مقالاتمقالات مختارة

قراءة في المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس والأقصى

قراءة في المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس والأقصى

بقلم د. عدنان أبو عامر

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

سلطت هبة أهل القدس وحي الشيخ جراح، والمعركة المتواصلة التي يخوضونها مع الاحتلال، منذ الأول من رمضان، الضوء على منطقة باب العامود، كنقطة للمواجهة، ثم اتسعت لتشمل أغلب الأحياء بالمدينة المحتلة.

ومنذ اليوم الأول من شهر رمضان، عمد الاحتلال إلى اقتحام مئذنتي المغاربة وباب السلسلة بالمسجد الأقصى، وقطع أسلاك مكبرات الصوت فيهما للتنغيص على استعدادات المقدسيين لاستقبال الشهر الكريم، لكن الخطوة التالية فجرت غضبهم، بعد قيام الاحتلال بإغلاق مدرج باب العامود، بحواجز معدنية، وهو أحد أكثر الأماكن حيوية لتجمع الفلسطينيين المتجهين للمسجد الأقصى، وتم تتويج ذلك باندلاع معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة في غزة لمنع تنظيم مسيرة تهويد القدس، وعدم ترحيل سكان حي الشيخ جراح.

أولاً: السلوك البرلماني والحكومي

شهدت دولة الاحتلال خلال 2019-2021 أربع انتخابات، ورغم أنها لم تنجح بإيجاد حكومة مستقرة، لكنها ساهمت في زيادة مستوى المنسوب اليميني في الكتل البرلمانية، حتى ضم الكنيست في آخر انتخابات حصلت في مارس 2021 مجموعات وقوى سياسية صهيونية يهودية متطرفة، لا تتردد في التعبير عن أطماعها في القدس والمسجد الأقصى.

من هؤلاء “بيتسلئيل سموتريتش” زعيم الصهيونية الدينية، الذي زعم أن الحل الوحيد للرد على هجمات الفلسطينيين هو بناء كنيس يهودي في باحات المسجد الأقصى، “ووبخ” ضباط الشرطة، لأنهم لم “يفعلوا ما يكفي” لحماية اليهود، ودأب أنصاره على ترديد هتافات الكراهية والثأر ضد الفلسطينيين، وتصاعدت الاعتداءات العشوائية عليهم، وانطلق عشرات اليهود وسط القدس يبحثون عنهم لمهاجتهم.

وهناك “إيتمار بن غفير” زعيم كتلة “القوة اليهودية” الذي يستلهم أفكاره من الحاخام الراحل “مائير كاهانا”، وأعرب في مناسبات عدّة عن إعجابه بالحاخام “باروخ غولدشتاين” منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل 1994، ودأب على المطالبة بتدمير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل على أنقاضه.

وقد سن الكنيست في دوراته البرلمانية الأخيرة جملة قوانين وقرارات، استكمالا لقوانين سابقة، لكنها امتازت هذه المرة بصبغة دينية توراتية لا تخطئها العين، ومن أهمها: ضم القدس، تعديل قانون البلديات، القانون الأساسي “القدس عاصمة إسرائيل”، التنظيمات القانونية والإدارية، المحافظة على الأماكن المقدسة، أراضي الدولة المسجلة، أملاك الغائبين، استرجاع اليهود لعقاراتهم في البلدة القديمة، مراقبة المدارس، الاستملاك، الدخول لإسرائيل، العودة، سلطة تطوير القدس.

شكلت هذه الجماعات كتلة متطرفة داخل اليمين الصهيوني تاريخياً، وتضم أتباع التيار القومي الديني الذي يرى مزج الطبيعتين القومية والدينية لليهودية، وانطلاقا من ذلك نظر حاخاموها لاعتبار إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى بمثابة جوهر الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، ويعتبرون أن التيار القومي العلماني الإسرائيلي أضاع الفرصة النادرة لقصف المسجد الأقصى، وإزالته بالقوة العسكرية، وتأسيس الهيكل المزعوم مكانه، ويرون في سعيهم المتنامي منذ الثمانينيات مجهودا لتعويض الفرصة الضائعة لتأسيس الهيكل بشكل تدريجي.

تنامى التمثيل البرلماني لهذه الجماعات منذ 2003 حتى وصلوا 18 نائبا في انتخابات 2021، بما نسبته 15% من الكنيست، وباتوا جزءً من اليمين الحاكم، ويشكلون 30% من الائتلاف الحكومي، ويتوزعون بين أحزاب “الليكود، يمينا، الصهيونية الدينية”، مما يفسر مبادرة الحكومة للعدوان المتكرر على الأقصى بين 2015-2021، بما فيها انتفاضة السكاكين 2015، هبّة باب الأسباط 2017، وهبّة باب الرحمة 2019، أحداث باب العامود 2021.

وفي انتخابات مارس 2020 كاد رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” أن يعقد اتفاقا مع “ابن غفير”، لكنه اشترط فتح المسجد الأقصى للمقتحمين اليهود أيام السبت تمهيدا لتخصيص يوم للمقتحمين الصهاينة فقط، وأطلق عدد من أعضاء الكنيست، وأبرزهم “آريئيل كيلنر وماي غولان” من حزب الليكود ما أسموه “لوبي الكنيست” لأجل الحرم القدسي في مؤتمر رسمي بعنوان “الحفاظ على السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي”، وتمكين كل يهودي ويهودية من الصلاة فيه.

وزعم “كيلنر” أن “الحرم القدسي هو قلب الأمة اليهودية، المكان الذي فيه المعبدان، وتاق إليه اليهود على مر العصور، ففي السنوات الأخيرة حصل تقدم كبير في حقوق اليهود، وأنا فخور بحقي في الوقوف على رأس اللوبي، ومواجهة تحديات الحاضر لتعزيز مكانة الحرم القدسي في إسرائيل، وسيادتها”.

وقالت “غولان” إن “المسجد الأقصى هو المكان الأكثر أهمية في اليهودية، ويجب أن نعمل بجد أكبر حتى يستقر نفس المكان الذي يحمل الكثير من المعاني التاريخية في قلوبنا، إن الحفاظ على سيادتنا على جبل الهيكل، والاستمرار في الصلاة من أجل كل يهودي ويهودية ضروريان لنا كشعب ودولة، لا يساورني شك أن اللوبي الذي أنشأناه سيعمل بهذه الروح بالضبط لضمان الحقوق الأساسية للشعب اليهودي، وأدى تجاور الأحداث لخلق وضع مضطرب في القدس”.

على الصعيد الوزاري التنفيذي، يعتبر وزير الأمن الداخلي “أمير أوحانا”، الليكودي المتطرف، أحد أسباب الاستفزازات اليهودية للفلسطينيين في المسجد الأقصى، وقد رفض الاعتراف علنا ​​بوجود أي أعمال عنف ضد الفلسطينيين في القدس، ويعمل تحت قيادته مفوض الشرطة المعين حديثًا “يعقوب شبتاي”، الذي يتوق لإرضاء سيده السياسي، ولديه خبرة قليلة في القدس، وأصر على أن المدرجات حول باب العامود يتم تسييجها في كل شهر رمضان.

لقد عاد التوتر إلى شوارع القدس، كما هو الحال في الموجات السابقة، في ظل رغبة “أوحانا” بنيل رضا المعسكر اليميني للبقاء في منصبه بهذه الوزارة، والنتيجة أن الحكومة والشرطة الإسرائيليين تتصرفان بشكل غير مسؤول وعدواني، وبالتالي تساهمان في العنف الذي تشهده المدينة المقدسة.

وفي بداية شهر رمضان 2021، قررت شرطة الاحتلال منع المقدسيين، بأي ثمن، من الجلوس على الدرج المؤدي لباب العامود في المدينة، وأغلقوا المنطقة بالحواجز، رغم أن هذه أهم ساحة عامة في القدس، ولم تقدم الشرطة تفسيرا لهذا القرار، مما دفع المقدسيين لاعتبار القرار إهانة كبيرة جدًا، وبدأت المظاهرات عند باب العامود، التي فرقتها بالقوة.

وفيما تصرفت الشرطة بعدوانية تجاه الفلسطينيين، فإنها أظهرت اللامبالاة تجاه المعتدين اليهود، ولعب “نتنياهو” المنهمك في القتال من أجل بقائه السياسي، دورًا في الأجواء العنيفة والعنصرية المنتشرة في جميع أنحاء القدس، ولم يكتف فقط بعدم إدانة هجمات اليهود ضد المقدسيين، بل ساهم بزيادة جرعات التحريض ضدهم، وبالتالي فهو يتحمل المسؤولية.

ثانياً: تاريخ من الاستفزازات

لم تكن أحداث باب العامود في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان 2021 استثنائية، بل تعتبر جزء من سلسلة من أحداث سابقة شهدتها السنوات الأخيرة، نتيجة لجملة من الاستفزازات الإسرائيلية، ومنها هبة باب الأسباط في 2017، عقب تركيب الاحتلال للبوابات الإلكترونية، واضطراره لتفكيكها بعد 14 يوما على وضعها، وكذلك في الخان الأحمر بعد صمود شعبي وتهديد دولي في 2018، وفي مقبرة باب الرحمة في 2018، وهبة باب الرحمة 2019.

وفيما يشكل باب العامود متنفسا للفلسطينيين القادمين للبلدة القديمة من جهته، خاصة في شهر رمضان، الذي يشهد تجمعات وفعاليات ليلية، فإن الاحتلال عمد لإغلاقه بحواجز حديدية، لمنعهم من التواجد فيه، مما أدى لبدء التحركات لوقف هذا الاعتداء الجديد على الحق الفلسطيني في المكان، ولم يكتف الاحتلال المدعوم بحكومة يمينية، وقوى سياسية متطرفة، بإغلاق المكان، لكنه نشر قوات كبيرة لتحيط بالباب، وحولته نقطة مرور فقط، فضلا عن الاعتداء على أي محاولة احتجاج أو اعتراض.

تزايدت في الأشهر الأخيرة دعوات الجماعات الاستيطانية لتجمعات كبيرة في باب العامود، تحت شعار “الشرف اليهودي”، بحماية قوات الاحتلال، مما أسفر عن اندلاع المواجهات، بعد نزول المئات من المقدسيين للمنطقة، والتصدي لهم بقوة، وإجبارهم على الانسحاب من المكان.

ولم تقتصر رقعة المواجهات العنيفة بين المقدسيين والجماعات الاستيطانية خلال الشهور الماضية، لاسيما تلك المتزامنة مع جولات الانتخابات المبكرة الأربعة، على الإعلانات المحرضة على قتل المقدسيين، وطردهم من أحياء القدس، على منطقة باب العامود، بل توسعت لتشمل، وادي الجوز والطور وسلوان والشيخ جراح والعيسوية.

سلطت الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى الضوء على جملة من الخطوات الميدانية التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية، والجماعات اليهودية التي تتلقى الغطاء الكامل منها، ومن هذه الخطوات:

  1. الإعلان عن اكتشاف طرق تحت المسجد الأقصى: وكشف النقاب عن قيام الاحتلال بحفريات جديدة أسفله تستهدف البحث عن طريق يزعم أنها شكلت قبل ألفي عام مدخلاً رئيساً للهيكل الثاني، وذكرت مصادر الاحتلال بأن هذا “الشارع العتيق” اكتشف “صدفة” أثناء حفريات قامت بها بلديته، تحت محيط ساحة البراق في الجهتين الغربية والجنوبية لسور المسجد، بدعوى مدّ شبكات تصريف مجاري جديدة في المكان.
  2. تكرار الاحتفالات بمولد بقرة حمراء كمؤشر على بناء الهيكل: حيث استقبل اليهود مولد “بقرة حمراء” كعلامة ربّانية على اقتراب بناء الهيكل الثالث، وأكد فريق من الحاخامات أن بقرة ولدت في “كيبوتس ديني” قرب حيفا، وفقاً لمواصفات البقرة المقدّسة في التوراة، وهي من غير “بقع” ضرورية لنقاء الطقوس الشعائرية، وسيتم ذبحها وحرقها وتحويل رمادها إلى سائل لاستخدامه في احتفال ديني يسبق بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى.
  3. شرعنة اقتحامات المستوطنين للصلاة في الأقصى: ويتزعمها الحاخام “يهودا غليك”، الذي لا يتردد باستفزاز المشاعر الدينية للفلسطينيين، والطلب من شرطة الاحتلال إجراء الترتيبات اللازمة لاقتحام اليهود للحرم، وإقامة صلوات وطقوس دينية داخله، وتعتقد الأوساط الإسرائيلية أن الأعوام الأخيرة شكلت نقطة تحول في أعداد اليهود الذين يقتحمون الحرم القدسي، في ضوء جملة إجراءات اتخذتها السلطات الإسرائيلية أدت لزيادة مطردة في أعدادهم، لأن وصول هذه الأعداد لهذا المستوى، يعني بدء العد التنازلي لفرض أمر واقع مفاده عدم حظر صلاة اليهود في الحرم القدسي فقطـ، بل إتاحة المجال لزياراتهم هناك على مدار الساعة.

زاد عدد اليهود الذين اقتحموا الحرم القدسي في 2020 عن ثلاثين ألفا، وهو ضعف العدد الخاص لعام 2016، وخمسة أضعاف عما كان عليه الحال في 2009، وساعدت الفتاوى الدينية اليهودية على ارتفاع أعداد المصلين اليهود في الحرم، رغم وجود شرائع يهودية تحظر زيارته، وعلى رأسها الحريديم، لكن هناك أكثر من ستمائة حاخام من الوسط الديني القومي اليهودي، باتوا يسمحون بذلك، بعد أن كانوا يعارضون.

  • منع إعمار المسجد الأقصى: فما زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تمنع إدخال أيّ مواد إعمار وإصلاح للمسجد الأقصى، رغم حاجته الضرورية للبلاط الرخامي التاريخي الذي يغطي جدران الصخرة المشرفة الداخلية حيث بدأ يتصدع، وقسم منه يتشقق، وثالث يتساقط، مما يعني أنّه في أمسّ الحاجة لإعماره فوراً.
  • افتتاح المؤتمرات الصهيونية: حيث يفتتح آلاف اليهود المتطرفين الداعين لهدم المسجد، وإقامة هيكلهم مكانه، بين حين وآخر مؤتمراتهم السنوية لـ”حركة إعادة بناء الهيكل” بتشجيع ومباركة الحكومة، بحضور آلاف اليهود، وتنظيم من منظمات يهودية متطرفة على رأسها حركة “قائم وحي” التي يتزعمها “يهودا عتصيون”، وقسّمت مهام بناء المعبد اليهودي بينها، وفي بعض السوابق الخطيرة شاركت شخصيّات حكومية بتنظيم دعوات الحضور، وإلقاء الكلمات بهذه المؤتمرات، وإشادة مسئولين حكوميين باليهود الذين يريدون هدم الأقصى، وإقامة الهيكل مكانه.
  • نشاطات يهودية لبناء الهيكل: قدّمت الجمعيات الاستيطانية اليهودية طلبات للحكومة الإسرائيلية لتحويل بعض المرافق العربية الإسلامية إلى كنيس يهودي، أو السماح لليهود بأداء صلاتهم فيها، رغم أنها إرث إسلامي ديني، وحضاري عربي، لكن هذه الجماعات اليهودية المتطرفة الساعية لبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى أكملت إعداد فانوس من الذهب شبيه بالمستخدم في عهد الهيكل الثاني، ويزن 42 كغم من الذهب الخالص، بكلفة مليون دولار، تبرّع بها رجل الأعمال اليهودي الأوكراني “فاديم ربينوفيتش”.

ثالثاً: المنظمات اليهودية التي تستهدف الأقصى

شهدت السنوات الأخيرة تناميا للجمعيات اليهودية الاستيطانية التي تضع على رأس أجندتها استهداف القدس والمسجد الأقصى، من خلال الرعاية الحكومية الكاملة لها، وزاد انتشارها مع حالة الاستقطاب الحزبي والانتخابي، ومن أهمها:

  1. لاهافا: التي تزعمت الاعتداءات الأخيرة على المقدسيين بباب العامود، ويقودها “بينزي غوبشتاين”، وشارك مع آخرين ببث رسائل عبر الإنترنت تحذر من “مذابح عربية”، مع أن مسيراتها في القدس ليست جديدة، لكن بحضور بضع عشرات من المراهقين، ويتم تفريقهم بسرعة من الشرطة، ولكن هذه المرة بلغ عددهم المئات، وصل عددهم ألف مستوطن، وسارت المسيرة بحماية الشرطة، ومن السمات الجديدة نسبيًا لهذه المسيرات الأعداد الكبيرة من الشباب الأرثوذكسي المتطرف الذين شاركوا فيها.
  2. “غوش أمونيم”: معناها “كتلة الإيمان”، وتطلق على نفسها حركة “التجديد الصهيوني”، أسسها الحاخام “موشي ليفنغر” بعد حرب رمضان 1973، ويؤمن أتباعها باستخدام القوة والعنف لإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وتحظى بدعم حكومي أكسبها قوة ونشاطاً.
  3. “يشيفات أتريت كوهانين”: معناها “التاج الكهنوتي”، وتعود جذورها للحاخام الأول “إبرهام يتسحاق كول” وابنه “زفاي”، وتؤمن بأنها طلائع الحركة التي ستبدأ مسيرة الهيكل، ولديها خطط جاهزة لإنشائه، من إعداد عضوها “جاكوب يهودا”، الذي قضى وقتاً من حياته في إعدادها، وتقوم بعقد الندوات الدينية عن الهيكل، وسبل العمل لإعادة بنائه من جديد.
  4. الاستيلاء على الأقصى: من زعمائها الحاخام “يسرائيل أريئيل” الذي صرّح بقوله أن “المسجد الأقصى كومة من الحجارة يجب أن تزول، ويبني اليهود مكانه هيكلهم المقدس”، ويشرف على مزرعة أبقار من شأنها أن تنتج بقرة حمراء، لاستخدامها في طقوس ما قبل الشروع في بناء الهيكل حسب الشريعة اليهودية.
  5. الهيكل المقدس: أسّسها “ستانلي غولفوت”، ومن أعضائها الفيزيائي الأمريكي الصهيوني المسيحي “لاغرت دولفين”، وحاولا التحليق بطائرة فوق المسجد الأقصى وقبة الصخرة لتصويرها بأشعة “إكس” بواسطة جهاز الاستقطاب المغناطيسي لتصوير باطن الأرض، لإثبات أنّه مقام في موضع الهيكل المزعوم.
  6. “سيودس شيسون”: تتلقى الدعم من وزارتي الحرب والمعارف وبلدية القدس، وتعمل لتعميق الوعي إزاء الهيكل والقدس لدى الشعب اليهودي عامةً، ولدى الجيش خاصة، وتهدف للاستيلاء عليه.
  7. “أل هار هشام”: معناها “إلى جبل الله”، وتهدف لبناء الهيكل، ويترأسها “غور شون سلمون”، وحاولت اقتحام المسجد الأقصى لإقامة صلاة يهودية فيه، ومن أعضائها “يسرائيل ميلاد”، الذي يعمل في عدة مؤسسات دينية لبناء الهيكل، وحاول رئيسها اقتحام ساحة المسجد لإقامـة الشعائـر الدينيـة اليهوديـة.
  8. أمناء جبل الهيكل: ودأبت الاعتداء على حرم الأقصى بإقامة الشعائـر اليهودية بساحاته، وتظاهر أفرادها في مدخل باب الخليل بالمدينة، ويهتفون بعبارات مناوئة للعرب والمسلمين، ويحملون نعشاً كتب عليه “دولة فلسطينية لن تقوم”، وزعموا أنه “لابد من تحقق الوعد بدخول المسجد الأقصى “الهيكل” ومملكة داود المشيدة قبل 3 آلاف سنة، وإخراج المسلمين من المدينة”، وحاولت الحركة أكثر من مرة وضع حجر الأساس للهيكل قرب ساحة البراق، وصدر قرار المحكمة بالسماح لها بوضع حجر الأساس رمزياً للهيكل المزعوم.
  9. “إعادة التاج لما كان عليه”: يتزعمها “يسرائيل فويختونفر”، ويقود مجموعة من الشباب اليهودي للاستيلاء على البيوت والمباني في القدس من أجل تهويدها، ومحاصرة الحرم القدسي بممتلكات يهودية.
  10. حشمونائيم: يتزعمها الإرهابي “ليرنر”، وعرفت باللجوء للعنف الشديد للسيطرة على الأقصى، وحاولت تفجير مسجد قبة الصخرة عام 1982، لكنها باءت بالفشل بعد اكتشاف المتفجرات قبل انفجارها، والأب الروحي لهذه المجموعة الحاخام “أفيبدرو نفسنتال” رئيس رابطة التاج القديم، والملقب بحاخام المدينة القديمة.
  11. 10- “كاخ”: أسسها الحاخام “مائير كاهانا” اليهودي الأمريكي ذو الآراء التلمودية المتطرفة، وقتل حين ألقى خطاباً عنصرياً، ومن أتباعها الجندي “آلان غولدمان” الذي اقتحم المسجد الأقصى، وأطلق النار على المصلين فيه، وحاول “يوئيل ليرنر” من نشطائها نسف قبّة الصّخرة، ووضع خططـاً لنسف المساجد، وفي 1984 أقدم “كاهانا” على محاولة لتدنيس المسجد الأقصى برفع العلم الصهيوني في ذكرى هدم الهيكل الثاني.

وهناك العديد من الجماعات اليهودية الأخرى مثل “صندوق جبل الهيكل، مؤيدي الهيكل، عطيرات كوهانيم، معهد أبحاث الهيكل، أبناء جيل الهيكل، نساء من جبل الهيكل المقدس، أنصار الهيكل”.

رابعاً: تواطؤ الأجهزة الأمنية

لجأت شرطة الاحتلال في السنوات الأخيرة، وعلى وقع الأزمة السياسية والحكومية المستحكمة منذ أكثر من عامين، لإبرام صفقة مع الأوساط اليمينية اليهودية المتطرفة لتيسير اقتحاماتها بدون مشاكل أو اضطرابات، ومنها تقليص عدد صلوات اليهود في الحرم مقابل زيادة أعداد زائريه، وهذا التطور الأهم الذي زاد من أعداد اقتحامات اليهود جاء بسبب إبعاد الشرطة الإسرائيلية لظاهرة المرابطين والمرابطات التابعين للحركة الإسلامية بزعامة الشيخ رائد صلاح، بعد أن تم الإعلان عن إخراج الحركة عن القانون الإسرائيلي في 2015.

اللافت أنه مع تزايد أعداد المقتحمين اليهود للمسجد الأقصى، باتت الأوساط الإسرائيلية تغفل التحذيرات الصادرة عن الأجهزة الأمنية بأن ذلك قد يزيد من اندلاع توترات أمنية متزايدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل إنه قد يتسبب باشتعال المنطقة بأسرها.

وتؤكد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن التوتر الذي يشهده المسجد الأقصى بين حين وآخر يشبه فتيلا ينتظر الصاعق الذي يفجر الأراضي الفلسطينية، وإن ما حصل في الأيام الأخيرة يذكر الإسرائيليين من جديد بأن مسألة الحرم القدسي حساسة ومتفجرة، فيما لا تبدي فيه الحكومة الإسرائيلية اكتراثا بهذه التحذيرات، لأن من يحدد سياستها العامة شخص واحد ما زال منشغلا في الانتخابات أكثر من أي ملف آخر، وهو “نتنياهو”، لكن اندلاع حرب غزة أكدت تلك المخاوف الإسرائيلية، لأن عنوان هذه المواجهة جاء استمرار الاحتلال في السماح للمستوطنين اليهود بتدنيس الأقصى، وتحذير المقاومة للاحتلال في نهاية العدوان أن أي عودة لتلك المخططات يعني إشعال المنطقة من جديد.

ما زال الحرم القدسي يعدّ صاعقا ذا فتيل قصير، وقد اندلعت المعركة في غزة أواخر شهر رمضان، فيما تأهب المستوطنون لإحياء طقوس دينية خاصة بهم، وهي مناسبات تذكرنا بأن حبل الصاعق يقصر يوما بعد يوم، ولعل عدم كبح الحكومة الإسرائيلية لجماح المنظمات اليهودية يأتي رغبة منها لعدم إغضابها، لأنها تشكل حليفا لحزب الليكود الحاكم.

وبعد أن كان مستوى التوتر والاحتكاك بين الشرطة والشاباك في مسألة السماح لليهود باقتحام الحرم، أو منعهم، كبيراً وواسعاً، فقد تراجع هذا الخلاف بينهما في السنوات الأخيرة، في ضوء مواقفهما المتقاربة بتسهيل عمليات الاقتحام، بدليل أنهما باتا يغامران بالذهاب بعيدا في أخذ نسبة من المخاطرة، وحصل ذلك في مسألة البوابات الإلكترونية والكاميرا سابقاً، وأحداث باب العامود حالياً.

يعود توافق الجهازين بالنسبة لتقييم الأوضاع في القدس، وزيادة هامش العمل أمام المستوطنين اليهود في المسجد الأقصى، إلى انخراطهما في الشؤون السياسية الداخلية الإسرائيلية، فالشرطة تابعة كليا لوزير الأمن الداخلي الليكودي “أمير أوحانا”، فيما يبدو الشاباك الذي يقوده “نداف أرغمان” ملحقا بصورة كاملة لرئيس الحكومة، رغم أن ذلك أسفر في العديد من الأحيان على اندلاع الاشتباكات مع الفلسطينيين، وكان يمكن لهذه الأحداث أن تتسع وتزداد سخونة لو تم استخدام وسائل أكثر خشونة لفض الاحتكاكات بين الفلسطينيين واليهود، لكنها مناسبة لتذكيرنا بأن مسألة الحرم القدسي حساسة وساخنة.

تؤكد المحافل الأمنية الإسرائيلية أن تفاقم أحداث المسجد الأقصى بين حين وآخر، سواء انتفاضة القدس في 2015، وأزمة البوابات الإلكترونية في 2017، تؤكد أن الأحداث التي تبدأ في محيط الحرم القدسي تتطور بسرعة كبيرة، وتنتشر إلى شرق المدينة بأكملها، حتى لو أدت إزالة نقاط التفتيش إلى تهدئة المنطقة التي تتدفق منها الأحداث في القدس، فلن يتطلب الأمر الكثير لإيصال المدينة المقدسة إلى انفجار آخر.

لقد بدأت الأحداث الميدانية حول الحرم القدسي، لكنها سرعان ما تطورت وانتشرت في جميع أنحاء المدينة، وأصبحت على صفيح ساخن لمختلف أنحاء غلاف القدس، وكما في الأيام الأخيرة، امتدت أعمال الاشتباكات التي اندلعت حول باب العامود إلى الأحياء الشرقية: العيسوية ورأس العامود وسلوان والطور وغيرها.

خامسا: السيناريوهات القائمة

بعد اندلاع حرب غزة الأخيرة بسبب أحداث القدس، ومنع تهويدها، والحيلولة دون تنفيذ مخططات التهجير والترحيل في حي الشيخ جراح، يمكن الحديث عن جملة سيناريوهات متوقعة في المستقبل، أهمها:

  1. استمرار سلطات الاحتلال في إجراءاتها التهويدية للقدس والمسجد الأقصى، غير عابئة بتهديدات المقاومة، أو دعوات المجتمع الدولي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، لاسيما مع اشتداد حالة الاستقطاب الحزبي الإسرائيلي، وإمكانية التحضير لانتخابات خامسة، مما سيزيد الرغبة عند مختلف الأحزاب بالحصول على أصوات اليمين الديني عبر السماح لهم بتنفيذ مخططاتهم التهويدية في الأقصى والقدس.
  2. التوقف الإسرائيلي، المؤقت، عن تلك الإجراءات خشية اندلاع مواجهة عسكرية جديدة، أو تراكم الضغوط الدولية، لاسيما مع تغير الموقف الأمريكي من موضوع القدس بعكس ما كانت عليه إدارة ترامب السابقة، التي أطلقت العنان للجماعات اليهودية في القدس والأقصى.
  3. استئناف السلطات الإسرائيلية لخطوات التهويد وتغيير معالم القدس والأقصى، دون ضجة إعلامية او استعراض دعائي، من خلال تنفيذ المخططات التهويدية بوتيرة أقل سرعة، بما لا يستفز الفلسطينيين والعالم، وفي هذه الحالة قد تجد ردود فعل منخفضة، وليست منفعلة.

خاتمة

تظهر هذه الورقة أن ارتفاع مستوى الإجراءات الصهيونية والتهويدية في القدس والأقصى يتزامن مع حالة الاستقطاب الحزبي الإسرائيلي، وزيادة منسوب التطرف اليميني بشقيه: الديني والقومي، مما يعطي لأحداث القدس طابعاً حزبياً وانتخابياً، فضلا عن الجوانب الدينية اليهودية، بغض النظر عن طبيعة الحزب الحاكم.

لقد باتت هذه الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة تعتبر هدفها المتمثل ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى هو حديث الساعة بالنسبة لها، وإلى حين الوصول لذلك فإنها ستفرض نفسها على كل ائتلاف حكومي، قد يرى نفسه مضطرا لمسايرتها، كي يحافظ على بقائه واستقراره، ولو كان الثمن اندلاع انتفاضة مقدسية عنوانها “الدفاع عن الأقصى”.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى