قانون جديد يسحب تعيين المفتي من الأزهر ويمنحه للسيسي
في ظل الصراع القائم بين مؤسسة الأزهر الشريف وسلطة النظام العسكري الحاكم، يناقش مجلس النواب المصري قانونا مثيرا للجدل يهدف لتغيير طريقة اختيار مفتي الديار المصرية، التي كان لهيئة علماء الأزهر الشريف اليد الطولى فيها.
مشروع القانون الذي أقرته اللجنة الدينية يمنح رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، سلطة اختيار المفتي على غرار ما منحته التعديلات الدستورية الشهيرة في 2019، من سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام لمصر.
وحسب مشروع القانون، فإن تعيين المفتي يتم بقرار رئيس الجمهورية، من بين 3 ترشحهم هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، منهيا بذلك الطريقة السابقة التي تم اعتمادها بعهد الرئيس الراحل محمد مرسي بانتخاب المفتي عبر اقتراع سري لهيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر.
وعلى مدار أعوام الانقلاب العسكري ظهر جليا الصراع بين مؤسسة الأزهر بقيادة شيخه أحمد الطيب، صاحب المنصب المحصن قانونيا ودستوريا من العزل، وبين السيسي، والتي بدأت بما عرف بقضية “الطلاق الشفوي”، وليس انتهاء بأزمة “تجديد الخطاب الديني”.
وعلى الرغم من أن المفتي الحالي شوقي علام، كان قد تم اختياره عبر هيئة كبار العلماء وبدعم من شيخ الأزهر أحمد الطيب، إلا أن علام، سرعان ما انضوى تحت منظومة الانقلاب وأقر جميع ما تم من أحكام بالإعدام في قضايا مسيسة.
وفي آذار/ مارس 2017، جدد السيسي تعيين المفتي 4 سنوات ثانية، ليمارس دوره بإصدار الفتاوى السياسية دعما لتوجهات النظام والتي كان آخرها الإفتاء بحرمة مشاهدة مسلسل “قيامة أرطغرل”، و”وادي الذئاب”، التركيين.
دعاة وباحثون تحدثوا لـ”عربي21″، عن خطورة هذا القانون وتأثيره على دور الأزهر الشريف في تقليد من يستحق من علمائه للمنصب، مشيرين إلى أن هدف نظام السيسي، من هذا القانون هو تحجيم دور الأزهر والسيطرة على جميع المناصب العليا للدولة.
منسجم مع الحالة العسكرية
وفي رؤيته، قال مستشار وزير الأوقاف الأسبق الشيخ سلامة عبد القوي: “هذا هو المتوقع من حكم العسكر؛ حيث لا ديمقراطية ولا انتخابات”.
الداعية والإعلامي المصري، أضاف لـ”عربي21″، أننا “نعود ثانية لعصر حسني مبارك، حيث كان تعيين المفتي يرجع لقرار مباشر من رئيس الجمهورية”.
ولفت إلى أن “ما حدث بعهد الرئيس مرسي، كان طفرة حقيقية أعادت الأمور لنصابها الصحيح”، موضحا أنه “أخذ قرارا بانتخاب كل رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وأيضا منصب المفتي”.
وأكد عبد القوي، أنه “في سابقة هي الأولى من نوعها تمت انتخابات شوقي علام، بهيئة كبار العلماء وكانت حدثا كبيرا يرجع الفضل فيه للدكتور مرسي”.
ويرى مستشار وزير الأوقاف الأسبق، أنه “من الطبيعي بظل حكم العسكر ألا صوت يعلو فوق صوت الحاكم العسكري، سيد قراراه الذي لا يريد أن يأتي أحد بالانتخابات أبدا”.
وأشار إلى أن النظام العسكري “يفهم ماذا تعني الانتخابات حول مثل هذا المنصب من احتمال تسرب بعض الطيبين المخلصين أو النافعين من الذين ليس لهم حتى علاقة بجماعة الإخوان المسلمين”.
وتابع الداعية الإسلامي: “ولكن ولأن شبح الإخوان يسيطر على ذلك النظام، وفكرة السيادة المطلقة همه الأول فمن الطبيعي أنه يريد أن يكون الآمر الناهي المتحكم الأوحد بكل شيئ”.
وختم عبدالقوي، بقوله: “وعندما يختار النظام من يتولى منصب المفتي فمن الطبيعي أن يكون هو مُصدر الفتوي، وهو ما ينسجم مع الحالة العسكرية في مصر”.
يقلل صلاحيات الأزهر
ويرى الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية أحمد مولانا، أن هذا التعديل بطريقة اختيار المفتى “يأتي في سياق حرص السيسي، على اختيار كافة المناصب بالدولة، وهو ما يتسق مع طبيعة الحكم العسكري الشمولي”.
عضو المكتب السياسي بالجبهة السلفية، أشار بحديثه لـ”عربي21″، إلى أن هذا الوضع “وصل سابقا حد تعيين عمداء الكليات ورؤساء الجامعات”.
وأكد أنه “ومن ثم فهو إجراء متوقع، وهو يحد من صلاحيات الأزهر دون أن يمثل تغييرا بالمشهد الحالي حيث أن المفتي الحالي مجرد بوق للنظام الحاكم”.
في يمين فرعون
ويرى الكاتب والمفكر المصري عزت النمر، أن “خطورة هذا القانون أنه يسير وفق الخط الفاشي الذي يعتمده قائد الانقلاب، والذي يقضي بتأميم كل شيئ والاستحواذ الكامل على سلطات الدولة وأجهزتها والوصول لحكم الفرد المطلق، وتحويل الجنرال لإله يملك كل شيء، واختصار الدولة وأركانها ومؤسساتها بل وشعبها في يمين السيسي كفرعون مستبد”.
النمر، أضاف لـ”عربي21″، أنه “وعلى الرغم من أن الوضع الآني يتيح للسيسي، والعسكر وأصحاب القرار السيادي أن يديروا دفة الأمور جميعا من خلال أتباع وعَبَده بكل المؤسسات، إلا أن هذا الوضع ورغم السيطرة الكاملة فإنه لا يرضي شهوة التملك والاستعباد التي اعتاده العسكر وولغ فيها جنرال الانقلاب بأن يحكم كل شيء ويجمع الخيوط بيده بمنتهى الشوفينية والتسلط”.
وأكد أن “خطورة هذا القانون كذلك؛ أنه يؤمم القرار الشرعي ودين الناس والفتوى، التي مفترض أن حدها وضابطها النص الشرعي وتعاليم الإسلام، لتصبح هي الأخرى ألعوبة بيد مجموعة فسدة من العسكر أو شلة فاسقة فاجرة من أزلامهم وزبانيتهم”.
وقال الباحث والمحلل السياسي، إن “الأمر تجاوز حد الصراع السياسي وحتى المكايدة السياسية بين قائد الانقلاب وشيخ الأزهر، ليصل للاستهانة بالحدود الشرعية والاستهتار بالدين بل والتلاعب به”.
وفي نهاية حديثه أكد أنه “كان يمكن للنظام استهداف الابقاء على المفتي الحالي والتمديد له كمكافأة له على ولائه الكامل للعسكر على حساب الدين والعلم الشرعي، لكن الرسالة الأبعد هي شهوة السيطرة وتعبيد الناس للعسكر بكل جانب حتى ولو كان هذا الباب هو دين رب العالمين والقائمين عليه”.
(المصدر: عربي21)