مقالاتمقالات مختارة

في مسألة المقاومة الاقتصادية

في مسألة المقاومة الاقتصادية

بقلم أ. محمد إلهامي

كثيرا ما تدور الحوارات حول “أصل المشكلة”، وهل العالم محكوم بالقوة العسكرية أم بالقوة الاقتصادية. ورغم أن الأمرين مرتبطان على نحو يصعب فصمه، إلا أن السؤال يُقصد به بشكل أساسي أولوية المقاومة، هل تكون ضرب المصالح الاقتصادية أم ضرب القوة العسكرية.

كنت -وما زلت- معتقدا أن القوة العسكرية هي الأساس، وهي التي تبني حولها شبكة القوى الأخرى: فالقوة العسكرية تستلب المال وتسيطر على الموارد (الاقتصاد) وهي إذا وقعت تحت طائلة الديون لم يستطع أحد إجبارها على السداد!

كما أن القوة العسكرية تجذب الأتباع -طوعا وكرها- وهي بما عندها من أموال تستطيع شراء النفوس والعقول والسواعد، وتبني حولها شبكة من المثقفين والإعلاميين والمنظرين فتصنع لنفسها “القوة الإعلامية”!

واليهود، برغم أنهم أرباب المال والاقتصاد، إلا أنهم كانوا دائما عرضة للاضطهاد، وكانت كل مكاسبهم مرهونة برضا السياسة عنهم، فإذا أراد امبراطور أو ملك مصادرة أموالهم والقضاء على تجارتهم فعل ولم يستطيعوا له دفعا.. وقد ظل اليهود ثلاثمائة سنة بلا دولة، منبوذين مضطهدين، لا يرتفع شأنهم إلا إذا سمحت لهم تقلبات السياسة أو إذا وضعوا أنفسهم على خط السياسة!

ولم تقم لهم دولة إلا حين أراد الغرب (المشروع الصليبي) أن يجعل له طليعة مقاتلة (أو: جماعة وظيفية بتعبير المسيري)، وما زالت دولتهم لا تعيش إلا بالحماية العسكرية للمشروع الصليبي، وهو ما سماه الله تعالى “حبل الناس” في قوله {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}.

وهم حين أقاموا دولتهم سخروا مواردهم لتكون في صالح جيشهم (الاقتصاد في خدمة القوة العسكرية) لا العكس.. وبذلك صاروا وحشا مرعبا في محيط ضعيف عسكريا وإن تفوق عليهم ماليا واقتصاديا! ولم يفت في عضدهم إلا مقاومة عسكرية وإن كانت أضعف من قوتهم كثيرا.

ثم وجدت هذا المعنى في سورة القصص..

فقد حكى الله تعالى قصة قارون، وكيف أنه في الأصل من قوم موسى، لكنه حين زاد المال بين يديه انتمى وانحاز إلى فرعون ملئه، حيث القوة والسلطة، فصار معهم حتى قال الله فيهم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.. ثم بلغ من انتمائه إلى فئة السلطة أن شاركهم في البغي على قومه، ويقول بعض المفسرين بأنه كان والي فرعون عليهم {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ}.

ولما تهدده الله تبارك وتعالى تهدده بالقوة المادية لا بالقوة الاقتصادية والمالية فقال تعالى {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا}.. فالقوة المادية فوق القوة الاقتصادية، وإلا كان الآية تقول (أهلك من القرون من هو أكثر مالا وأكثر ذهبا)!!

ولما أهلكه الله، أهلكه بقانون القوة {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.. ولم يغن المال أمام القوة، ولم يكن له من فئة لها من القوة ما تقف به أمام قوة الله!

—-

اقرأ بعض ما استفدته من كتاب جون بركنز “الاغتيال الاقتصادي للأمم”

1. القوة فوق الاقتصاد

2. معركة عقيدة

3. النموذج الفرعوني ليس في السياسة فقط

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى