مقالات مختارة

في سبيل فهم الخطأ !

العلمي الحدباوي

نحن ملزمون بالفهم ولسنا ملزمين بتصويب الأفكار. وملزمون بالتفهم ولسنا ملزمين بتخطئة الآراء، ذلك لأنه يوجد خلط عمليّ بين فهم الشيء وتخطئته، فعادة إذا فهمنا رأيا فلأننا نوافق عليه، وأما الرأي الذي لا نوافقه فنخطئه ونعاديه ونبني حاجزا بيننا وبينه، نفعل كل ذلك ونحن لم نبذل جهدا في فهمه والتقرب من معناه، مع أن التقرب من الآراء بالتفهم لا يعني أننا سنوافق عليها أو نرفضها حتمًا.

وربما من أقوى أسباب ونتائج هذا الخلط هو أننا ننتقل من عرض الآراء إلى عرض الأحكام، من القول إن فلانا (يقول الرأي) الفلاني، إلى أن فلانا (يقول الخطأ) الفلاني.

وتتطور المشكلة بعد ذلك إلى مستوى أعلى هو التعامل مع ما يطرح على أنه نماذج وليس أفكارًا، ننتقل هنا من نمذجة الرأي إلى نمذجة الشخص، من القول: إن فلانا (يمثل الرأي) الفلاني، إلى القول إن فلانا (يمثل الصواب أو الخطأ) الفلاني.

إن من أسباب اللجوء إلى التخطئة قبل الفهم:

– الركون للأشياء الجاهزة، والتملص من واجب التفكير طلبًا للراحة.

– التعصب للنفس، من منطلق أن تخطئة الغير هو إثبات للذات.

ومن نتائجه:

– استسهال القضايا وإظهارها بمظهر يزهّد في الاهتمام بما تكنّه في العمق.

– التعامل مع النماذج بدل التعامل مع الأفكار، ومنه جعلها ظاهريًا غير قابلة للبحث.

إن أساس فكرة الدعوة إلى تفهم الخطأ هي أن الفهم واجب على كل حال، فإذا وافقتَ، كان المنتظر منك أن تفعل ذلك عن فهم، وإذا لم توافق فالمنتظر أن تفعل ذلك عن فهم كذلك. فأنت لست ملتزما بموافقة الرأي الفلاني، ولست ملتزما بمعارضة الرأي الفلاني، أنت ملتزم بالحق الظاهر بعد التزامك الطريق الواضح المؤدي إليه. عليك أن تفهم الخطأ والصواب، وأن لا تحكم عليهما من المرة الأولى بذلك، ولا تقطع ببطلان فكرة أو صوابها قبل أن تروزها بميزان الحق بعدل وإنصاف ورويّة. ثم يأتي بعد مرحلة الفهم مرحلة التخطئة كتتويج لما سبق.

 وربما نتيجة لعملك بالتزام الفهم ستتفاجأ بوجود الحق إلى جانب ما ظننته خطأ أول مرة، أو أن تجد الخطأ إلى جانب ما اعتبرته صوابا أول مرة. إن التباس الحقائق في ذاتها أولا، وضعف العقول وقابليتها للوهم ثانيا، وطغيان الهوى على النفوس ثالثا، كلها تبتعد بالانسان عن الحقائق، فيستدعي الأمر بشدة وإلحاح تجريد النفس وتركيز الذهن والاجتهاد في تبين الطريق.

المصدر: رابطة العلماء السوريين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى