بقلم صلاح عبد المقصود – مدونات الجزيرة
هل ضيع القدس إلا الأنظمة والحكومات العربية؟ وهل تواطأ على نكبتها وخيانتها إلا الحكام كابرا عن كابر؟ هل دافع عن الإحتلال وحدوده وأمنه إلا بعض الحكومات العربية التي اعتبرت أمن الصهاينة وحمايتهم أهم من أمن بلدانهم وشعوبهم. هل نصدق البيانات والإدانات التي صدرت من قيادات بعض الأنظمة..
في الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام الإسرائيلي والأمريكي عن تنسيق ترمب مع هذه القيادات بشأن قراره بجعل القدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال؟ هل خرج أحد منهم ليكذب ما قيل عن إتفاق ترمب وتنسيقه معهم؟ أو عن لقاءاتهم السرية أو زياراتهم الخاصة للكيان الصهيوني؟ هل نصدق بيانات الإدانة والشجب للقرار الأمريكي، أم نصدق الممارسات التي قامت وتقوم بها تلك الأنظمة لتهيئة المناخ لابتلاع القدس وتطويع بلداننا مقابل صفقة القرن لحماية عروشهم، وصفعة القرن للقدس والمدافعين عنها؟
أنا هنا لا أعمم، ولا أتهم كل الحكومات التي تدير عالمنا الإسلامي لكن كثيرا منها متواطىء مع القرار الأمريكي ومتآمر على القدس وفلسطين وشعبها. وإلا.. بماذا نفسر قمع بعض الأنظمة لشعوبها وقواها الحية ومنعها من التعبير عن رفضها للقرار الأمريكي؟ في الوقت الذي تصدر فيه بيانات الشجب والإدانة التي تفتقد للصدق أو العمل الذي يؤيدها؟
هل نصدق البيانات التي تدين أم نصدق واقع السجون التي إمتلأت برافضي الاحتلال والمدافعين عن القدس ومقدساتها. لو كانت هذه الأنظمة صادقة في رفضها لقرار ترامب فهل اتخذت أي إجراء حقيقي ضد أمريكا من قبيل سحب أرصدتها التي تبلغ مئات المليارات من بنوكها أو سحب إستثماراتها التي تدعم الاقتصاد الأمريكي..
هل جمدت صفقات الأسلحة التي تقارب المائة وخمسين مليار دولار ولم تنفذ بعد؟ هل سحبت سفراءها أو جمدت علاقاتها؟ هل قامت بإغلاق القواعد العسكرية الموجودة على أراضيها؟ هل أوقفت ضخ شحنات البترول والغاز لأمريكا؟ هذا قليل من كثير يمكن أن تفعله هذه الأنظمة.. فهل فعلت منه شيئا؟ لقد عاشت أمتنا مائة عام بين وعد بلفوروقرار ترمب (بين عامي 1917 – 2017) فهل خاضت تلك الحكومات حربا حقيقية لتحرير القدس وفلسطين؟
إن المقاومة الحقيقية للاحتلال لم تكن إلا من الشعوب، وحركاتها الشعبية، وكتائب المتطوعين الذين هبوا لمقاومة الاحتلال بدءا من ثورة القدس عام 1920 إلى ثورة البراق عام 1929، ومن انتفاضة الفلسطينيين عام 1933 إلى ثورة عز الدين القسام ورفاقه من المجاهدين الفلسطينيين والعرب والتي استمرت لثلاث سنوات.
كذلك كتائب المتطوعين التي زحفت من عدة أقطار إسلامية للمشاركة في حرب فلسطين 1948 إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965.. إلى عمليات المقاومة التي قادها الشيوخ من الحدود الأردنية في أواخر عام 1968 وما تلاها..
ثم الانتفاضة الأولى التي بدأها أطفال الحجارة عام 1987 والثانية عام 2000 وما صاحبها وتبعها من عمليات المقاومة الفدائية والاستشهادية التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة وجنوب لبنان دون شرط أو قيد..
لقد شن الاحتلال الصهيوني ثلاث حروب على غزة (في 2008، 2009، 2012، و2014) فهل حاربت هذه الأنظمة مع أهلنا في غزة، أو وقفت معهم أم ساهم كثيرون منها في حصار هم بل كان بعضهم يحرض الصهاينة على مواصلة عدوانه!
إن الاحتلال الصهيوني لم تؤلمه حروب الحكومات وجيوشها المنظمة التي لم تحقق نصرا، أو تحمي قدسا، وإنما آلمه وأجبره على الانسحاب تلك المقاومة الشعبية التي حوربت وحوصرت بل وجرمت من القريب والبعيد!
لقد جاء قرار ترمب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترافه بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال لينزع ورقة التوت التي كانت تستر عورة بعض الأنظمة.. كما كانت القمة التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول كاشفة لمواقف الكثيرين.. لقد فضحت هذه القمة مواقف البعض الذين خافوا من غضب ترمب إذا ما لبوا نداء القدس.
تعرضت القدس للتهويد.. تهويد معالمها وشوارعها وبيوتها وأشجارها.. واكتفت هذه الأنظمة بالشجب، وطرد أهل القدس وشردوا فلم نرى منها إلا تكرار الإدانة
خاف هؤلاء واكتفوا بتمثيل هزيل لا يناسب حجم الفاجعة التي تعرضت لها القدس. رغم أن منظمة التعاون الإسلامي تشكلت في الأساس عندما تداعى زعماء العالم الإسلامي عقب محاولة الصهاينة إحراق المسجد الأقصى في عام 1969! لكن زعماء اليوم أبوا أن يلتئم جمعهم رغم القرار الأمريكي بتسليم القدس بما تضمه من مقدسات إسلامية ومسيحية لإسرائيل!
ثلاثة عشر رئيسا وملكا وأميرا فقط حضروا تلك القمة من بين سبعة وخمسين كان واجبهم أن يحضروا ليناقشوا تلك الفاجعة التي سيؤرخ لها التاريخ ويسطر موقف المدافعين عنها والمتآمرين عليها أو الخائنين. لكنني أقول رب ضارة نافعة، وجزى الله الشدائد كل خير، فقرار ترمب كشف الأقنعة المزيفة التي كانت ولا تزال تتاجر بقضايا الأمة، وتدعي الدفاع عنها، وما هي في حقيقتها إلا متآمرة عليها بالصمت أو الفعل.
لقد تعرضت القدس للتهويد.. تهويد معالمها وشوارعها وبيوتها وأشجارها.. واكتفت هذه الأنظمة بالشجب، وطرد أهل القدس وشردوا فلم نرى منها إلا تكرار الإدانة، وقاوم أهل فلسطين الاحتلال الجاثم على الأرض والمقدسات فما كان منهم إلا أن أجهضوا انتفاضته وساروا فيما أسموه بجهود السلام لمنح الصهاينة الوقت كي يكملوا مشروعهم الاحتلالي التوسعي لابتلاع ما بقي من أرض فلسطين ومقدساتها.
لقد أثبتت الأحداث والوقائع التي مرت بالقدس – منذ وعد بلفور إلى قرار ترمب – أثبتت أن القدس هي قضية الشعوب وقواها الحية، وما كانت، ولا أتوقع أن تكون، قضية لأنظمة فاقدة للشرعية والمشروعية، تخشى على مقاعدها وعروشها من غضبة إسرائيل أوسيدها في البيت الأبيض. وللقدس رب يحميها وشعوب تدافع عنها.