربعي، وناقش الباحثون دور المؤسسات العلمية والهيئات العامة في تعظيم النص الشرعي، وما يدعم ذلك من أقوال ومواقف السلف الصالح، وأهم معالم تعظيم النص الشرعي والاجتهاد فيه عند الأصوليين، وعقب عرض الأبحاث الخاصة بالجلسة تم فتح باب المناقشة حول موضوعاتها، ثم عرض رئيس الجلسة أهم التوصيات والتي تركزت حول وجوب العناية بتدريس النص الشرعي للتخفيف من حدة الخلاف والتعصب، وعقد الدورات التدريبية المتخصصة للطلاب، وكذلك تأسيس جمعيات علمية تهتم بالنص الشرعي، والرد على الشبهات وإقامة المسابقات العلمية في هذا المجال.
وتناولت الجلسة الثالثة التي ترأسها الدكتور مزيد بن إبراهيم المزيد بعنوان ” النص الشرعي بين التأثر والتأثير”، موقف المستشرقين من النص الشرعي ومظاهر تأثرهم به، كما تناولت السياق الاجتماعي وتأثيره على فهم النص الشرعي لدى العامة، كما تم عرض ورقة بحثية حول المؤثرات الشرعية في فهم النص الشرعي في ضوء القرآن الكريم، وفي ختام كل جلسة فتح المجال للنقاش حول الأبحاث التي تم عرضها، والتوصيات المطلوبة في موضوع الجلسة.