مقالاتمقالات مختارة

قضايا الأقليات المسلمة وحدود الحركة بين “المطلوب” وبين “الواقع” و”الممكن”

قضايا الأقليات المسلمة وحدود الحركة بين “المطلوب” وبين “الواقع” و”الممكن”

بقلم أحمد التلاوي

تصاعدت في الآونة الأخيرة موجة جديدة من فيضان هجوم واضطهاد مستمر ضد الأقليات المسلمة في مناطق عديدة من العالم، مثل مسلمي الهند بعد قانون جنسية اللاجئين الجديد الذي يستثني المسلمين، وكما في حالة مسلمي #الإيغور في تركستان الشرقية في الصين، والملف المزمن للروهينجيا المسلمين في ميانمار، والذي دخل ثلاجة الجمود السياسي والإعلامي بعد “استقرار” الوضع بأكثر من ثلاثة أرباع شعب الروهينجيا في مراكز ومعسكرات اللجوء في بنجلاديش المجاورة.

وتأخذ الانتهاكات ضد الأقليات المسلمة أكثر من شكل بحسب البلد أو المجتمعات التي يتواجدون بها، بدءًا من التمييز العنصري والتعرُّض لاعتداءات اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، وحتى القتل على الهوية والتهجير وانتهاك حقوق الفردية  مثل الحق في العبادة كما رأينا في اعتداءات نيوزيلندا، وفي الهند والصين وميانمار مؤخرًا.

ولكن ليس هذا بدقة هو الذي نسعى إلى مناقشته في هذا الموضع من الحديث؛ حيث إن هذه القضايا والأزمات قد قُتِلت رصدًا وبحثًا في جذورها وأسبابها، وإنما نعنى هنا بمجموعة من الظواهر التي تتصل بقضية تعامل عموم المسلمين ونخبتهم الإعلامية والسياسية مع مثل هذه القضايا والأحداث المرتبطة بها.

فمع كل موجة من موجات هذه الانتهاكات؛ إما أننا نقف أمام أطراف تكون شديدة التحمُّس، وتطرح خططًا وتصورات للتعامل مع الموقف، أو نجد الجمود هو سيد الموقف في ظل تغيُّر في ترتيب الأولويات لدى الكثير من المسلمين حول العالم، مُكْرَهين لا راضين عن ذلك، بفعل أزمات وحروب وصراعات وضعتهم في موا ضع دفاع عن الحياة ولقمة العيش، وأخذت من أمنهم وبيوتهم.

وفي طرف آخر، نجد طائفةً من الناس لا يكادون يفقهون حديثًا؛ حيث يتركون القضية الأساسية، والجريمة الحاصلة، ويتفرَّغون للحديث عن “التسييس” الحاصل لها، أو أن طرحها إعلاميًّا إنما لخدمة مصالح قوى عظمى تخوض حروبًا اقتصادية وتنافِس قوى عظمى أخرى على المستوى الدولي!

وهو ما وجدناه في المشكلات التي تعرَّض لها لاعب كرة القدم الألماني من أصول تركية، مسعود أوزيل، عندما أظهر تضامنه وتعاطفه مع شعب الإيغور المُنتَهكة حقوقه من جانب السلطات الصينية، فتمت معاقبته لتجاوزه قواعد فصل السياسة عن الرياضة، وخرج مَن خَرَج للحديث عن أنه يخدم أجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجماعة الإخوان المسلمين.

ويتناسى كل هؤلاء الجريمة الحقيقية الحاصلة؛ حيث يبقى لديهم سلوك أوزيل هو المشكلة، بينما هناك ملايين البشر –بعيدًا عن هويتهم الدينية أو القومية لسد ذرائع أصحاب هذا الخطاب عن أن التصعيد مقصود لخدمة قوى بعينها– عُرْضةً للقتل أو التعذيب أو الانتهاك غير العادي لحقوقهم الفردية في العبادة والزواج والظهور في الأماكن العامة بما يعكس هويتهم المسلمة، مثل الحجاب النساء المسلمات.

وهو ذات منطق الصهاينة ومَن نحا نحوهم عندما يتكلمون عن أنه لا حق قانوني للمحكمة الجنائية الدولية في التدخُّل للتحقيق في جرائم الحرب الصهيونية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، سواء بالقتل، أو بالاعتقال، أو بالإذلال على معابر الاحتلال في الضفة الغربية، أو من خلال القصف والحصار في قطاع غزة.

هؤلاء مشكلتهم الأساسية “تقنين” موقف الجهة الدولية المُشار إليها، بينما لا يلتفتون أصلاً إلى حجم الجرائم المرتكبة من جانب الكيان الصهيوني وجيشه وأجهزة أمنه التي تطال –كذلك– مجموعة من البشر، أيًّا كانت هويتهم السياسية أو القومية!!

فهذا أولاً منطق متهافت يجب أن يكون نقضه هو أولوية لدى حَمَلة رسالة هذه القضية أو الأزمة، أو تلك.

لأن هؤلاء يتحركون ويتكلمون في منصات قوية ومؤثرة، وبالفعل، حديثهم الذي يبدو ظاهره سليمًا ومستندًا على قواعد وقوانين مرعية معمول بها، يسحب الكثير من انتباه العوام من ضعاف الفهم والتعليم والتأهيل الفكري والثقافي، والذين لا تصلهم في المقابل الرسالة كاملة حول أوضاع المستضعفين.

لكن في المقابل، فإنه لدى المتحمسين من حَمَلة رسالة إيصال أصوات المنكوبين والمغدورين في بلادهم أو تشردوا خارجها بسبب ممارسات الأنظمة الحاكمة، الصين أو الهند أو غيرها، فالحديث هنا على وجه العموم؛ لدى هؤلاء مجموعة من المشكلات التي يجب الالتفات إليها لتحقيق الهدف من حملات التوعية والحشد التي يقومون بها.

وهي مشكلات جوهرية بالفعل، وليست من نافل القول أو مجرَّد أخطاء مهنية في المجال الإعلامي، أو أخطاء فنية في الإطار السياسي وحشد الناس للتحرك من أجل الدعم والإسناد، وبالتالي؛ يجب وضعها في الحسبان والعمل على معالجتها.

وأول هذه المشكلات، هو تجاهل بعض القوانين المهمة التي تحكم هذه النوعية من الحِراك، وعلى رأسها الواقعية والمنطقية، والاستطاعة، ومخالفة هذه القوانين، كما في القرآن الكريم، وتؤيده التجربة التاريخية والخبرة البشرية، لا يعني سوى الفشل التام، مهما حسُنَت النوايا، ومهما كانت عدالة القضية التي يتم التحرُّك لأجلها.

تجاهل بعض القوانين المهمة التي تحكم الحراك الداعم لآخرين وعلى رأسها الواقعية والمنطقية والاستطاعة ومخالفتها لا يعني سوى الفشل التام، مهما حسنت النوايا ومهما كانت عدالة القضية

فلا يجوز بالمطلق تجاهُل أن هناك جانبًا بالفعل في تصعيد ملف الإيغور؛ لن نقول يخدم المصالح الأمريكية والغربية في صراعهم التجاري والسياسي مع الصين، وإنما تقف بالفعل خلفه دوائر في بريطانيا والولايات المتحدة، أي الدولتَيْن اللتَيْن تقودان التحالف الأنجلو ساكسوني الذي يسعى إلى استمرار هيمنته في مواجهة الأمم والكيانات الأخرى الكبرى.

وبالتالي؛ فإن الصين ليست وحدها في هذه الصورة؛ حيث إن محاولات إضعاف الاتحاد الأوروبي وإضعاف النفوذ الفرنسي في أفريقيا، ومواجهة التمدد الروسي في شرق أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تندرج ضمن استراتيجية واحدة واسعة النطاق.

وبالتالي؛ فإنه ينبغي العمل على تأسيس نمط من الخطاب الإعلامي والتحركات السياسية التي توضح وترد في هذا الجانب، لأنه من أهم الأمور التي يستند إليها بعض المتخاذلين أو خصوم تيار الإسلام السياسي.

وكون هذه الأطراف تستند إلى أصل واقعي في خطابها، وأصل مهم لأنه يشمل في خطابه قضية الاستعمار الغربي الذي يحاول أن يعود إلينا بثوب آخر بعد أن نهب ثرواتنا وعذَّبنا لقرون؛ يكسبها قوة ومصداقية لدى الجمهور، وخاصة الشريحة ضعيفة الوعي التي أشرنا إليها هذه.

وأثر ذلك واضح؛ حيث الاستجابة الشعبية أقل من المتوقع، وأقل من حجم القضية، خصوصًا وأنه في الصورة الذهنية العامة؛ غالب الحال أن مَن يتصدُّون للحديث عن أزمات وقضايا الأقليات المسلمة، هي منصات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكلاهما على خصام أو حتى حالة من الود المفقود مع بعض الشرائح في المجتمعات العربية، وبالذات التي شهدت ثورات شعبية وثورات مضادة لها في السنوات الماضية، قادت إلى أزمات أمنية وسياسية واقتصادية عميقة.

وبالتالي؛ فإنه ينبغي على المخلصين لقضايا الأقليات المسلمة –أيًّا كانت هويتهم السياسية– أن يعملوا على توسيع قاعدة التعاطف بحيث تشمل دوائر أخرى بخلاف الدوائر التقليدية التي تنشط في مثل هذه الأحوال ، وأن يتضمن ذلك تنسيقًا يثبت أن الأزمة التي يواجهها مسلمو الهند أو الإيغور، أو غير ذلك؛ هي:

– أزمات حقيقية قائمة تمس عشرات الملايين من البشر، وليست مجرد فُقَّاعات إعلامية تحقق أغراض عواصم غربية، أو تحقق أهداف تخص هذه الجماعة أو الحكومة، أو تلك.

– أزمات إنسانية تخرج عن كوْن المستهدفين فيها مسلمين أو غير مسلمين، وبالتالي؛ يجب التعاطف معهم وإسنادهم ولو بمجرَّد الحديث عن قضيتهم.

وبالتالي، يخرج الأمر في صورته الذهنية عن “حالة إعلامية مُسيَّسة” إلى “حالة إسلامية وإنسانية دولية شاملة”.

الالتزام بقواعد الواقعية والاستطاعة يجب أن يظهر كذلك في أمرٍ مهم، وهو جدول العمل الحركي أو الفعلي على الأرض، فليس أدعى للسخرية أن يتم الحديث عن مقاطعة اقتصادية لبلد مثل الصين أو الهند، بينما الاقتصاد العالمي، بل الغرب الذي يخوض خصومه واضحة مع الصين ويسعى لإضعاف الهند وأي كيانٍ آخر قد يهدد هيمنته هذه، يعتمدون هذه الدول والكيانات.

فالصين بلد دائن للولايات المتحدة، والعجز في الميزان التجاري بين البلدين يصل إلى 340 مليار دولار، وتسيطر بلدان مثل الصين والهند على سوق ضخمة في منتجات مهمة، بما في ذلك المنتجات العالية التقنية.

وحتى على مستوى عناصر قوة الدولة، الصين كدولة؛ تملك مُقدَّرات اقتصادية وجيو سياسية وبشرية، توازي العالم الإسلامي بالكامل وتفوقه في بعض الجوانب، فهو بلد تعداد سكانه يساوي تعداد مسلمي العالم تقريبًا –بين 1.4 إلى 1.5 مليون نسمة– ومساحته 9.6 مليون كيلومترًا مربَّعًا، أي حوالي ثلاثة أرباع مساحة العالم العربي بالكامل.

وهذه ليست دعوة للتيئيس، وإنما دعوة لحسن التخطيط والتعامل وفق مقتضى الحال، فلقد وضعت مثل هذه الأمور التي تنم عن مراهقة سياسية وضعف نظر فعلاً؛ وضعت الرسالة الإعلامية للمنصات المسلمة التي تتبنى قضية الإيغور أو مسلمي الهند بإخلاص حقيقي، مثار سخرية فعلاً؛ حيث مكونات أجهزة الحاسب الآلي والهواتف المحمولة التي نكتب بها التغريدات التي ندعو فيها إلى مقاطعة الصين أو الهند اقتصاديًّا؛ هي مصنوعة في الصين أو في الهند.

وبالتالي؛ يجب الابتعاد عن مثل هذه الأمور، وممارسة ضغوط بأشكال أخرى، ومنها التصعيد في المحافل الحقوقية في الغرب، والضغط على الرأي العام العالمي من أجل أن يتم مقايضة مصالح الصين أو الهند أو أي بلد آخر الاقتصادية في العالم بأسره، بمعالجة مشكلات الأقليات المضطهدة هناك.

أمر أخير كذلك يجب أن ننتبه إليه، وهو ألا تكون لدينا أية انتقائية في التعامل مع قضايا المسلمين، بحيث لا نفتح المجال أمام المتصيدين الذين يقولون بأن القصة ليست قصة أقلية مسلمة مضطهدة، وإنما قصة سياسية كما ذكرنا.

يجب أن لا تكون لدينا أية انتقائية في التعامل مع قضايا المسلمين، بحيث لا نفتح المجال أمام المتصيدين الذين يقولون بأن القصة ليست قصة أقلية مسلمة مضطهدة، وإنما قصة سياسية

وهو أمر بحق بحاجة لمراجعة، وإلا فلماذا لا نقف أمام حملات مماثلة تدعو لمقاطعة الولايات المتحدة بسبب دعمها للكيان الصهيوني، بالذات في سنوات إدارة ترامب؟!

وبالتالي؛ فإنه يجب أن تكون هناك شمولية في تناول قضايا الأقليات المسلمة، وإعطاء كل قضية منها الوزن النسبي الملائم لها، بحيث لا تكون إثارتها أمام الذي لا يعرف أو لا يفهم، هي لعبة سياسة ، بل نقول إننا نعمل بمبادئ النبي الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”، عندما قال: “مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” [أخرجه مسلم في الصحيح].

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى