في ذكرى ميلاد “فارس المنابر” الشيخ عبد الحميد كشك
بقلم علي فريح أبو صعيليك
العامل المشترك في تعامل معظم أنظمة الحكم العربية خلال القرن الماضي ولغاية اليوم مع أصحاب الفكر الذي لا يتوافق مع نهج الحكم حتى لو كان سليماً هو الإقصاء سواء من خلال السجن والتعذيب وفي بعض الأحيان وصلت إلى الإعدام، وتبقى لتفاصيل قصة “فارس المنابر” الشيخ عبد الحميد كشك ما يميزها عن غيرها وفيها الكثير من العبر التي توضح لماذا ما زلنا نراوح مكاننا ونتراجع عن مواكبة الحضارة!
قریة (شبراخیت) بمحافظة البحیرة المصرية شهدت ولادة “الشيخ كشك” وذلك في العاشر من مارس عام 1933م، وتميزت طفولته بأحداث غير تقليدية منها حفظه للقرآن الكریم قبل بلوغه عامه العاشر، وكذلك نشأته يتيما وفقدانه البصر في إحدى عينيه عندما بلغ ثلاثة عشر عاما من عمره قبل أن يفقد الأخرى عندما بلغ السابعة عشرة، وكان المرحوم يردد ما قاله حسان بن ثابت شاعر النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
إن یأخذ الله من عیني نورھما.. ففي فؤادي وعقلي عنھما نور
كانت شخصية الشيخ تميل للاهتمام بالدعوة إلى الإسلام وكذلك الاهتمام بمشاكل الناس، ولذلك لم يجد نفسه في العمل كمعيد في كلية أصول الدين
التفوق العلمي أحد العوامل المشتركة بين العديد من الشخصيات التي أقصتها أنظمة الحكم، وهكذا كان حال الشيخ كشك الكفاءة العلمية بمعنى الكلمة والذي حصل على تقدير 100% في السنة الثانية ثانوي وكذلك في الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على جمهورية مصر العربية وهو نفس المركز الذي كان يحصل عليه خلال سنوات دراسته في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وقد كان بعض أساتذته يستعينون به لشرح بعض المحاضرات للطلاب وتحديدا تلك المتخصصة بعلوم النحو والصرف.
كفاءة عالية المستوى بهذا الحجم كان من الأفضل الاستفادة من قدراته ومنها شخصيته وعمله وبلاغته ودمجها في المجتمع بشكل إيجابي بدلا من صناعة “عدو للسلطة” لمجرد أنه مختلف عن فكر السلطة ومنتقد لها ومن ثم الزج به في السجن!
كانت شخصية الشيخ تميل للاهتمام بالدعوة إلى الإسلام وكذلك الاهتمام بمشاكل الناس، ولذلك لم يجد نفسه في العمل كمعيد في كلية أصول الدين، واستقال منها وتم تعيينه إماما لمسجد “عين الحياة” في منطقة حدائق القبة بالقاهرة وهناك ذاع صيته كثيرا من خلال خطبه التي تجاوز صداها حدود مصر وكان بعض زوار القاهرة من العرب يحرصون على الاستماع لخطبة الجمعة في مسجد “عين الحياة”.
تجلت عبقرية الشيخ كشك في كيفية استخدامه لبلاغته وشخصيته خفيفة الظل في النقد بكل جرأة وكان مواكبا للأحداث بمختلف الاتجاهات السياسية والفنية والاجتماعية وهذا ما ساهم في زيادة متابعته من عامة الناس، فلم يسلم من نقده رؤساء مصر
على عكس ذلك، فقد رزق الشيخ كشك ب “حسن خاتمة” والتي روتها زوجته على لسانه
تجلت بلاغته كثيرا في نقده لنجوم الفن والمجتمع في ذلك الزمن وخصوصا أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب و فايزة أحمد وعادل إمام وأنيس منصور ونجيب محفوظ وغيرهم الكثير ومازالت مقولاته النقدية خالدة لغاية اليوم.
من العبر التي تستحق الرواية في قصة الشيخ كشك هي كيفية مقتل أحد أبرز الجلادين وهو مدير السجن “حمزة البسيوني” بطريقة رواها الشيخ بنفسه وهي أنه تعرض لحادث سير دخل على أثره قضيب حديد في عنقه وتم إخراجها بفصل رأسه عن جسده!
على عكس ذلك، فقد رزق الشيخ كشك ب “حسن خاتمة” والتي روتها زوجته على لسانه والتي تخللها رؤيته للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في منامه وسلم على عمر ومن ثم وقع على الأرض ميتا وغسله الحبيب المصطفى، وكان سعيدا بهذه الرؤيا، وفعلا توفي بعدها وهو ساجد في الركعة الثانية أثناء صلاة للتطوع بمنزله في عام 1996.
لم تتغير طريقة تعامل مؤسسات الحكم مع المعارضين وخصوصا التيارات الإسلامية وذلك من خلال الإقصاء بدلا من الإدماج والحقيقة أن الأمة العربية تحتاج بعد أكثر من مئة عام من الصراعات أن تتعلم من التجارب المريرة والتي جعلتنا في مؤخرة الركب الحضاري ومن مصلحة الجميع إيجاد نقاط تلاق تضمن لجميع الفرقاء دورهم في صياغة المستقبل.
رحم الله الشيخ عبد الحميد كشك “فارس المنابر” والذي مازال صوته يصدح عاليا مرددا “هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم مكتوب على بابها: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
(المصدر: مدونات الجزيرة)