قراءة سريعة في كتاب (موجبات تغير الفتوى في عصرنا)
قراءة مصطفى صقر
من الرسائل القصيرة التي خطها الإمام القرضاوي وخصّ بها الاتحاد العام لعلماء المسلمين في طبعتها الأولى، ثم سمح بإعادة طبعتها لتعميم الفائدة على أبناء الأمة رسالة بعنوان (موجبات تغير الفتوى في عصرنا)…
الرسالة تجدونها في 97 صفحة فقط من القطع المتوسط، إلا أنها غنية – كعادة كتابات الإمام القرضاوي – بالعلم والمعرفة واللغة الشيقة والاحساس المرهف والعاطفة الجياشة في حب الإسلام والافتخار بالانتماء له…
وضع الإمام القرضاوي بهذا الكتاب ما يعين المفتي المعاصر على وضع فتواه في موضع صحيح، بحيث لا يغفل ما نبه عليه الراسخون في العلم من وجوب مراعاة الأمور التي توجب تغيّر الفتوى، لتعطيه المرونة والسعة اللازمة لتقديم الإجابات السليمة الموافقة للشرع في كل ما يتسائل عنه الناس…
يؤكد القرضاوي في مقدمته لهذه الرسالة على أن (المفتي الموفق هو الذي يحسن فقه النصوص الشرعية، رادًا الفروع إلى الأصول، والظواهر إلى المقاصد، ويحسن كذلك فهم الواقع، فلا يكتفي أن ينظر إلى ما هو واجب؛ بل ينظر إلى ما هو واقع، مزاوجا بين الواجب والواقع، لتكون فتواه محكمة، لا يخالفها نقل ولا يناقضها عقل).
تعد هذه الفكرة (تغيّر الفتوى) من أبرز الأفكار التي تعزز مدى صلاحية الشريعة الإسلامية وقدرتها على التفاعل مع الواقع في كل زمان ومكان، وهي تضرب في مقتل ادعاء قدم الإسلام أو عدم صلاحيته لمعالجة أحوال الناس كما يدعي العلمانيون، خاصة أن الاحتكام للشريعة الإسلامية هو فرض إلهي على الأمة ومن تمام إيمانها بربها، حكاما ومحكومين، مصداقا لقوله تعالى ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليماً)).
واتفق العلماء – الأقدمون والمحدثون – على أن الأحكام الشرعية التي قد تتغير مع اختلاف الزمان والمكان والاعراف هي الأحكام الاجتهادية والظنية، وليست القطعية، وهي – كما يعلم الدارسون – ظنية في معظمها، وهي مأخوذة إما من الأدلة ظنية الثبوت (وهي معظم النصوص من غير القرآن الكريم) أو ظنية الدلالة (وهي معظم النصوص)، وتحتاج إلى أدوات الاجتهاد المتعددة، من القياس والاستصلاح والاستحسان وغيرها…
تناول القرضاوي بعد المقدمات والتمهيدات…
1- الأدلة الشرعية على تغير الفتوى من القرآن والسنة وهدي الصحابة..
2- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير المكان)، وأشار إلى أن الاختلاف بين البداوة والحضر، أو البلاد الحارة والباردة، أو التغيرات المناخية، أو تغير تصنيف البلدان من دار إسلام أو عهد وذمة أو حرب…، كل ذلك يؤثر في طبيعة الفتوى.
3- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير الزمان)، وأشار هنا كثير من الأحكام التي تغيرت بسبب تغير الزمان منها: حد شارب الخمر، والتعامل مع جرائم الاغتصاب، وكذلك ترويج المخدرات، وتحقيق الوصية الواجبة عند الميراث، بل تسجيل الملكيات العقارية وحتى تسجيل عقود الزواج والطلاق كذلك.
4- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير الحال وتغير العرف).
5- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير المعلومات المتوفرة للمفتي) وضرب مثالا حول مدة الحمل عند الفقهاء القدماء والمحدثين، وكذلك قضية الأهلة وإثبات دخول الأشهر القمرية…
6- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (حاجات الناس)، مثل تغير كثير من حاجات الناس، وتحول الكثير من الكماليات إلى حاجات أو ضرورات، وضرب أمثلة عليها مثل : اقتناء الكلاب، أو قبول اشتراط المرأة عند عقد الزواج، وكذلك طبيعة بيوت السكن ومتطلبات الأعمال، وغيرها..
7- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير قدرات الناس وإمكاناتهم)، وأشار إلى تطور الطب وتأثيره على الكثير من الفتاوى الشرعية.
8- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية)، وضرب مثالا عليه كيفية التعامل مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وكذلك كيفية تعامل الأقلية المسلمة في المجتمعات غير المسلمة.
9- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (تغير الرأي والفكر)، مشيرا إلى التحولات الفكرية أو المنهجية التي قد تمر بالعالم وتجعله يرى كثيرا من فتاويه السابقة بطريقة جديدة، كما حصل مع الشافعي بين القديم والحديث…
10- من موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (عموم البلوى)، وأشار إلى كثير من التغيرات التي احتلت بعض الأمور من منكرات مجتمعية إلى أمور عادية يقبلها المجتمع، وعلى المفتي أن يراعي ذلك، من مثل كشف الرأس للرجال في الشارع أو حلق اللحى أيضا، وانتشار وسائل الإعلام وتأثيرها على الناس، وكذلك عمل المرأة في مختلف المجالات…
(المصدر: موقع بصائر)