قصة الشيخ محمود أفندي وجمعية “إدّف” من البداية
إعداد سعد النشوان ومحمد سرحان
في حي قديم قرب جامع الفاتح بمدينة إسطنبول، يتزين هذا الحي بمسجد عتيق يحمل اسم “شيخ الإسلام إسماعيل أغا” يمثل جوهرة المنطقة وقبلة المارة وسكان الحي الذي لا يشبه كثيرا بقية أحياء إسطنبول، وتحيط به عشرات المكتبات الإسلامية، هذا العلو الذي ترتفع به منارة المسجد ترسخه عقود من العمل والعلم نقلت الإسلام من هذا الحي الصغير إلى كثير من دول العالم، وضع غرسه الشيخ محمود أفندي.. فمن هو؟
ولد الشيخ محمود أفندي “محمود أسطى عثمان أوغلو” عام 1929م في قرية “طوشان لي” في بلدة “أوف” بولاية طرابزون في تركيا لعائلة متدينة، وبدأ حفظ القرآن وهو في السادسة على الشيخ محمد رشيد عاشق قوتلو أفندي، وبعد أن أتم حفظ القرآن انتقل إلى قيصري ودرس هناك النحو والصرف واللغة الفارسية على يد الشيخ تسبيحي زاده، ليعود بعد سنة إلى بلدة أوف ودرس القراءات وعلوم القرآن على الشيخ محمد رشدو، كما درس الحديث والتفسير والفقه وأصوله وعلم الكلام عند الأستاذ “درسون فوزي أفندي” وأجيز وهو لم يتجاوز الـ 16 من عمره.
كان الشيخ يؤم الناس في الصلاة ويدرَّس الطلاب في مسجد قريته، كما يطوف أرجاء تركيا لتعليم الناس الإسلام من جديد، كما كانت له جولات دعوية في عدة دول منها ألمانيا وبريطانيا وبخارى، وفي عام 1954م بدأ العمل رسميا كإمام لمسجد “إسماعيل آغا” في إسطنبول.. فكيف كانت البداية وإلى أين وصلت الثمرة؟
حتى نعرف الحكاية ونروي لك القصة كاملة، كانت لفريق مجلة “المجتمع” هذه الزيارات، لجمعية “إدّف”، نحن الآن في الطرف الآخر من منطقة الفاتح، وعلى مقربة من جامع “أيوب سلطان” يقع المقر الرئيس للجمعية وها نحن في ضيافة رئيسها الشيخ محمد توران وهو من تلاميذ الشيخ محمود أفندي.
الزميل سعد النشوان في حوار مع الشيخ محمد توران رئيس جمعية “إدّف”
-نشكر الشيخ محمد توران على حفاوة الاستقبال ونرحب بكم في مجلة المجتمع
نشكر لكم في جمعية “إدّف” حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة كعهدكم
إذا أردنا أن نبدأ حديثنا فلنبدأ بتعريف القارئ بجمعية إدّف وما هي مجالات عملها؟
مرحبا بكم في جمعية إدّف، وليس هناك ضيافة لأصحاب البيت فهذا مكانكم وجمعيتكم ومكان كل مسلم.
أما فيما يخص سؤالكم عن جمعية إدّف، فنحن نعمل منذ حوالي 70 عاما في تركيا ولكن منذ 12 سنة بدأنا العمل في خارج تركيا وأسسنا هذه الجمعية “إدّف iDDEF”، كنا نعمل تحت اسم جماعة الشيخ محمود أفندي (جماعة إسماعيل أغا).
الشيخ محمود أفندي
هنا في إسطنبول وخصوصا بمنطقة الفاتح هناك مسجد يسمى “جامع إسماعيل أغا” في بدايات عهد الجمهورية وتحديدا عام 1953م هذا المسجد باعته الحكومة لأحد التجار باعتباره مستودعا، حوله التاجر إلى مخزن للخضروات وبعض الماشية، وعندما جاء الشيخ محمود أفندي أحزنه كثيرا حال المسجد الذي تحول إلى مخزن، فاشتراه من التاجر، وفي هذه الآونة لم تكن هناك الفعاليات والشعائر الإسلامية كما هي اليوم، وكان هناك مفتيا يدعى الشيخ “علي حيدر” طالبه الشيخ محمود أفندي أن يبقى بالمسجد.
قال “علي حيدر” للشيخ محمود أفندي” “ماذا أفعل هنا؟ فلا شيء يُفعل ولا جماعة ولا أناس يهتمون بالدين، فماذا نفعل؟”
فاتفق الشيخ محمود أفندي والمفتي علي حيدر أن يتم أولا تنظيف وتطهير المكان وتجهيزه بما يليق، ثم سيقدر الله الخير فيما بعد.
جامع إسماعيل أغا
وعبر الجهود والمساعي على مدى 18 سنة بدأ الناس يصلون في المسجد إذ أعجبهم المكان ودور إمامه الذي كان يدعو الناس بالحسنى، فكان هناك حوالي 15 مصليا، وهنا فكر الشيخ محمود أفندي بأنه جاء الوقت لافتتاح مدرسة لتعليم الناس أمور دينهم، وبدأ الشيخ محمود أفندي يزور الأهالي بيتا بيتا ودكانا دكانا والأسواق يسلم على الناس ويعرفهم بنفسه ويقول: “اسمي محمود جئت لزيارتكم في الله”، حتى دون أن يصف نفسه كعالم أو أستاذ أبدا، فقط يقول اسمه مجردا “محمود”.
بعد سنتين كان هناك مبنى قريب اشترى فيه الشيخ الطابق الأرضي بثمن رخيص وبدأ يدرس للطلاب في الخفاء، وكان عدد الطلاب قليلا حوالي 8 أو 9 طلاب فقط، وخلال 10 سنوات أصبحت المدارس المشابهة هكذا داخل بيت أو شقة عددها كثير جدا لكنها كانت في الخفاء لأن تدريس وتعليم الدين كان ممنوعا.
ثم بدأ الشيخ محمود أفندي يرسل طلابه الذين تعلموا وتخرجوا على يديه إلى ولايات وقرى أخرى خارج إسطنبول بهدف أن يعلموا الناس أمور دينهم، لكن كما كانت بداية شيخهم لم يجد هؤلاء المتخرجين طلابا يعلمونهم أو أحد يدرسونه الدين، فكان كل منهم يراسل الشيخ محمود أفندي يشكون عدم وجود من يريد أن يتعلم الدين، ماذا نفعل؟
فأخبرهم الشيخ محمود أفندي أن يجلس كل منهم في القرية التي هو فيها أمام شجرة يلقي لها الموعظة والدرس الذي يريد أن يعلمه للناس، والله سيتكفل بتوصيل صوتكم ودعوتكم للناس، وبمرور السنوات بدأ الناس يقبلون على تعلم دينهم، وخلال العقد الأخير من القرن العشرين أصبح كل مكان فيه مدرسة لتعليم الناس دينهم، ساعد على ذلك وجود حكومات تريد تقريب وإعادة الناس إلى دينهم، مثل حكومات عدنان مندريس وتورجوت أوزال ومن بعدها حكومة نجم الدين أربكان.
وبعد عام 1995م ومع زيادة المدارس بكثرة لتعليم الدين، حدث انقلاب عام 1997م والذي عمل على حظر الحجاب والتضييق على المدارس الإسلامية وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن، وجرى اعتقال المدرسين والعلماء، لكن الشيخ محمود أفندي كان دائما ينصح طلابه بالاستمرار.
على سبيل المثال، في ولاية “مرسين” جاء الجنود وأغلقوا باب المدرسة التي كان يعلم فيها طلاب الشيخ محمود أفندي الناس دينهم، وكانت في أحد المنازل، ومنعوا التدريس فيها، لكن الأستاذ الذي كان يدير المدرسة لم يتقبل أن يترك رسالته، فاتفق مع سكان الطابق الذي فوق المدرسة أن يقوموا بعمل سلما من بيتهم إلى المدرسة من داخل البيت، وبدأ يدرس الناس مجددا، واستمرت وتوسعت الجهود حتى عام 2000م.
وفي بداية عام 2000م قرر الشيخ محمود أفندي التوسع في الدعوة إلى الله وتدريس الناس الإسلام، حتى أن محفظ القرآن للرئيس رجب طيب أردوغان، هو من تلاميذ الشيخ محمود أفندي، وهو الشيخ “كمال أفندي” وببركة القرآن تجد الرئيس التركي في محافل كثيرة يرتل القرآن الكريم.
إلى الآن في القانون أنت لا تستطيع افتتاح مكان باسم مدرسة، وكل الأماكن التي كان يتم فيها تدريس الإسلام كانت تحت اسم جمعية، لكن السلطات الحالية لا تمنع تأسيس وإنشاء المدارس الإسلامية.
وقبل عام 2000م كانت الأماكن التي يتم فيها التدريس للطلاب عبارة عن جمعيات صغيرة، لكن بعد مرحلة التوسع تم إنشاء جمعية “إدّف” وهي اختصار لاسم “اتحاد الجمعيات التي تقدر البشرية” وتم ضم كل هذه الجمعيات الصغيرة السابقة في هذا الاتحاد.
ومع اتساع جهود التعليم الديني في الولايات التركية، وجه الشيخ محمود أفندي عام 2009م بالتوجه إلى خارج تركيا ونشر الدعوة والتعليم الإسلامي في الدول الأخرى، وأول الجهود الخارجية في التعليم ونشرة الدعوة كانت في دولة غينيا كوناكري.
-في خارج تركيا هل نشاط الجمعية تعليمي فقط أم تعليم والعمل الخيري؟
عندما خرجنا خارج تركيا كان أمامنا هدف وهو خطة لمدة 30 سنة ماذا تستهدف الجمعية تحقيقه خلال هذه الفترة؟ خلال أول 10 سنوات من هذه الخطة نتعرف على المسلمين في الدول الأخرى ونعرفهم بنا، ثم العشر سنوات الثانية يبدأ التدريس من خلال فتح مراكز تعليمية لتدريس أبناء المسلمين في الدول التي نعمل بها، وفي خلال العشر سنوات الثالثة التركيز على الجوانب الروحية والتصوف الصحيح.
هدفنا الأول هو التدريس والتعليم، لكن بجانب هذا نقدم مساعدات ونذبح الأضاحي وغيرها من العمل الخيري
-الدولة التركية حاليا.. هل هناك تعاون حاليا بين الجمعية والدولة؟
نعم هناك تنسيق فنحن نقدم لرئاسة الجمهورية تقرير شهري، وتقرير كل 3 شهور، وتقرير كل 6 أشهر، وكل 9 أشهر وتقرير سنوي.
-أزور تركيا منذ التسعينيات، وكمتابع أشاهد حدوث طفرة اقتصادية وكذلك في المظاهر الإسلامية من انتشار الحجاب ونشاط المساجد وغيرها.. ما هو سر ذلك؟
الطفرة الدينية بلاشك ساهم فيها بشكل كبير وجود سياسيين قريبون من دينهم والدعم السياسي للمظاهر الدينية مثل عدنان مندريس وتورجوت أوزال ونجم الدين وأربكان وحاليا الرئيس أردوغان، لكن السبب في هذه الطفرة ليس فتح المدارس والمشاركة في الدعوة، وإنما فتح الباب أمام جهود المدرسين والعلماء ليغرسوا علمهم في الناس، بعكس العقود السابقة التي جرى فيها جر العلماء إلى السجون والمعتقلات، بل وفروا الحرية للجميع من كل الاتجاهات، وفتحوا المجال لدور العلماء والمدرسين.
-الآن حفاظ القرآن الكريم في تركيا كثيرون رغم أنهم لا يجيدون اللغة العربية.. كيف ذلك؟
نحن نحرص على تحفيظ القرآن الكريم للأبناء منذ الدولة العثمانية، نعم قد يكون ترتيلنا صعب لكنه باقي ومستمر، وفي التحفيظ هنا يبدأ المتعلم بحفظ آخر صفحة من الجزء الأول، وفي اليوم التالي يحفظ آخر صفحة من الجزء الثاني، وفي اليوم الثالث يحفظ آخر صفحة بالجزء الثالث، ثم يعود مجددا ويحفظ الصفحة قبل الأخيرة من كل جزء.
-هل تفكرون في التعاون مع الدول العربية في مشروعاتكم وخصوصا دولة الكويت؟
أستاذنا الشيخ محمود أفندي أمرنا أن نفتح مدرسة في كل زاوية في كل دولة نذهب إليها وفي كل حي نفتتح مدرسة للبنين ومدرسة للبنات، وهذه نصيحته لنا، فكيف نحن نتنكر لإخواننا في الكويت أو السعودية أو غيرهم من العرب، فليس هناك فرق بيننا فنحن أخوة، نحن نذهب إلى الناس في كل مكان، وخصوصا إخواننا في بلاد العرب نحن نشتاق أن نتعاون معكم، أقل شيء أن نتعارف فيما بيننا حتى لو لن يكون هناك تعاون يكفي أن نتعرف وأن نستعيد الوحدة بيننا كمسلمين، فنحن نعمل في مراكز التعليم والخير وكل من يعمل في خدمة الإسلام نفس الأمر عملنا وطريقنا واحد ورسالتنا واحدة.
جهود التعليم الإسلامي حول العالم
وللتعرف على جهود جمعية إدّف في التعليم الإسلامي حول العالم، توجهنا لزيارة مدرسة تابعة للجمعية بجوار مسجد “يافوز سليم” السلطان سليم الأول في إسطنبول القديمة، وكان هذا اللقاء مع الشيخ محمد علي مسعود مسؤول قسم التعليم بجمعية إدّف.
ما هي جهود الجمعية لنشر التعليم الإسلامي وما هي الدول التي تعملون فيها؟
مرحبا بكم في مدرستنا وجمعيتنا.
أولا أريد أن أوضح أن مؤسسة “إدّف” هي اختصار لكلمة “اتحاد الجمعيات التي تقدر البشرية، وهنا نقصد البشرية جميعا ليس فقط المسلمين، ولذلك فخدمات جمعيتنا قد تمتد لغير المسلمين.
وهذه المؤسسة انبثقت تحت جناح مسجد إسماعيل أغا، والذي أسس هذه الجمعية هو الشيخ محمود أفندي، عندما وجه أحد طلابه وهو الشيخ محمد توران وهو رئيس الجمعية ومؤسسها، أن يتوجه إلى إفريقيا من أجل خدمة المسلمين هناك، فتوجه الشيخ محمد توران في أول الأمر إلى دولة غينيا كوناكري، وأسس مدرسة صغيرة هناك ربما من غرفتين لتحفيظ القرآن الكريم، ثم توسعت هذه المدرسة لتصبح مدرسة كبيرة ومن مدرسة واحدة إلى عدة مدارس في غينيا، وبمرور الوقت بدأت الجمعية تكبر وأسست مدارس في أغلب دول أفريقيا، من غينيا إلى غانا ونيجيريا والصومال وساحل العاج وبنين والسنغال وغامبيا وتشاد والنيجر والكاميرون، وليس في أفريقيا وحدها، بل لنا مدارس في صربيا وألبانيا وفي الهند وسريلانكا والهند وبنجلاديش.
ومدارسنا عامة بين الإعدادية والمتوسطة، وهناك مدارس جامعية بمستوى الجامعات مسجلة رسميا في هذه الدول، ولدينا مدارس ابتدائية لتحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية وبعض العلوم الشرعية، ولدينا مدارس بمستوى أعلى بمستوى الإعدادية والثانوية، ثم يأتي النوع الثالث وهي مدارس بمستوى الجامعات تمنح شهادة جامعية بمستوى أعلى من التعليم، ومدرسوها طبعا أعلى من نظرائهم بالمدارس الابتدائية والإعدادية، والحمد لله هذه السنة بدأنا بمدارس الاختصاص، حيث الآن لدينا في تنزانيا في دار السلام قيد الإنشاء جامعة إسلامية مختصة في علوم الحديث “رواية ودراية” تختص بعلوم الحديث الكتب الستة “البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبوداوود وابن ماجه”، أتينا فيها بأساتذة لديهم أسانيد متصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يلقنوا الطلاب ويعطوهم الأسانيد المتصلة للحديث رواية ودراية، بجانب العلوم الأخرى مثل الفقه وغيره، لكن الأساس فيها علوم الحديث حتى ننشر هذا العلم في أفريقيا، وهذه الجامعة إن شاء الله ستكون نواة لنشر هذا العلم وافتتاح مثيلاتها في باقي دول أفريقيا، وطبعا نقصد بـ”رواية ودراية” رواية أي رواية الحديث مع أسانيده، ودراية أي شرح وفقه الحديث.
وفي تنزانيا أيضا لدينا مدرسة في العلوم الشرعية، وفي إحدى القرى أيضا مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية.
وفي بوركينا فاسوا لدينا مدرسة للعلوم الشرعية، لكن قريبا سنفتتح في عاصمة بوركينا فاسو جامعة رسمية مسجلة رسميا هناك، ولدينا أكثر من 30 مدرسة في قرى بوركينافاسو، ولها مسؤول خاص، وهذه المدارس في القرى لتحفيظ القرآن واللغة العربية.
وفي جامعاتنا في هذه الدول بعد حصولنا على الموافقات الرسمية نضع نحن المناهج من عندنا في الجمعية.
وبهذا نحن نجتهد حالياً خصوصاً في بوركينافاسو أن الطالب يدرس في مدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية وأن يدخل إلى الجامعة أيضا التي أسسناها حتى نكون تدرجنا مع الطالب في العلوم ونعرف علومه وأخلاقه، يتخرج من الجامعة ويحصل على شهادة رسمية معترف بها في بلده، ونسعى في توفير كذلك الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه.
بهذه الصورة.. إذا أنتم تؤسسون دعاة؟
نعم نحن نركز في المناهج التي نضعها، ليس فقط العلم وإنما التربية أيضا، ولدينا مادة اسمها طرق التدريس، لا يكفي الطالب أن يدرس ويتخرج ويحصل على الشهادة، ولكن يجب أن يتعلم طرق التبليغ والتدريس، لا يكفي أن يكون عالما، إذا كان عالما وليس لديه القدرات والمهارات في الدعوة وتبليغها فلن يستطيع أن ينجح في توصيل الرسالة ونفع الناس.
كيف هو الإقبال على مدارس الجمعية في البلاد التي تعملون فيها؟
الإقبال كبير لأن الحمد لله مدارسنا في أفريقيا داخلية، فالطالب يدرس ويأكل ويشرب وينام كل شيء داخل المدرسة بدون أي مصروفات وبدون أي تكلفة يتحملها الطالب، حتى إذا رأينا طالبا مجتهدا نساعده حتى يكمل دراسته، على سبيل المثال لدينا في بنين جامعة والطلاب أغلبهم متزوجين، فبعضهم بناء على ما أبلغنا به مدير الجامعة هناك أحوالهم المادية ضعيفة وهم يحتاجون للعمل لتوفير احتياجاتهم واحتياجات زوجاتهم، فقررنا تخصيص معونة شهرية لهؤلاء الطلاب تساهم في مصاريفهم على الأقل ولو إيجار المنزل ويأخذون طعامهم من المدرسة وبالتالي يستطيعون متابعة دراستهم حتى التخرج.
العلم يحتاج إلى قوة مالية ومعنوية، فإذا وجدت القوة المعنوية دون القوة المالية يفشل المشروع، ولهذا نحن في الجمعية، نتكفل بالطالب الذي نرى فيه بصيص من النبوغ، حتى يتخرج، وبعد التخرج لا نتركه، بل نفتتح له مدرسة، فالطلاب المتفوقون الذين يتخرجون نفتتح لهم مدارس في القرى، ولهذا كثير من المدرسين في المدارس بالقرى هم من خريجي مدارسنا.
10 آلاف طالب في أفريقيا
نحن لدينا متابعة مستمرة للطلاب ليس فقط في الجانب العلمي وإنما الأخلاقي والسلوكي أيضا، وكل المدارس التابعة لنا ترسل لنا شهريا تقرير عن كل طالب أين كان وإلى وصل في العلوم والقرآن، ونحن هنا نتابع تقارير كل الطلاب والذين يبلغ عددهم نحو 10 آلاف طالب في أفريقيا، ولدينا قسم خاص لتدقيق الطلاب، كل أستاذ يرفع لنا تقرير عن الطالب ومستواه ودرجاته وسلوكه، وبالتالي الطالب المجد المجتهد عند تخرجه نفتتح له مدرسة في قريته والقرى المجاورة لها.
بجانب هذا العمل التعليمي.. هل هناك جهود مخصصة للأهالي؟
لدينا أساتذتنا الذين يعملون في مدارسنا نوفر لهم الإمكانات ليتجولوا في القرى لتعريف الناس بالإسلام، يدعون الناس للإسلام، ويعلمونهم بدايات الإسلام، فنحن لا نكتفي بالمدارس وإنما نوفر الإمكانيات للأساتذة ليتمكنوا من تبليغ الناس بالإسلام.
-بعض الناس ينشرون مقاطع فيديو من أفريقيا لإسلام قرية كاملة مثلا ويروجون للفيديو ثم يتركون القرية ولا أحد يعرف كيف أصبح حال أهلها.. كيف ترون هذا؟
نحن في جمعيتنا القرية التي تدخل أو يدخل بعض أفردها في الإسلام، نخصص لها جزءا من التبرعات التي تأتينا شهريا والذبائح لمساعدة أهلها ومتابعتهم واستمرار تعليمهم الإسلام، وحتى القرى التي نعمل فيها ليس شرطا أن يكون كل أهلها مسلمون، لكننا نفتتح المدرسة ونخصص لها مدرسين ونعلم فيها كل أبناء القرية وليس فقط أبناء المسلمين.
أهم شيد هو استمرارية العمل، فبعض الدول أو المؤسسات بنت مدارس في أفريقيا لكنها لم تهتم بعملها والاستفادة منها فتحولت إلى مسكن للحيوانات، لكن نحن نعمل على استمرارية العمل حتى إذا تقدم أحد المتبرعين لبناء مدرسة مثلا هو يبني بمن نحن نضمن استمرارها في العمل، فالله قال “إنما يعمر مساجد الله” والإعمار غير البناء.
فيما يخص التعليم.. أين الفتيات من كل هذه الجهود؟
نعم لدينا مدارس للنساء أيضا في أغلب الدول التي نعمل فيها، فوصية الشيخ محمود أفندي أن نفتح في كل حي مدرسة للذكور ومدرسة للنساء، اجعلوا المدارس تنتشر في كل أحياء العالم، ونحن تطبيقا لهذه الوصية لا نغفل أبدا جانب النساء، بل نعتبر في بعض الأحيان أن تعليم الفتيات أهم من تعليم الرجال لأن الأم إذا تعلمت فهي تربي وتعلم أبناءها، وبالتالي فمدارسنا المخصصة للنساء تهتم بالفتيات الصغيرات وحتى الأمهات.
كم مدرسة تقريبا للجمعية في أفريقيا؟
بين مدرسة كبيرة وصغيرة وجامعة لدينا أكثر من 35 مدرسة كبيرة داخلية، غير العديد من المدارس الصغيرة في القرى
ما هو ضوابط ومعايير اختيار المدرسين في مدارس الجمعية؟
نحن لدينا حساسية في هذا الأمر، والمدرس الذي نختاره نجري معه مقابلة مرة ومرتين، وقد نستقبله هنا في تركيا زيارة، نخاف أن يكون مدرسا صاحب عقيدة فاسدة أو منحرفة يأتي بأفكار مشوهة ويزرعها في الطلاب، المدرس يجب أن يكون سويا وتتم تزكيته من أحد العلماء وعلى منهج أهل السنة والجماعة، ونحرص أن يكون المدرس من نفس البلد حتى يتمكن من التفاهم مع التلاميذ ويفهم لغة البلد ومستقر فيها، إلا بعض الحالات الاستثنائية.
هل هناك مشاريع إغاثية؟
في هذا المجال لدينا بشكل كبير حفر الآبار خاصة في الهند وسريلانكا وبنجلاديش وفي أفريقيا، حفرنا الاف الآبار، وشهريا تأتي الكثير من التبرعات والعقائق والنذور وغيرها وكباش وأبقار، بجانب السلال الغذائية نرسلها إلى اليمن وسوريا وغيرهما، وفي الدول التي تشهد كوارث نرسل السلال ونجهز الخيام.
الجهات الرسمية في الدول التي تعملون فيها كيف تستقبل دوركم؟
في أفريقيا عندما تأتي وفي يدك إغاثة وعلم لا أحد يرفض، خاصة وأننا ليس لدينا أي مشاريع سياسية، فالدول مما تخاف؟ تخشى المشاريع السياسية، ونحن فقط نركز في جوانب التعليم والإغاثة، وخاصة تركيا واسم تركيا لها قبول في هذه الدول، ونحن قبل أن نذهب إلى أي دولة نرسل لجنة لاستخراج الأوراق الرسمية والتراخيص، وبالتعاون مع العلماء في هذه البلد، وكذلك بالاستعانة بالسفارات والقنصليات التركية في الدول التي نذهب إليها.
هل هناك تحديات تواجهكم في أفريقيا؟
للأسف في أفريقيا تواجه تحديات التشيع والتنصير بشراسة.
المصدر: مجلة المجتمع