قراءة في كتاب (التصرفات النبوية السياسية) | د. سعد الدين العثماني
قراءة أحمد التلاوي
تمهيد
تأتي دراسة النموذج النبوي في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، من الأهمية بمكان عند التأصيل لأي نموذج إسلامي، بل إنه يمكن القول باطمئنان، إن الممارسة النبوية هي التجسيد الأمثل والأكمل لمفهوم “النموذج الإسلامي” في أي مجال من المجالات.
ومن نافل القول، التأكيد على الأهمية الخاصة التي يكتسبها النموذج النبوي في مجال السياسة والحكم، في ظل الجدل الكبير الذي يُثار دائمًا، وتزايدت وتيرته بعد صعود الإسلاميين بعد ثورات “الربيع العربي”، حول قدرة الإسلام على تأسيس نموذج سليم للدولة والحكم.
وتزداد أهمية دراسة النماذج الأصولية، مثل النموذج النبوي، في هذا الصدد، في ظل بعض معالم الفشل التي لحقت بالحركات الإسلامية التي تولت الحكم في بعض البلدان العربية، وتم إلحاق هذا الفشل بالنموذج نفسه، وليس لسبب أخطاء الممارسة، أو قوى الممانعة التي تصدَّت للتجارب التي حاولت أن تكرر بعض النماذج التنموية والسياسية المهمة التي ظهرت في العالم الإسلامي، مثل التجربة الماليزية، والتجربة التركية.
وبين أيدينا كتاب مهم للسياسي والمفكر المغربي، الدكتور سعد الدين العثماني، الذي يتناول التصرفات النبوية السياسية، باعتبار أهميتها في مقاربة أو فهم الفقه السياسي من منظور إسلامي، بدءًا من طبيعة الممارسة السياسية للرسول الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”، باعتبارها تدبيرًا دنيويًّا مؤقتًا، وعلاقتها بمقامَيْ النبوة والإمامة.
ومن بين كتبه المهمة في هذا الاتجاه، كتاب “في الفقه الدعوي: مساهمة في التأصيل”، وصدر له أربع طبعات، و”في فقه الحوار”، وصدر له طبعتان، وكذلك “فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية”، وكلها صدرت عن دار “منشورات الفرقان” المغربية.
مع الكتاب
جاء الكتاب في أربعة أبواب، انقسمت إلى ما بين خمسة إلى ستة فصول لكل باب منها، عدا الباب الثالث، الذي حمل عنوان “مسالك الكشف عن التصرفات النبوية السياسية”؛ حيث انقسم إلى ستة عناوين حملت مسمى “المسلك”، من الأول حتى السادس، وشملت النص النبوي، وتصرفات الخلفاء الراشدين والإجماع.
الباب الأول– حمل عنوان “تنوُّع التصرفات النبوية: تأصيل وتصنيف”، وجاء في خمسة فصول، يُعتَبَر تمهيدًا لما بعده؛ حيث قدم ملخصًا حول قضية تنوع التصرفات النبوية لجهة دلالاتها التشريعية لدى المسلمين.
ويعرِّف الكاتب التصرفات النبوية، على أنها “عموم ما صدر من الرسول الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”، من تدابير وأمور عملية، من قول أو فعل أو تقرير، سواء كانت للاقتداء أو لم تكن، وسواء أكانت في أمور الدين أو الدنيا”.
ويشمل ذلك كل ما جاء به النبي “عليه الصلاة والسلام، في مختلف المجالات، بدءًا من تبليغ الدين، وصولاً إلى الإمامة وتنظيم المجتمع والعمل العام، وأمور الحكم بشكل عام.
ولكنه يشير إلى أنه ليس كل التصرفات النبوية على مستوىً واحد من الدلالة التشريعية أو الشرعية، وصنَّف ذلك ثلاثة تصنيفات:
-مقام تبليغ الدين، وهو أعلاها في درجة الإلزام.
-مقام الاجتهاد لبيان الوحي.
-مقام الاجتهاد السياسي من موقع الإمامة السياسية.
واستعرض الكاتب في هذا الباب، التطور التاريخي الذي طرأ على مفهوم “التصرفات النبوية” من منظور الفقه الإسلامي ومدارسه المختلفة، سواء المدارس الفقهية الأربعة الرئيسة، أو ما قدمه الدينوري وابن تيمية وابن القيم وشهاب الدين القرافي، الذي كان لتصنيفه مركزية لدى المؤلف، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بوظيفة التبليغ ووظيفة الإمامة.
الباب الثاني– حمل عنوان: “التصرفات النبوية السياسية: مفهومها وسماتها”، وجاء في ستة فصول، وفيه عرَّف المؤلف التصرفات النبوية السياسية على أنها السياسات والقرارات التي اتخذها الرسول “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”، في المجالات التي تندرج تحت بند الرئاسة العامة، أو ما أطلق عليه “التصرفات بالإمامة”.
وقدم في هذا الصدد العديد من النماذج والأحاديث النبوية الشريفة التي توضح كيف كان النبي “عليه الصلاة والسلام” يتصرف كرئيس دولة، في حالة غير متكررة كثيرًا بين أنبياء الله تعالى ورسله، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، التي جمع فيها النبي أو الرسول بين مهام النبوة ومهام الرئاسة العامة وممارسة السياسة.
الباب الثالث– كما تقدم، حمل عنوان “مسالك الكشف عن التصرفات النبوية السياسية”، وفيه اهتم المؤلف بالقواعد العامة التي أرستها التجربة النبوية في مجال الحكم، للمسلمين وحُكَّامهم من بعد.
وتعددت الأدلة التي استند إليها المؤلف في هذا الصدد، وركَّز فيها على أحاديث الرسول “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” وتصرفاته المباشرة، وأسباب تغير الحكم في الموضوع الواحد.
كما أشار إلى سياسات ومواقف الخلفاء الراشدين، وسلوك الصحابة الكرام وما رووه عن النبي “صلَّى اللهُ عليه وسلًّم”، وما قالوا إنه فعله في المواقف التي عرضت عليهم بعده وفاته.
وركز في هذا المجال على أمور أثارت بعض الجدل في مرحلة ما بعد النبوة، مثل جمع الزكاة، وفرض الجزية، وطرق اختيار الحاكم، وتصفية الرق، وغيرها من القضايا.
الباب الرابع– حمل عنوان “أهمية التصرفات النبوية السياسية ودلالاتها”، وجاء في ستة فصول، ويُعتبر صُلْب الكتاب؛ حيث قدم رؤية حول منهاج النبوة في المجال السياسي.
فيذكر في منهج التعامل مع الواقع، التدرُّج في تنزيل الأحكام، واختلاف الأحكام باختلاف أحوال الناس وتطورها مع الزمن، وحفظ النظام العام، ومراعاة الأحوال الطارئة.
كما أشار إلى أهمية هذه التصرفات في أنها تقدم منهاجًا متكاملاً للتجديد في الدين، وتطوير الفقه العام، وإنشاء ما يُعرَف بالفقه السياسي، والذي يشمل معالم مهمة في مدنية الدولة في التصور الإسلامي، وإرهاصات مبكرة في قضية الفصل بين السلطات، والعلاقة بين الشريعة والقانون، والتمييز بين الديني والسياسي.
ولقد لوحظ اهتمام الكاتب في هذا الإطار، بمركزية المقاصد، بأنواعها المختلفة، الدينية والدنيوية، والعامة والخاصة والجزئية، في التجربة النبوية في المجال السياسة والحكم.
كما أنه قدَّر تجربة الخلفاء الراشدين في ذات المجال، وقدمها على أنها امتداد أو “شروح” للتجربة النبوية في الإمامة والسياسة.
الكتاب أردِف بثبت للأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الكتاب، وهي على أكبر قدر من الأهمية في فهم تجربة الرسول الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” في موضوع الإمامة وما اتصل بمحتوى الكتاب، وكذلك ثبت مفيد للمصادر والمراجع للاستزادة.
مع المؤلف:
الدكتور سعد الدين العثماني، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس الحكومة المغربية، والعثماني في الأصل طبيب نفسي، وفي المجال الحزبي، يرأس حاليًا المجلس الوطني لحزب “العدالة والتنمية”، منذ يوليو من العام 2008م، ويقود الحكومة حاليًا، وهو في الأصل كاتب ومفكر إسلامي من أصول أمازيغية، وله أكثر من إصدار في مجال الفكر الإسلامي، يتضح منها اهتمامه الأصيل بالنماذج الأصولية في الإسلام.
تنقل العثماني قبل انضمامه إلى حزب “العدالة والتنمية”، بين أحزاب عدة، منها حزب “التجديد الوطني”، وحزب “الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية”، بالإضافة إلى عضويته في المكتب التنفيدي لحركة “التوحيد والإصلاح” الإسلامية.
بيانات الكتاب:
اسم المؤلف: د. سعد الدين العثماني
اسم الكتاب: التصرفات النبوية السياسية.. دراسة أصولية لتصرفات الرسول “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” بالإمامة
مكان النشر: بيروت.
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
تاريخ النشر: 2017م
الطبعة: الأولى.
عدد الصفحات: 464 صفحة من القطع الكبير.
(المصدر: موقع بصائر)