قصة الخان الأحمر !
بقلم د. أسامة الأشقر
سمي الخان الأحمر بهذا الاسم نسبة إلى خان مبني بالطوب الأحمر ما تزال أطلاله قائمة إلى اليوم قريب من مقام النبي موسى، فيه آبار وسجن وغرف كبيرة ومرافقة عدة، يعود إلى حقبة إسلامية قديمة أو إلى حقبة بيزنطية بسبب وجود توابيت قديمة على الطراز البيزنطي الفلسطيني حيث كان يُعرف الخان باسم دير افتيموس، نسبة لمار أفتيموس القدّيس المسيحي الذي أسس ديراً يضم كنيسة في المكان عام 428م أو أنه سمي بذلك تبركاً باسمه، وقد جُدِّد في مراحل تاريخية عديدة، ويبدو أنه كان ضمن محطات الطريق بين أريحا والقدس، بدليل وجود خان أو نُزل فيه.
استقرت في هذه المنطقة مجموعة بدوية تنتمي إلى عرب الجَهَالين المنتمين إلى بني مالك من بَجِيلة التي تعود أصولها إلى جنوبي الطائف ومنهم الصحابي الجليل جرير بن عبد الله ، وبعضهم يردّ القبيلة إلى عشيرة الحويطات الشامية الشهيرة، وأن جدّهم جهلان من أولاد إقبال جد الحويطات، ويرى بعضهم أنهم سكنوا معهم وتصاهروا في مناطق حِسْمى وحقل شمال غرب السعودية اليوم ثم انتقلوا إلى الأدن وفلسطين، وبعضهم ينسبهم إلى قبيلة بَلِيّ القضاعية الشهيرة، أو إلى جهل بن مالك القحطانيين.
أصل المجموعة التي في شرقي القدس اليوم من عائلات أبو داهوك والكرشان وغيرهم تعود إلى عرب الجهالين الذين كانوا يسكنون في منطقة تل عرّاد في البرية الفاصلة بين برية الخليل وبرية بئر السبع ، وهي إلى بريةالخليل أقرب؛ وقد طردهم العدو الصهيوني من أرضهم بعد حرب عام 1948 حيث أعلنوها منطقة عسكرية، وأسكنوا فيها بعد ذلك عملاءهم العرب، وأقاموا فيها مرافق تجسسية وعسكرية.
قام الصهاينة بتهجير هؤلاء العرب البدو إلى هذا المكان مؤقتاً بعد تهجير أعداد كبيرة منهم إلى مناطق عديدة داخل فلسطين والأردن، ثم شعرت سلطات الاحتلال أنهم يتكاثرون بسرعة في منطقة تعدّ ضمن الأحزمة الأمنية الاستيطانية الشرقية، وأنهم سيتحولون يوماً إلى خصم أمنيّ عليهم لكونهم فلسطينيين، كما أن السياسة الاستراتيجية تقضي بتفريغ المنطقة حتى البحر الميت من أي وجود فلسطيني ، كما تدخل ضمن استراتيجية فصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها وإقامة الجدار الفاصل الذي يسمح بضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الشرق لبلدية القدس الكبرى ذات الهوية اليهودية؛ ولذلك اشتدت عليهم الضغوط الصهيونية لاسيما بعد حرب 1967م واحتلال جميع الضفة الغربية حيث ضيق عليهم جيش الاحتلال حركتهم لوجودهم أيضاً على طول الطريق الاستراتيجية بين القدس وأريحا؛ ولم يكتفوا بتضييق مساحة الرعي وترحيلهم المتكرر للأطراف، بل جعلوا منطقتهم مكب نفايات وعوادم، وحرموا معظم خيامهم وبيوتهم المصنوعة من الزنك والصفيح من شبكة المياه والكهرباء، ولم يسمحوا بإقامة مدرسة ابتدائية لهم، وهو ما تحدّاه هؤلاء البدو وأقاموا فيها مدرسة فقيرة بدعم من المحسنين والمتضامنين؛ كما لا يوجد مركز صحي يخدم التجمّع؛ ورغم أن أراضي الخان الأحمر تعود إلى عائلات مقدسية من أبو ديس إلا أن الاحتلال صادرها وأعلنها ضمن أراضي”الدولة” وأصدر العديد من القرارات بإخلائها من السكان لتوسيع المستوطنات وإقامة مشروعات .
أرض الخان شرقي القدس برية جبلية جرداء توجد فيها مساحات زراعية محدودة جداً بين مستوطنات ضخمة شبه عسكرية مغلقة مثل مستوطنة معاليه آدوميم وكفار آدوميم، ولصعوبة العيش في هذه البرية فإن السكن فيها يقتصر على مجموعات بدوية ترعى فيها بعد مواسم المطر وقد تكيفت مع هذا المكان القاسي بعد تشريدها من أراضيها واختصوا بتربية ماشية الضأن والمعز.
هؤاء العرب ما يزالون يتشبّعون بثقافتهم العربية الفلسطينية ولهم أغانيهم وتراثهم البدوي الجميل، وما زالت دِحّيّتهم على أنغام الربابة والسمسمية مسموعة في برية القدس، تعلن أنهم لن يسمحوا بتهجيرهم من أرضهم المباركة كما فعلوا بآبائهم من قبل، وأن الأرض والعرض هو كل ما بقي لهم.
(المصدر: رابطة علماء فلسطين في الخارج)