للغة العربية عمق ممتد من القرون الغارقة في القدم إلى هذا العصر وما بعده؛ وهي ذات قدرة على التفاعل والتأثير وعدم الانحسار، لذلك كان لها أثرٌ في تعاطي المنظمات الدولية معها بإيجابية؛ فقد صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذو الرقم 3190 (د-28) المؤرخ في 18 ديسمبر 1973م، بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة؛ لما للغة العربية من دور مهم في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وعليه تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة.
وكانت اللغة العربية لغةً رسميةً معتمدةً في اليونسكو قبل تاريخ إدخالها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجانها الرئيسة، وفي 17 نوفمبر 1999م في الدورة الثلاثين للمؤتمر العام أعلنت اليونسكو يومَ 21 فبراير يومًا دوليًّا للغة الأم من أجل النهوض بالتنوع اللغوي والثقافي في العالم، وفي 19 فبراير 2010م اعتمدت إدارة الأمم المتحدة لشؤون الإعلام قرارًا يقضي بالعمل على الاحتفال بيومٍ عالميٍّ لكل لغةٍ من اللغات الرسمية الست ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحدَّدت يوم 18 ديسمبر يومًا دوليًّا للغة العربية، وفي الدورة التسعين بعد المئة للمجلس التنفيذي لليونسكو دعا المجلس إلى إدراج اليوم العالمي للغة العربية الموافق 18 ديسمبر من كل عام ضمن الأيام الدولية التي تحتفل بها اليونسكو.
وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، سلطت وكالة الأنباء السعودية الضوء على واقع هذه اللغة العالمية العابرة للقارات، قديماً وحديثاً.
فقد دأب المؤرخون على تقسيم اللهجات العربية القديمة إلى عربية بائدة – عربية النقوش- وتضم اللهجات العربية الجنوبية وبعض اللهجات العربية الشمالية، ووصلت عن طريق نقوش عثر عليها في مساحة واسعة من الأرض تمتد من دمشق إلى منطقة العلا في المملكة العربية السعودية، وقد ظهر من هذه النقوش أن لهجات العربية الجنوبية البائدة صُبغت بالحضارة الآرامية، فاستعملت حرفاً قريباً من الخط المسند – سمي بذلك لأن حروفه تستند إلى أعمدة، ويمتاز بالتناسق الهندسي الجميل- ودونت تاريخها بتاريخ بصري الذي يبدأ من سنة 106 للميلاد، وهو تاريخ دمار مملكة النبط، وكذلك حرب الفرس والروم، وأن لهجات العربية الشمالية البائدة تأثرت بالحضارة النبطية، فكتبت بخط نبطي أو خط قريب منه، ومن هذه اللهجات:
الثمودية: وتنسب إلى النقوش الثمودية المكتشفة المنسوبة إلى قبائل ثمود التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، وقد عُثر على قرابة ألفي نقش من هذه اللهجة، معظمها في الحجاز ونجد، في حين عُثر على بعض منها في الصفاة- شرق دمشق- وسيناء.
والصفوية: وهي اللهجة المنسوبة إلى منطقة الصفاة؛ لأن أكثر النقوش المكتشفة من هذه اللهجة التي تربو على ألفي نقش، اكتشف في هذه المنطقة، والخط الصفوي شديد الشبه بالخط الثمودي.
واللحيانية: وهي اللهجة المنسوبة إلى قبائل لحيان التي يرجح أنها كانت تسكن منطقة العلا شمال الجزيرة العربية، ومعظم النقوش اللحيانية المكتشفة يرجع إلى ما بين السنة 400 والسنة 200 قبل الميلاد.
وتشير الدراسات التي أجريت على النقوش الثمودية، والصفوية، واللحيانية المكتشفة إلى أنّ هذه اللهجات أقرب لهجات العرب البائدة إلى العربية الفصحى، وأنّ خطوطها قريبة من الخط المسند، أو مشتقة منه، كما أنّ الخط العربي الشمالي –المستعمل حالياً- مشتق من الخط النبطي، كما يتضح من نقوش: أمّ الجِمال الأول الذي يعود إلى منتصف القرن الثالث الميلادي تقريباً، والنمارة – 328م- وزَبد – 512م- وحرّان – 568م- وأمّ الجمال الثاني العائد للقرن السادس الميلادي.
والقسم الآخر من اللهجات العربية القديمة هو العربية الباقية، وهي التي نزل بها القرآن الكريم، والتي تنصرف إليها كلمة “العربية” عند إطلاقها، والتي لا تزال مستعملة حتى اليوم في مختلف أقطار الدول العربية، وهي مزيج من لهجات مختلفة بعضها من شمال الجزيرة، وهو الأغلب، وبعضها من جنوبها اختلطت كلها بعضها في بعض حتى صارت لغة واحدة.
والعربية الفصحى التي تستعمل هذه الأيام في الخطابات الرسمية والكتابات، كانت منتشرة قبل الإسلام، وكانت تُنظم بها القصائد، والخطب، ولما نزل القرآن الكريم بها، قوّى منزلتها، وأسهم في انتشارها، وإغنائها ودراستها وتعلمها.
وهذه اللغة تكونت – كما ذكر ذلك ابن جني في كتابه الخصائص- بفعل اتصال العرب بعضهم ببعض في الأسواق المشهورة في العصر الجاهلية، ومنها: عكاظ، المجنة، المربد، ذو المجاز، خيبر، وكذلك بسبب الحروب والمناظرات الأدبية والمساجلات من شعر أو خطابة أو غيرهما.
وكان إلى جانب هذه اللغة الفصحى المشتركة، لهجات متعددة، تختلف فيما بينها في كثير من مظاهر الصوت والدلالة والقواعد والمفردات، وكان العربي – كما يقول المؤرخون- يتكلم مع أفراد قبيلته باللهجة الخاصة بهم، فإن نظم شعراً أو دبج خطبة ليلقيها في حفل يضم أفراداً من قبائل مختلفة، عمد إلى تلك اللغة المشتركة “الفصحى”.
وتشير الدراسات اللغوية إلى أنّ القرآن الكريم نزل بهذه اللغة المصطفاة المشتركة، ليكون مفهوماً من القبائل كافة، وأنه يحوي كلمات كثيرة من لهجات القبائل، وخاصة قبائل هذيل، تميم، حمير، جرهم، مذحج، خثعم، قيس عيلان، بلحارث بن كعب، وكندة، لخم، جذام، الأوس، الخزرج، طيء.
كما تثبت الدراسات اللغوية أن لهجة قريش هي الغالبة في القرآن الكريم، ويجمع أغلب اللغويين على ذلك، وقد روي عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – أنه قال للرهط القرشيين الثلاثة: “إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم”.
ومن أشهر العلوم العربية: “الصرف، والإعراب – يجمعهما اسم النحو – والرسم -وهو العلم بأصول الكلمات- والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والقوافي، وقرض الشعر، والإنشاء، والخطابة، وتاريخ الأدب، ومتن اللغة.
وبحسب إصدار مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية “الإستراتيجيات الدولية في خدمة اللغات الوطنية -2016″، تحتل اللغة العربية المركز الثامن عالمياً من حيث عدد الناطقين الأصليين، ويقدر عدد الناطقين بها بصفتها لغة أم زهاء 280 مليون نسمة، ويتحدثها 250 مليوناً آخرين لغة ثانية.
وتعد اللغة العربية اللغة الرسمية للدول الأعضاء “بجامعة الدول العربية”، ونظراً لانتشارها الواسع العابر للقارات، علاوة على كونها لغة الدين الإسلامي، فقد اعُتمدت لغة رسمية في عدة منظمات دولية؛ كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى أن اللغة العربية تتعايش مع لغات تتحدثها أغلبية السكان في جميع بلدان العالم التي يوجد بها مسلمون.
(المصدر: الملتقى الفقهي)