مقالاتمقالات مختارة

قاسم سليماني.. يد إيران الطويلة

قاسم سليماني.. يد إيران الطويلة

بقلم أحمد أبو دقة

منذ بداية الثورة الشيعية في إيران عام 1979 أنشأ علي خامنئي النموذج الأول للقوة التي ستكون مهمتها تصدير المشروع الإيراني الفارسي إلى خارج الحدود الإيرانية، و كانت الفرصة مواتية لذلك في لبنان حيث تم إيفاد ضباط من الحرس الثوري عام 1982 للمساعدة في تنظيم مليشيات شيعية تشارك في الحرب الأهلية، وتوجت تلك الجهود بإنشاء حزب الله. و على إثر ذلك تشكل بواسطة عماد مغنية ما عرف باسم جهاز الأمن الخاص، وهو جناح من حزب الله الذي يعمل بشكل وثيق مع فيلق القدس. ويقول المؤرخ العسكري ديفيد كريست في كتاب “حرب الشفق”، إن البداية كانت بعد أن ساعد الحرس الثوري الإيراني حزب الله على تنفيذ هجوم استهدف ثكنة عسكرية فرنسية وأمريكية في بيروت.

يتمدد فيلق القدس بشكل مفزع، ويمثل هو وكالة المخابرات الإيرانية الخارجية، وله موازنة ضخمة تمول عملياته الخارجية، حيث كانت إحدى قواعده الأساسية السفارة الأمريكية في طهران. يتراوح عدد عناصره من 10 آلاف إلى 50 ألف عنصر، منهم إيرانيين و أجانب يتم تدريبهم في طهران و مدن إيرانية و كذلك يتم إرسالهم لممارسة أعمال قتالية في العراق و أفغانستان و أماكن مختلفة من العالم لاكتساب الخبرة.

يتم اختيار أعضائه بعناية، وفقا لولائهم الأيديولوجي  لعقيدة الثورة الشيعية (وكذلك، في بعض الحالات، وفقا لأنسابهم و عائلاتهم).وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” فإنه يتم تدريب الكثيرين منهم في كلية خاصة بفيلق القدس في مدينة قم. وكذلك يتم إرسالهم بطرق غير مباشرة على أنهم عمال بناء ومهندسين.

في تقرير نشرته ” أي بي سي ” نيوز نقلت فيه عن  ضابط في المخابرات الأمريكية يدعى روبرت باير، أن الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد كان من أبرز الداعمين لقوة القدس بإعتبارها وسيلة إيران لتحقيق طموحاتها الخارجية.

و يضيف باير بأن فيلق القدس كان مثل شبح، يصعب تتبع عناصره، فهم لا يستخدمون الهواتف المحمولة ووسائل التقنية الحديثة، ويتم ذلك في حالات نادرة وفقا لأوامر تأتيهم من قيادتهم.

ويضيف رجل المخابرات الأمريكي أن من المهام التي أنشأ لأجلها فيلق القدس تصفية المعارضين للحكومة الإيرانية و مجاهدي خلق الذين كانوا يقفون مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية ما بين عامي 1980 و 1988.

لم يتوقف نشاط فيلق القدس في العراق منذ تلك الفترة، فقد ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في يونيو الماضي،أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس هو من يحرك المليشيات الشيعية في العراق، ويقود الهجوم الذي تنفذه ضد الثوار السنة منذ بدأ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003،  وقد كان خلال السنوات الثلاث الماضية يدير التحرك الإيراني على الصعيد السوري و يدعم نظام بشار الأسد.  شارك سليماني في مفاوضات سرية مع الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11/سبتمبر، كما يعتبر من أشد المقربين لمرشد الثورة الشيعية علي خامنئي. تنقل صحيفة الغارديان عن مسؤول بريطاني رفيع بأن فيلق القدس الذي يقوده سليماني يعتبر ” ذراع إيران الطويلة في كل مكان”.

تعتبر مليشيات “عصائب أهل الحق” الممثل العسكري لإيران في العراق وهي التي أسسها قاسم سليماني لتكون ذراع من أذرع فيلق القدس لحماية حكومة نوري المالكي و النفوذ الإيراني في العراق.

يقول موقع “بزنس إنسايدر” ، كان بإمكان الأمريكيين اعتقال قاسم سليماني حينما زار المنطقة الخضراء خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، لكنهم لم يفعلوا!”.

في فبراير/2013 أعلن في لبنان عن مقتل الجنرال حسن شاطري و قالت إيران في بداية الأمر إنه مهندس يعمل لهيئة إعادة إعمار لبنان، لكن الصحف العالمية قالت إنه قائد فليق القدس في لبنان و مسؤول عن توفير الإمدادات للمقاتلين الشيعة الذين يحاربون جنبا إلى جنب مع النظام السوري.

كان شاطري بحسب مجلة “نيويوركر” الأمريكية رفيق الجنرال قاسم سليماني(56 عاما)، وشارك معه في الحرب العراقية الإيرانية. يعمل سليماني منذ 15 عاما في قيادة فيلق القدس، وكانت مهمته منذ البداية إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية إيرانية بنطاق جغرافي يشمل بلاد الشام و حتى الخليج العربي. سليماني بحسب المحيطين به على حد وصف المجلة، قصير القامة لا يشارك في إجتماعات كثيفة الحضور، وهو شخصية شيعية متطرفة و يقدر كثيرا من يسقطون دفاعا عن مشروع إيران ويزور أسرهم ويعزيهم. من أسباب التكاليف التي تدفعها إيران دفاعا عن نوري المالكي و الأسد يقول أحد المراجع الشيعية في إيران ” إذا لم نستطع الحفاظ على دمشق، فكيف سنحافظ على طهران”.

في عام 1999 وخلال الثورة الطلابية الإيرانية أرسل سليماني رسالة إلى الرئيس الإيراني محمد خاتمي هدده فيها بأن يقوم الجيش بالإنقلاب على حكومته في حال لم يستطع قمع الثورة الطلابية، وفي إحدى المناسبات وصفه خامنئي بــ”شهيد الثورة الحي”.

قاسم سليماني متزوج ويعيش في طهران، لديه ثلاثة أبناء و بنتان، كما أنه يعيش حياة بيروقراطية، و يعاني من البروستاتا و آلام الظهر، وبالرغم من قوة شخصيته وقدرته على إدارة أزمات إيران في الخارج إلا أنه لم يكن يتلقى تعليما جيدا، فهو حاصل فقط على الثانوية.  من ضمن الإتهامات التي وجهت لسليماني بواسطة الإدارة الأمريكية، أنه المسؤول المباشر عن استئجار عصابات مكسيكية لإغتيال السفير السعودي في واشنطن  عام 2011.

انضم قاسم سليماني إلى الحرس الثوري الإيراني الذي كان القوة الضاربة للقيادة الدينية في إيران خلال الثور، كسائر المتطوعين، و استطاع ممارسة تدريبات رياضية مكثفة لتعويض حالة الحرمان التي عاشها مع عائلته في إحدى القرى الفقيرة في شرق إيران، وليصبح مقاتلا فاعلا في الثورة الشيعية. خلال الحرب العراقية كان سليماني يقوم بمهمة توصيل المياه للجنود الإيرانيين في الجبهات، لكنه واصل سلم الصعود حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم. تسلم عام 1998 مهامه في قيادة فيلق القدس، ومنذ ذلك الحين وهو يحاول تعزيز نفوذ إيران في الخارج وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط.
 تقول مجلة “نيويوركر”، عقب أحداث سبتمبر مباشرة، طار وفد أمريكي رفيع لمقابلة عدد من القادة الإيرانيين بشكل سري للغاية، و كان الأمر يتعلق ببدء تعاون مشترك بين الطرفين في الحرب على أفغانستان باعتبار طالبان و القاعدة عدو مشترك للجانبين، ووفقا لما نقلت المجلة في تقرير نشرته في سبتمبر/2013، فإن “حاجي سليماني” كما يلقب أبدى مرونة كبيرة في هذه القضية.  أصاب الوفد الأمريكي حالة من الذهول بسبب كمية المعلومات و الخرائط التي قدمها سليماني لهم حول مواقع حركة طالبان و القاعدة في أفغانستان، لكن بعد خطاب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الذي وضع فيه، إيران، جزء من محور الشر في العالم، توقف التعاون الإيراني مع الأمريكيين في أفغانستان على حد وصف المجلة.

بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، أرسلت واشنطن وسطاء عراقيين إلى إيران للتفاوض بشأن تشكيل مجلس حكم من العراقيين، واستجابة لطلب سليماني قامت واشنطن بتنحية بعض الأسماء لعدم موافقته عليها. منذ تلك الفترة بدأ سليماني يعمل على زرع مليشيات شيعية و تقويتها لحماية النفوذ الإيراني في العراق تحت مرأى ومسمع الأمريكيين وبتعاون منهم.

تقول المجلة إن سليماني أمر المخابرات السورية بتسهيل دخول مسلحين سنة إلى العراق لمقاتلة الأمريكيين و احتضن بعض العناصر المتطرفة بغرض استخدامهم لتوجيه ضربات ضد الولايات المتحدة في العراق و أماكن أخرى من العالم لابتزاز واشنطن على طاولة المفاوضات.

في أحد المواقف كان الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني،ضمن قافلة متوجهة نحو الحدود العراقية.  وكانت الاستخبارات الأمريكية تعلم أن سليماني كان برفقته و على طرف الحدود العراقية كانت مجموعة من المسلحين الأكراد يقفون للترحيب بهم، لم تضطر أمريكا لمهاجمتهم وسمحت لهم بعبور الحدود حتى لا تخوض مواجهة مع الأكراد.

يقول مسؤول إستخباري أمريكي، عبرت القافلة باتجاه مبنى دبلوماسي قريب من أربيل، وبعد مهاجمتهم تبين أن سليماني وجعفري غادرا القافلة إلى بيت آمن لمسعود برزاني.

في عام 2008 اشتعلت مواجهة بين المليشيات الشيعية و القوات الأمريكية في كربلاء بعد مقتل خمسة جنود أمريكيين، بعدها أرسل الرئيس العراقي جلال طالباني رسالة إلى الجنرال ديفيد باتريوس أبلغه فيها أن قاسم سليماني هو الذي يحرك السياسة الإيرانية في العراق و لبنان و أفغانستان وغزة، وذكر له أن السفير الإيراني في العراق هو عضو في فيلق القدس. بعد ذلك أرسل سليماني إلى السفير الأمريكي في بغداد رسالة بحسب المجلة قال فيها ” أقسم على قبر الخميني بأننا لم نؤذن بإطلاق رصاصة واحدة على الجيش الأمريكي”.في خطاب ألقاه في عام 1990، قال خامنئي إن مهمة فيلق القدس هو “إنشاء خلايا حزب الله شعبية في جميع أنحاء العالم”.

في لبنان عام 2005 قتل رئيس الوزراء رفيق الحريري وهو سني، توجهت أصابع الإتهامات فورا إلى حزب الله، وذكرت مصادر أمريكية في حينها بأن ذلك لن يتم بدون مباركة قاسم سليماني.

في ديسمبر 2010 هنأ السفير الأمريكي جيمس جيفري العراقيين بمناسبة تشكيل حكومة برئاسة نوري المالكي. تشكلت هذه الحكومة بعد إجتماعات عقدها قاسم سليماني في طهران مع الزعماء الشيعة و الأكراد وانتزع منهم خلالها وعدا لدعم المالكي، مرشحه المفضل.

كان المالكي و بشار الأسد لا تجمعهما علاقات سليمة، فنجح سليمان بجمعهما من خلال صفقة مربحة بموجبها يتم بناء أنابيب نفط من العراق إلى الحدود السورية، كما استطاع قاسمي أن يدعم نفوذ مقتدى الصدر في الحكومة من خلال زرع رجاله في الوزارات الخدمية العراقية.

أيضا لم يتوقف سليماني عن زعزعة الأمور في البحرين و توسيع نشاط إيران من خلال التعاون العسكري مع دول إقليمية مثل السودان، وكان كل ذلك هدفه إيجاد بوابة لاختراق المجتمعات الإسلامية و توسيع رقعة نفوذ إيران في الشرق الأوسط و إعادة رسم ملامحه وفقا لمشروعها الخاص.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى