قصة زعيم الشيشان الأمّي.. لماذا يحارب مع بوتين؟!
بقلم محمد عماد صابر
في خضمّ الغزو الروسي لأوكرانيا، توجد حرب جديدة، لكن الحرب هذه المرة بين أبناء البلد الواحد، وهم الشيشان الذين أرسلهم رمضان قديروف -زعيم الجمهورية الموالي لروسيا- وأولئك الذين يقاتلون ضده في صف أوكرانيا.
والشيشان تُعتبر نموذجًا مصغرًا لما يود فلاديمير بوتين تأسيسه في أوكرانيا، حيث كانت على الدوام جزءًا مضطربًا من الإمبراطوريتين السوفيتية والروسية، حتى أعلنت انفصالها عن موسكو في سنة 1991 وأصبحت دولة مستقلة بحكم الواقع في شمال القوقاز. المحاولة الأولى لإعادة فرض السلطة الاتحادية التي تسببت في اندلاع الحرب الشيشانية الأولى بين 1994 و1996، انتهت بفشل مذلّ لروسيا بعد أن حقق المقاتلون الشيشان نصرًا مذهلًا على الرغم من أنهم كانوا أقل عددًا وعدَّة، مما أجبر روسيا على الانسحاب، والمحاولة الثانية جاءت عندما تولى بوتين السلطة أواخر سنة 1999 ولم يكرر نفس الخطأ وإنما عمدَ إلى تسوية العاصمة الشيشانية “غروزني” بالأرض مع رشوة بعض القادة الرئيسيين للانشقاق مع قواتهم إلى صف الجانب الروسي، فكان أحمد قديروف أحد هؤلاء لذلك تم تنصيبه رئيسًا للبلاد، وبعد اغتياله سنة 2004، تولى ابنه رمضان -وهو أمّي غير متعلم- رئاسة الجمهورية، ومنذ ذلك الحين وهو يحكم الشيشان بقبضة من حديد ويسحق المعارضة بوحشية مستعينًا بمليشياته التي تمولها موسكو المسماة “قاديروفتسي” وتعني “رجال قديروف”، وبعد أن قاتلوا في صفوف الروس في شرق أوكرانيا سنة 2014 لاحتلال القرم، عاد هؤلاء المقاتلون مرة أخرى وبأعداد كبيرة لتعزيز صفوف الروس في غزوهم لأوكرانيا بأكملها.
“رمضان يعود من جديد”
يقارب عدد الجنود الذين أرسلهم رمضان قديروف إلى أوكرانيا ليقاتلوا بجانب الروس 10 آلاف مقاتل، مع استمرار تجنيد المزيد بشكل فعَّال. في يوم 25 فبراير/ شباط نشر مصدر في مدينة غروزني مقطع فيديو يظهر آلاف الرجال الذين يتم تجميعهم وتجهيزهم للقتال في أوكرانيا، وفي الأيام الأولى للحرب لعِبت قوات رمضان قديروف دورًا رئيسيًّا في الهجوم، وفي 27 فبراير رُصد أفراد من قوات “روزجفارديا” الشيشانية (وتعني الحرس الوطني) شمال العاصمة كييف وهم يتقدمون في منطقة الحظر النووي في “تشيرنوبيل” باتجاه العاصمة الأوكرانية، كما شاركوا في الهجوم على الضواحي الغربية للعاصمة كييف ومطار هوستوميل الحيوي، في اليوم الأول من الحرب. ويوجد الآن كبار مستشاري رمضان قديروف في أوكرانيا، وقد صرح رئيس جهاز الأمن الأوكراني بقوله: تمت تصفية فريق من قوات النخبة التابعة لقديروف، المرسلة لاغتيال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، ويوجد أدلة دامغة تؤيد ذلك، كما تم رصد أتباع قديروف بملابس مدنية وهم يستخدمون مركبات عادية للتسلل إلى العاصمة، وفي تسجيل صوتي باللغة الشيشانية تم تداوله على نطاق واسع، يتحدث أحد الرجال في مستشفى عسكري في شبه جزيرة القرم عن عشرات الضحايا الذين خسرتهم وحدته في أعقاب غارة شنتها طائرة أوكرانية مُسيَّرة من طراز “بيرقدار تي بي 2″، وتصف رسالة صوتية أخرى مقتل وجرح عشرات المقاتلين من رجال قديروف في أحد الكمائن، ويقول الرجل في التسجيل ” حتمًا هؤلاء شيشانيون من الجانب الآخر، لأنهم نصبوا لنا كمينًا بنفس الطريقة التي حدثت في غروزني سنة 95″، وذلك عندما دمرت القوات الانفصالية الشيشانية أرتالا روسية غزت العاصمة الشيشانية، ويبدو أن القوات التي تمثّل رأس الحربة الروسية، هي التي تدفع الثمن. لكن الشيشان الموالين لروسيا ليسوا الوحيدين في أوكرانيا، فعلى الجانب الآخر توجد القوات الشيشانية المعادية لرمضان قديروف، وتضم العديد من قدامى المحاربين في حربي الشيشان الأولى والثانية.
“رؤية المقاتلين الشيشان في صفوف أوكرانيا”
توجد وحدتان رئيسيتان من المقاتلين الشيشان النشطين في الجانب الأوكراني، تم تشكيلهما سنة 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم، إحداهما كتيبة الشيخ منصور التي تنشط بشكل أساسي في جنوب شرق أوكرانيا خاصّة في مدينة ماريوبول، وهؤلاء انخرطوا بشدة في قتال القوات المدعومة من روسيا سنتي 2014 و2015، ومن الواضح أن هذه الوحدات تعمل بتنسيق وثيق مع الجيش الأوكراني. كما يوجد التشكيل الشيشاني الرئيسي الآخر في أوكرانيا، وهو كتيبة “جوهر دوداييف” (التي سميت باسم أول رئيس للشيشان في التسعينيات)، وهذه الكتيبة أعلنت مؤخرًا عن إعادة نشاطها، وقد وجَّه زعيمها آدم أوسمايف، من خلال كلمة مسجلة بالفيديو، رسالة إلى البلاد قائلًا “أريد أن أؤكد للأوكرانيين أن الشيشان الحقيقيين هم الذين يدافعون عن أوكرانيا اليوم”، وأضاف “هؤلاء الدمى أتباع قديروف الذين يقاتلون من أجل روسيا، هم عار على أمتنا، ونحن نعتبرهم مجرد خونة”، وآدم أوسمايف، محارب قديم شارك لمدة ثمان سنوات في حرب دونباس، وقد قُتلت زوجته أمينة أوكوييفا، زميلته في المقاومة الشيشانية، بهجوم بقنبلة خارج مدينة كييف سنة 2017.
هؤلاء المقاتلون الشيشان في صفوف أوكرانيا لهم رؤية خاصة بهم مفادها: أن عدد سكان أوكرانيا يزيد على عدد سكان الشيشان بأربعين ضعفا، وهم يأملون أن يُكبدوا روسيا خسائر تزيد بأربعين ضعفًا على ما حدث في الشيشان.
وهم يرون أن هذه الحرب تمثل نقطة تحول في تاريخ الشيشان لأن هذا الغزو سيكون بداية لنهاية روسيا، وأنه سوف تتفكك مثل الاتحاد السوفيتي بعد غزوه أفغانستان، مما يسمح بانتفاضة الشيشانيين وإسقاط قديروف.
“لماذا زج بوتين بقوات قديروف لغزو أوكرانيا؟”
مع تشديد التكتيكات الروسية، يوجد العديد من المؤشرات بأن القوات الشيشانية بقيادة قديروف ستكون في مقدمة الجهود الرامية لقمع واحتلال المدن الأوكرانية، ومع تزايد القصف العشوائي للمراكز السكانية، والتراجع الواضح لمعنويات العديد من الجنود الروس، فإن جاهزية رجال قديروف لارتكاب جرائم حرب وحشيّة لكسر المقاومة هي أداة رئيسية في ترسانة الكرملين؛ ففي 27 فبراير صرح رمضان قديروف بأن القومي في أوكرانيا لا يفهم أي لغة باستثناء القوة، وأقرَّ بأن القوات الأوكرانية كانت مسلحة لدرجة عالية بمختلف الأسلحة والذخائر الجديدة، وجادل بأن الوقت قد حان لوقف “تدليل” العدو، ويجب بدلًا من ذلك بدء عملية واسعة النطاق في جميع الاتجاهات، وأضاف “نحن بحاجة إلى تغيير تكتيكاتنا من أجل إقناعهم بطريقة أفضل، ويجب أن يُصدر بوتين الأمر المناسب حتى نتمكن من القضاء على هؤلاء النازيين”.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما السبب الذي دعا بوتين إلى زج قوات رمضان قديروف لغزو أوكرانيا في ظل امتلاكه لترسانة عسكرية ضخمة؟! في تقديري هناك عدة أسباب يمكن إجمالها فيما يلي:
- أن العالم تسود فيه حاليا سياسة خصخصة الحروب، حيث تستغل الدول جماعات غير نظامية للقتال.
- محاولة بوتين لإعطاء الزخم لعملياته في أوكرانيا، وتقليل خسائر الجيش الروسي وتجنب سيناريو ما عاناه جيش الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
- محاولة بوتين “إرهاب” كييف بصور الجنود الشيشان المنتشرين على أراضيها، باستغلال الصور النمطية للوحشية الشيشانية لاستخدامها سلاحً نفسيًّا ضد الأوكرانيين وإجبارهم على الاستسلام.
- قدرة القوات الشيشانية على تشكيل فرق خاصة، يمكن أن تستخدم في عمليات حرب الشوارع وهو ما يجنّب الجيش الروسي الكثير من القتلى.