قراءة في كتاب (فقه التحالف الحقوقي بين المؤسسات الإسلامية وغيرها) – لفضيلة الشيخ أحمد غانم العريضي
(خاص بالمنتدى)
لتحميل الكتاب بصيغة pdf يرجى الضغط على الرابط: فقه التحالف الحقوقي بين المؤسسات الإسلامية وغيرها
إن التحديات التي تواجه الأمة اليوم كثيرة كبيرة، والأمة أمامها تائهة ضائعة لا تجد حيلة ولا تهتدي سبيلاً، وقد تكالبت عليها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، وأصبحت في مرمى كل قوس رمياً وتسديداً، وتكاثر الأعداء عليها من داخلها وخارجها حتى أضحت ضعيفة أمام هذه التحديات، وهي تحاول أن تصد هجمة عسكرية بربرية، أو شهوة خلقية تغريبية، أو شبهة فكرية وتشويهاً معرفياً وثقافياً، وهي بحاجة لتدفع كل هجمة بسلاحها، وتلجم كل شهوة بلجامها، وترد كل شبهة بحججها وبرهانها، وأن تكون مواكبة لمتغيرات العصر ومستلزمات المواجهة، فتخلُّفها عن مواكبة العصر وأدواته هو من أكبر الثغرات التي أتيت منه الأمة، وأضاعت بسببه بوصلتها في الحياة.
ومن تلك الاهتمامات العصرية المهمة هو جانب حقوق الإنسان، فالعالم اليوم يتكلم بلغة الحقوق ويتبجح بها، وهو يعاني من انفصام صارخ بين تنظيراته وواقعه، لكنه يحسن استخدام هذه القضية في إيجاد المبررات في محاربة المسلمين، وتوجيه التهمة لواقعهم ودينهم، رغم أن النظريات الغربية لا زالت قاصرة عن مواكبة ثوابت الإسلام الحقوقية، ورعايته لهذا الجانب العظيم، ورغم أن أكثر من يعاني من انتهاك حقوقه هم المسلمون أنفسهم ومن طرف الغرب نفسه، لكن الغرب بدوله الكبرى يتقن استخدام هذه الأداة ضد من يشاؤون، في الوقت الذي لا زال المسلمون متخلفين عن فهم ضرورة ولوج هذا الميدان بقوة، ومجاراة الخصوم في براعة التلويح والتنظير والتطبيق والضغط في مجال حقوق الإنسان، وهم يملكون أعظم المواثيق الشرعية في ذلك، وهم أكثر من يعاني من الظلم والاضطهاد وانتهاك حقوقهم في العالم كله.
لذلك كان لا بد من الجدية في تفعيل مؤسسات إسلامية حقوقية ترافع عن قضايا الأمة، وتدافع عن التصور الإسلامي للحقوق بشموله وواقعه وروعته، فالمؤسسات الحقوقية عندما تكون فاعلة في مجال الدفاع والمرافعة عن الحقوق في بلاد المسلمين وغيرهم فإن هذه المؤسسات عند ذلك تكون أكثر جهة بمقدورها الدفاع عن التصور الإسلامي لحقوق الإنسان، لأنها تنطلق من واقع الدفاع الذي تمارسه عنها وليس من مجرد التنظير الذي يمارسه الآخرون، لذا فهي على ثغر عظيم من ثغور الإسلام عليها أن تكون على قدر المسؤولية في المرابطة عنده.
وحيث إن التحديات اليوم كثيرة ومتنوعة، والأمة تعاني من ضعف في مؤسساتها وتجاربها، وضيق في مساحات العمل المسموح لها به، فإن عليها أن تطرق كل باب، وتبحث عن كل وسيلة لتكسبها الخبرة المطلوبة، والقوة المفقودة، والمساحة المفتوحة للعمل، والإيجابية في الممارسة، وإن من تلك الوسائل التي قد يكون لها عظيم الفائدة في تحقيق ذلك هو التحالفات المعاصرة بين مختلف المؤسسات التي تجمعها رسالة واحدة، وهدف واحد، فهل تَطْرُقُ مؤسساتُنا هذا الباب وتستخدمه وسيلة لتحقيق بعض من أهدافها المشروعة؟.
لا شك أن مؤسساتنا الإسلامية عندما تفكر في ولوج هذه التحالفات فإنها بحكم مرجعيتها الشرعية تبحث ابتداء عن حكم هذه التحالفات، ودراسة جدواها ومصلحتها، ومعرفة الضوابط التي يجب الالتزام بها، والحدود التي لا ينبغي تجاوزها، ومن هنا كانت فكرة هذا البحث في دراسة هذا الموضوع وبحث هذه القضية، لمعرفة بعض المرتكزات الشرعية للدخول في هذه التحالفات، وفتح المجال لبحث حكمها الشرعي، وبيان الأدلة على جواز هذه التحالفات الحقوقية أو المنع منها، وبيان الراجح في ذلك نظراً واجتهاداً، مع محاولة الإلمام بمتعلقات الموضوع وجوانبه للإحاطة به من كل أطرافه قدر الإمكان، فكان هذا البحث المتواضع، وهذا أوان الشروع فيه بعد بيان منهج البحث وخطته، وبالله تعالى التوفيق.
موضوع البحث:
فقه التحالف الحقوقي بين المؤسسات الإسلامية وغيرها
مشكلة البحث:
يعالج البحث قضية تحالف المؤسسات المسلمة بشكل عام والحقوقية بشكل خاص مع غيرها من الناحية الفقهية: فما حكم التحالف الشرعي؟ وما علاقته بمفاهيم ومصطلحات شرعية كالولاء والبراء والاستعانة بغير المسلمين وغيرها؟ وما هي ضوابط ومناطات هذا النوع من التحالف؟ مع بحث متعلقات أخرى تتصل بموضوع التحالف كأهلية المؤسسات الحقوقية في عقده، ومساحة هذه الأهلية. وغير ذلك من متعلقات الموضوع.
فرضيات البحث:
يكتنف البحث فرضيات عدة في موضوع التحالف، فالتحالف قد يكون مع مؤسسات إسلامية بعضها مع البعض، وقد يكون مع مؤسسات غير إسلامية، وهو في حالتيه قد يكون تعاوناً على نصرة مظلوم أو مطالبة بحق يكون أحياناً متجها لنصرة مسلم وأحياناً أخرى لنصرة غير المسلم. ثم إن ثمة اختلافات في قضايا معينة بين هذه المؤسسات؛ فهناك قضايا تعتبرها تلك المؤسسات حقوقاً مشروعة في حين أنها ليست كذلك وفق المنظور الإسلامي، وبالمقابل هناك حقوق أقرها الإسلام ولم يقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فما هو حكم التحالف فيما ذكرنا من هذه المسائل؟.
هذه وغيرها هي مما يحاول البحث الوصول إلى التصور السليم لها وتبين حكمها الشرعي وفق منهج علمي يحافظ على ثوابت الشريعة ويحقق مقاصدها الضرورية.
أسباب اختيار موضوع البحث:
- أهمية الموضوع، وضرورة أن يكون العاملون على هذه المؤسسات على بصيرة واطلاع على جوانب عملهم المختلفة من الناحية الشرعية، لاسيما موضوع التحالف مع مختلف المؤسسات لضرورات تستوجب الدخول فيه. مع حاجة الأمة لمن يرافع عن قضاياها أمام المجتمع الدولي ومؤسساته، ليوصل صوتها ويضغط لمصلحتها.
- قلة وندرة -وربما انعدام- من تكلم عن موضوع البحث بشكل خاص وبطريقة مباشرة وشاملة، رغم أهميته، والله أعلم.
أهداف البحث:
- حيث إن أهم مقومات تحقق المجتمع المدني هو فعالية مؤسساته المدنية على تنوع تصنيفاتها واهتماماتها فإن من واجبنا في سبيل إيجاد المجتمع المدني بخصوصيته الإسلامية أن يكون لنا اهتمام في تأسيس وإنشاء المنظمات القائمة عليه والاستفادة من تجارب وأسبقية المؤسسات الحقوقية غير الإسلامية في العمل في هذا المجال من أجل الارتقاء بمؤسساتنا إلى العالمية لتحقيق الضغط المؤثر على صناع القرار في العالم، وامتلاك أوراق التأثير الحقوقي الإيجابي في سبيل الدفاع والمرافعة عن قضايا الأمة في كل محفل محلي أو إقليمي أو عالمي، والمساهمة في قيام مجتمع سليم، ونظام حكم راشد، ودعم قضايا الأمة سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً إلى غير ذلك من الجوانب.
- وكذلك الاستفادة -عبر التحالفات- من علاقات المؤسسات غير الإسلامية بمواقع صنع القرار العالمي، وحجم الدعم الذي تحظى به في سبيل إيصال رسالتنا وتحقيق الضغط والمراقبة والمتابعة للقضايا محل الاهتمام في العالم كله.
- بيان الحكم الشرعي في قضية من قضايا العصر المهمة، وضبط العمل فيها بضوابطه الشرعية.
أهمية الموضوع:
أصبحت مؤسسات المجتمع المدني عموماً والحقوقية منها خصوصاً مقومات رئيسة لبناء المجتمع المدني، وفي صناعة الرأي العام العالمي تجاه كثير من القضايا، ودخلت كثير من هذه المنظمات في تحالفات وشراكات وتشابك في العمل بما يخدم الاهتمامات المشتركة، فكان لا بد لمؤسساتنا الإسلامية أن تواكب حركة هذه المنظمات، وتلحق بها وفق خصوصيتها الإسلامية، من هنا كانت أهمية موضوع البحث، وكذلك أهمية البحث فيه ليكون انطلاق هذه المؤسسات نحوه انطلاقاًعلى بصيرة بحكم الشرع وحدوده فيه.
تساؤلات البحث:
تنبثق من موضوع البحث ومتعلقاته عدة تساؤلات تبنى عليها محاور البحث بشكل عام، ومشكلته بشكل خاص:
- فما مكانة حقوق الإنسان وحدودها وخصائصها في الإسلام؟
- أين موقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من الخارطة الإسلامية للحقوق؟
- ما أهمية العمل المؤسسي في باب الحقوق؟، وما هو وصف الشرع له؟
- ما هي الأهداف الشرعية لتأسيس هذه المؤسسات؟
- ما طبيعة العلاقة بينها وبين الدولة؟
- ما أهمية التحالف والتشابك مع المؤسسات المختلفة في باب الحقوق؟
- ما هو حكم الشرع في هذا النوع من التحالف؟
- ما هي حدوده وضوابطه؟
- ما هي علاقته بقضية الولاء والبراء أو الاستعانة بغير المسلمين؟
- ماذا لو كان التحالف موجهاً ضد طائفة من المسلمين؟
كل هذا وغيره من التساؤلات يحاول البحث الوصول إلى إجابات كافية ومؤصلة لها بإذن الله تعالى.
الدراسات السابقة:
لم يتم الاطلاع حتى الآن على من تناول موضوع البحث بالكتابة والتأليف على الخصوص، فقد وُجِدت كتابات عن قضايا تتعلق بمنظمات المجتمع المدني، وكُتبت بعض الكتابات عن التحالفات العسكرية والسياسية، لكنها لم تتطرق لموضوع البحث بخصوصه، بل عن أمور أخرى كالتحالف بين الأحزاب والتيارات الإسلامية، والتحالفات والمعاهدات التي تقوم بها الحكومات والدول، لذا يكتسب موضوع البحث أهمية كبيرة من ناحية عدم إفراده بالبحث والتأليف رغم أهميته في واقعنا المعاصر.
منهج البحث:
أُستُخدِمَ في البحث منهج مزيج من عدة مناهج بحثية، فهو بين الوصفي والحواري والتحليلي، تم الحرص فيه على تصوير المسائل تصويراً دقيقاً للتوصل لمعرفة حقيقة تكييفها الفقهي، ونقل أقوال العلماء قديماً وحديثاً في أمور كثيرة تتعلق بموضوع البحث بشكل مباشر، أو تخريجاً على أقوال لهم في مسائل مشابهة لها، عُرِضَت فيها أقوالهم وأدلتهم في تبنّيها، وتمت المحاولة في مقارنة ومناقشة، ومن ثَمّ ترجيح ما هو أقرب إلى الدليل الشرعي، مع وضع ضوابط ومحددات ضرورية لترشيد العمل وتحصينه.
خطة البحث:
المقدمة
الفصل الأول
الحقوق والحريات بين الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المبحث الأول: تعريف الحق لغةً واصطلاحاً
المطلب الأول: الحق لغةً
المطلب الثاني: الحق اصطلاحاً
المبحث الثاني: حقوق الإنسان في الإسلام
المطلب الأول: مقاصد الشريعة مرجعية الحقوق في الإسلام
المطلب الثاني: أنواع الحقوق في الإسلام
المطلب الثالث: خصائص حقوق الإنسان في الإسلام
المبحث الثالث: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المطلب الأول: نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المطلب الثاني: ملاحظات حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الفصل الثاني
التكييف الفقهي لعمل المؤسسات والمنظمات الحقوقية
توطئة:
المبحث الأول: نظام الحسبة في الإسلام؛ تطوره وتطويره
المطلب الأول: تعريف الحسبة
الفرع الأول: الحسبة لغةً
الفرع الثاني: الحسبة اصطلاحاً
المطلب الثاني: الحسبة في الإسلام وتطورها
المبحث الثاني: طبيعة العلاقة بين الدولة والمؤسسات الحقوقية
المبحث الثالث: شرعية جانب المعارضة في المؤسسات الحقوقية
المبحث الرابع: مقاصد إقامة المؤسسات الحقوقية
الفصل الثالث
التحالف الحقوقي بين المؤسسات الإسلامية وغير الإسلامية
المبحث الأول: التعريف بالتحالف وأنواعه، وبالمؤسسات الإسلامية
المطلب الأول: التحالف لغةً
المطلب الثاني: التحالف اصطلاحاً
المطلب الثالث: أنواع التحالف
المطلب الرابع: التعريف بالمؤسسات الإسلامية
المبحث الثاني: مقاصد ودوافع التحالف مع المؤسسات غير الإسلامية
المبحث الثالث: أركان التحالف
المطلب الأول: أركان عقد التحالف
المطلب الثاني: الأهلية الشرعية فيمن يبرم عقد التحالف
المبحث الرابع: حكم التحالف مع المؤسسات غير الإسلامية
المطلب الأول: المجيزون للتحالف السلمي مع غير المسلمين
المطلب الثاني: أدلة المجيزين للتحالف
المطلب الثالث: المانعون للتحالف السلمي مع غير المسلمين
المطلب الرابع: أدلة المانعين من التحالف
المطلب الخامس: مناقشة وترجيح
المبحث الخامس: ضوابط وحدود للعمل التحالفي
النتائج
المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات