قصة التصوف السياسي (2)
بقلم عنتر فرحات
مما لا يتناقش فيه اثنان أن من أكبر الحركات الإسلامية، والتي كانت بذرتها وجذورها منذ عهد بعثة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ألا وهي :
الفكر الصوفي التعبدي:
لا يستطيع أحد أن ينكر أن لهذا الفكر جذور وأصول تمتد لزمن البعثة، وأصحاب الصفة، وحياة الخلفاء الراشدين، ثم إمام الزاهدين سيدنا أبو ذر رضي الله عنه، ثم عهد التابعين، وسيد هذه المدرسة الإمام الحسن البصري، ثم من تتلمذ على يديه، من كبار تابعي التابعين أكبر دليل على هذا، إلا أن هذا المنبع الصافي (التصوف التعبدي)، لم يسلم هو أيضا من الصراعات السياسية، وزُج به عن قصد أو من غير قصد في هذه المعركة، ولسنا هنا لنحكم على المذهب الصوفي من الناحية الشرعية، وإنما من الناحية السياسية، ويكفي هذا المذهب أن من أتباعه الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكان على هذا المنهج أيضا، شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن لم يَتَسَمَّ باسمه، وهو الذي خصص كتابات كثيرة يتحدث فيها عن هذا السُّلوكِ القَويم، وابن تيمية لم يكن متصوفا، مثل الصوفية التي ينتقدها الكثير، وإنما كان تصوفه تصوف سلوك (تعبدي)، ويكفي ما نقل لنا عنه، وخاصة في جِهاده ضد التتر، حتى أن كثيرا من كلامه يُدَلِّلُ على أنه غَرفَ من هذا المنبع الصافي، الذي نهل منه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، -ماذا يفعل أعدائي بي، قتلي شهادة، ونفي سياحة، وسجني خلوة-، ويقول أيضا: -إنها لتغلق علي المسألة فأستغفر الله ألف مرة فيفتح علي فيها-.
وهذه هي الطريق الموصلة، كما يسميها أرباب السلوك.
لا نريد الخوض في الخلافات، وهل ابن تيمية صوفي أو سلفي، وهل الصوفية فرقة ضالة أو على المنهج، لأن هذه الأمور:
1- أُشبِعت بحثا.
2- تستغلها أطراف معينه لإلهاء المجتمع، والشباب الملتزم والمتحمس خاصة عن قضايا أهم، ونحن لسنا بهذا الصدد.
– ذكرنا أنه كلما تسلل إلى السلطة حاكم ظالم، وكان ذلك بسبب فترات تراكمية توالت على الأمة؛ فليس أمام حاكمها -الذي تسلط و ضعف عن أداء واجباته- إلا إحدى طريقين للسيطرةِ المطلقة، وضمان بقائه في السلطة.
– الملك الجبري أو التضليل الديني.
ومن هنا بدأت تظهر جليا ملامح التصوف بشقيه الجهادي الذي يرفض حكم الظالمين، ويدخل في صراع مع الحاكم، والطرف الثاني اعتزال دنيا الناس؛ لأن الصراع مع الحاكم -وهو صراع سياسي وليس دينيا-، وما يترتب عليه من إراقة دماء المسلمين؛ لذلك وجدنا الحسن رضوان الله عليه يتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عن الصحابة أجمعين، مع أن الحسن كان أحق وأولى بالخلافة من معاوية، وتنازل الحسن ليس من ضعف ولكن إحقاقا للنبوة (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين) البخاري.
أما الشهيد الحسين فقد اختار طريق المواجهة؛ لذلك توجه إلى الكوفة، وقد وجدنا كثيرا من الصحابة قد رأوا غير ما يراه، حتى أن ابن عمر وأخوه محمد بن الحنفية حاولا أن يُثْنِيَاه، ولكنه قال:(لله الأمر يا ابن عمر، وكل يوم ربنا في شأن، فإن نزل القضاء فيما نحب، فنحمد لله على نعمته، وإن حال القضاء دون الرجعة، فلم يَعْتَدِ مَنْ كَانَ الحق نيته، والتقوى سريرته)، ومضت من حينها سنة إنكار المنكر على الحكام، مع الشهيد حسين.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)