“قاتل القُدس”: إدانة صهيونيَّة للتَّشدُّد “الإسلامي” وإشادة بالمطبّعين – 3 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
حقيقة ملاحقة ممارسة الشَّعائر غير الإسلاميَّة في المسجد الأقصى
ومن بين الأكاذيب الَّتي يتعمَّد مؤلّف الرُّواية دسَّها بين الحقائق لتكتسب مصداقيَّة لدى المغيَّبين أنَّ “الشُّرطة الإسلاميَّة” في المسجد الأقصى تحظر على الزَّائرين من غير المسلمين ممارسة أيّ شعائر دينيَّة (ص165).
يتجاهل روزنبرغ بذلك حقيقة تعرُّض المسجد الأقصى للاقتحام يوميًّا على يد المستوطنين اليهود، ولعلَّ من أحدث وقائع الاقتحام ما نشر عنه المركز الإعلامي الفلسطيني بتاريخ 15 يوليو 2020م، عن اقتحام 55 مستوطنًا باحات المسجد الأقصى يومها، تحت حماية قوَّات الاحتلال.
جدير بالذّكر أنَّ قوَّات الاحتلال الإسرائيلي تتعمَّد الاعتداء على حرَّاس المسجد الأقصى الرَّافضين للاقتحامات، بل وتلقي القبض على بعضهم أثناء مباشرة عمله.
تفتح الإشارة إلى الاقتحامات المتكرّرة للمسجد الأقصى والاعتداء على حرَّاسه، التَّابعين لدائرة الأوقاف الإسلاميَّة التَّابعة بدورها للمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة المجال للوقوف عند ما أثاره روزنبرغ عن عدم أهليَّة الأوقاف الإسلاميَّة لحماية المسجد الأقصى، من خلال تقديم شخصيَّة المدير التَّنفيذي للأوقاف في صورة متطرّف يتواطأ مع جماعات إرهابيَّة تستغل صلاحيَّات عمله لتحريضه على تفجير موقع الإعلان عن خطَّة السَّلام واغتيال المشاركين فيه. من المفارقات أو والد زوجة مدير الأوقاف، وهو مفتي القُدس في الرُّواية، يتعاون مع قوَّات الأمن في إفشال مخطَّط صهره، وكأنَّما رسالة المؤلّف هي أنَّ السُّلطة الدّينيَّة العليا في القُدس مع الاحتلال ضدَّ السيادة الهاشميَّة على المسجد الأقصى. غير أنَّ واقع الأمر يشير إلى خلاف ذلك، فقد أدان الشَّيخ عكرمة صبري، مفتي القُدس سابقًا وأحد خطباء المسجد الأقصى، تهاوُن المملكة الأردنيَّة، وكذلك سائر الدُّول الإسلاميَّة، في توفير الحماية للمسجد الأقصى في مواجهة فرْض السَّيطرة الإسرائيليَّة على المسجد بالقوَّة، ممَّا يوحي ببداية فقدان الأوقاف الأردنيَّة سيطرتها على المسجد، كما صرَّح لشبكة الجزيرة الإخباريَّة في 23 يونيو 2020م. جدير بالذّكر أنَّ الاحتلال الإسرائيلي قد قرَّر مطلع فبراير 2020م إبعاد الشَّيخ عكرمة صبري، المولود عام 1939م، أي قبل إعلان دولة إسرائيل بنحو عقد من الزَّمن، عن المسجد الأقصى 4 أشهر، جُدّدت في يونيو من العام ذاته 4 أشهر أخرى.
ويبدو أنَّ إسرائيل تنوي بالفعل سحْب الوصاية الهاشميَّة على المسجد الأقصى قريبًا، وربَّما في إدانة الرُّواية لإدارة الأوقاف الإسلاميَّة للمسجد تمهيد لفرض السَّيطرة السَّعوديَّة عليه، بدلًا من الأردن، الَّتي توتَّرت علاقاتها بإسرائيل مؤخَّرًا، بعد إعلان الأخيرة نيَّتها ضمَّ غور الأردن، كما يكشف تقرير نشرته شبكة الجزيرة في 3 يونيو 2020م، نقلًا عن موقع إسرائيل اليوم.
هذا ويواصل العاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين بن طلال بن عبد الله، تصريحه برفض ضمّ مستوطنات الضَّفَّة الغربيَّة إلى إسرائيل والمساس بالمقدَّسات الإسلاميَّة في القُدس، وقد أعاد بن الحسين تصريحاته بهذا الشَّأن خلال اجتماعين له يوم الاثنين 14 يوليو 2020م، مع رئيسي وأعضاء لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس العموم بالبرلمان البريطاني.
استعداد دول الخليج للتَّطبيع مع إسرائيل
نأتي إلى مسألة هامَّة أثارها جويل روزنبرغ في روايته، وهي استعداد المملكة العربيَّة السَّعوديَّة للتَّعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بعد تعاونها الأمني والاستخباراتي معها في مواجهة عدوّ مشترك، يتمثَّل في نظام ملالي الشّيعة في إيران والنّظام العثماني الجديد في تركيا والجماعات الجهاديَّة الإسلاميَّة الَّتي تدعمها الدَّولتان.
كرَّر جويل روزنبرغ زيارته إلى المملكة العربيَّة السَّعوديَّة في 11 سبتمبر 2019م، وقابل حينها ولي العهد السَّعودي في القصر الملكي في جدَّة، أي على بُعد مسافة قصيرة من الحرم المكّي الشَّريف. ودار النّقاش وقتها حول عمليَّة السَّلام في الشَّرق الأوسط وسُبل إنهاء الصّراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما كتبت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل.
وكما يذكر مقال ذا تايمز أوف إسرائيل، فاتَح روزنبرغ، المنحدر من أصول يهوديَّة ومسيحيَّة صهيونيَّة والجامع بين الجنسيتين الأمريكيَّة والإسرائيليَّة، ولي العهد السَّعودي في مسألة زيارة الأخير للقُدس، معبرًا عن أمله أن يُدعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الرّياض، وداعيًا إيَّاه إلى زيارة القُدس، باعتبارها عاصمة دولة إسرائيل، وليس حاضنة المسجد الأقصى، مسرى نبيّنا محمَّد (ﷺ) وثالث المساجد الَّتي تُشدُّ إليها الرّحال. وتشجيعًا للأمير محمَّد بن سلمان على الزّيارة، أعاد روزنبرغ على آذانه قصَّة ملكة سبأ الَّتي حكمت مملكة في شبه الجزيرة العربيَّة وقطعت رحلة إلى الأرض المقدَّسة زمن الملك سليمان.
يكشف المقال كذلك عن وجود “علاقات أمنيَّة سريَّة” بين القُدس والرّياض، في مواجهة “الخطر الوجودي الإيراني”، ولكن لم يصدر اعتراف رسمي من دول الخليج بإسرائيل. ويأمل بعض مؤيّدي إسرائيل أنَّ ولي العهد السَّعودي الشَّاب لن يعارض النَّظر في إمكانيَّة إقامة روابط دبلوماسيَّة مع إسرائيل.
وقد استقبل العاهل السَّعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في 20 فبراير 2020م، في القصر الحاكم في العاصمة الرّياض، الحاخام المقيم في القدس ديفيد روزن، ” في خطوة تدل على رغبة المملكة في مواصلة الانفتاح على العالم الغربي”، كما نشر موقع ذا تايمز أوف إسرائيل الصَّادر بالعربيَّة في 24 فبراير 2020م.
وصَف الحاخام روزن، عضو في لجنة الحاخاميَّة الرئيسيَّة في إسرائيل للحوار بين الأديان، مقابلته مع العاهل السَّعودي، بـ “اللحظة الثَّوريَّة”، مشيدًا باستعداد المملكة، حاكمًا شعبًا، للتَّواصل مع الغرب ومكافحة التَّطرُّف الدّيني. أمَّا عن سبب زيارة الحاخام روزن للسَّعوديَّة، فهي حضور أوَّل اجتماع يُعقد في مدينة الرّياض لأعضاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثَّقافات (KAICIID)، وروزن في الأصل من أعضاء مجلس إدارة المركز.
أثار الحاخام روزن مسألة في غاية الحساسيَّة، وهي أنَّ استقبال العاهل السَّعودي له يعكس “التَّقارب السّرّي” بين إسرائيل والسَّعوديَّة، برغم أنَّ حواره مع الملك سلمان لم يتطرَّق إلى العلاقات بين البلدين، كما صرَّح لموقع ذا تايمز أوف إسرائيل.
وكان الباحث السّياسي الإسرائيلي إيدي كوهين قد صرَّح خلال مشاركته في برنامج “الاتّجاه المعاكس”، الَّذي تذيعه شبكة الجزيرة القطريَّة، في 19 فبراير 2019م، بأنَّ بلاده لا تريد التَّطبيع مع الدُّول المحيطة، وما يهمُّها هو إبرام “اتّفاقيَّات أمنيَّة مع الأنظمة العربيَّة” لمواجهة الخطر الإيراني، مضيفًا أنَّ دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة هي راعية التَّقريب بين إسرائيل والأنظمة الخليجيَّة، كما نشر موقع الإمارات 71 بتاريخ 20 فبراير 2020م.
تعمَّد كوهين توجيه الإهانة للأنظمة العربيَّة الَّتي تتفاوض مع إسرائيل سرًّا بالإشارة إلى أنَّ إبرامها اتّفاقيَّات أمنيَّة مع الكيان الصُّهيوني لمصلحتها، وليس لمصلحة الطَّرف الآخر؛ لأنَّ تلَّ أبيب تحمي “مؤخّرات” الأنظمة العربيَّة في مواجهة المدّ الإيراني.
بنفس هذا المبرّر، شدَّد إيلي كوهين، وزير الاستخبارات الإسرائيلي في مقابلة له مع صحيفة سعوديَّة، هي الأولى من نوعها، على أهميَّة التَّعاون الأمني بين إسرائيل و “دول الجوار”، معتبرًا إيران عدوًّا مشتركًا بين إسرائيل ودول الخليج، كما نشر موقع i24 News الإسرائيلي في 22 يونيو 2020م. وأثار كوهين ما يثير العاهل السَّعودي في الرُّواية عن ضرورة تعاون بلاده مع إسرائيل، بوصفها قوَّة اقتصاديَّة وتقنيَّة هائلة، في ظلّ التّحديات الاقتصاديَّة الَّتي تواجهها بسبب ركود سوق النَّفط (ص259-260).
هذا ويتعمَّد نُشطاء شبكات التَّواصل الاجتماعي من أبناء السَّعوديَّة تكثيف دعوتهم إلى تطبيع العلاقات مع الإسرائيليين، الَّتي لا يعتبرونهم أعداءً لبلادهم، بل ويجدونهم أحقَّ بالأرض المقدَّسة من الفلسطينيين. ووصل الأمر بأحد النُّشطاء السَّعوديين أن ادَّعى أنَّ الفلسطينيين هم “عرب الشَّتات”، لم يُذكروا حتَّى بالقرآن الكريم، واصفًا إيَّاهم بـ “فلول المهاجرين الغجر”. وكان النَّاشط نفسه قد نشر مقطعًا هاجم فيه الفلسطينيين، بل ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي لحرقهم وإنهاء قضيَّتهم بالكامل، نقلًا عمَّا نشره موقع الجزيرة مباشر في 29 أبريل 2020م.
لم يعد النُّشطاء السَّعوديون يجدون حرجًا في الظُّهور على القنوات الإسرائيليَّة، ولعلَّ من أحدث مشاركات نشطاء سعوديين في برامج تبثُّها قنوات إسرائيليَّة، ما صرَّحت به النَّاشطة سعاد الشَّمري عبر قناة “كان” العبريَّة، في 7 يوليو 2020من عن تأييدها التَّعاون الاقتصادي بين بلادها وإسرائيل، مردّدة ما قاله العاهل السَّعودي في الرُّواية (ص259-260)، كما سبقت الإشارة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإمارات، أو عرَّابة التَّطبيع، كما وصفها الباحث الإسرائيلي إيدي كوهين عبر قناة الجزيرة في 19 فبراير 2019م، استغلَّت انتشار فيروس كورونا المستجد في إبرام اتّفاقات مع كيانات طبيَّة إسرائيليَّة، بذريعة التَّعاون في إيجاد علاج للفيروس المستعصي، كما نشرت شبكة الجزيرة بتاريخ 3 يوليو 2020م.
(المصدر: رسالة بوست)