بقلم أويس عثمان
من منا لم ينبهر من شجاعة الفلسطينيين على الحدود التي تفصلهم عن تلك الأراضي التي احتلت منذ سبعين سنة.
فهم رغم سلميتهم، وعدم حيازتهم لأي نوع من السلاح، إلا أنهم أرعبوا الكيان الصهيوني بأكمله، والذي استخدم أسلحته الفتاكة، تجاه المتظاهرين العزّل، الذين جاؤوا ليعبّروا عن إيمانهم بحقهم في العودة إلى الديار، وعدم اعترافهم بشرعية الاحتلال، الذي يسعى لتثبيتها من خلال تزييف الحقائق، وسفك الدماء.
اليوم تقدم غزة كوكبة جديدة من الشهداء، الذين انضموا إلى قافلة شهداء شعبنا على مدار عقود، لتؤكد أن هذه القضية ستظل مستمرة، وستكون دماء شهدائنا هي تلك التي ستضيء قناديل العودة إلى الديار، بعز عزيز أو بذل ذليل .
تعميم خاطئ
العديد من الناس راهنوا على شعبنا بأنه سيرضح للمؤامرات التي تحاك في الغرف المعتمة، والصفقات المشبوهة التي تنعقد هنا وهناك من فوق وتحت الطاولة، خصوصاً في ظل خلط للأولويات على المستوى السياسي، والتسابق -المخزي- من قبل بعض الدول العربية لخطب ود الكيان الصهيوني، حتى وصل بالبعض لاعتبار قتل الصهاينة للفلسطينيين (دفاعاً عن النفس)، في حين اعتبر البعض أن “إسرائيل” عدو مظنون، أي لم يتحقق صاحب هذا الرأي من عداء الاحتلال، رغم احتلاله لفلسطين منذ سبعين سنة!!
صحيح أن هذه وغيرها حالات شاذة لا تعبر عن ضمير الشعوب الإسلامية المغلوب على أمرها، إلا أن الإعلام يريد أن يسلط الضوء عليها ليبين أن هناك تغييراً في طريقة التعامل مع الكيان الصهيوني، وأن العرب يسيرون إلى القبول بهذا الاحتلال الغاشم، وهو ما يعتبر خطأ من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن تعميم الحالات الشاذة لا يعتبر أمراً صحيحاً البتة، إذ لا يمكن أن نقول أن توجه قيادة سياسية لدولة ما، يمكن أن يعبر عن رأي الشعوب، خصوصاً أن كل تلك الدول لا تستخدم الخيار الديمقراطي واحترام إرادة الشعب في اختيار البرنامج السياسي الذي يرغب به.
الوجه الثاني: أن من يريد تعميم هذه الحالات، يتجاهل عمداً أو سهواً أن هناك من يدير المعركة بإرادته وليس بإرادة غيره، وإنني أقصد الشعب الفلسطيني العظيم، خصوصاً القاطن في قطاع غزة، الذي يُستهدف يومياً في جميع مناحي حياته، إلا أنه ما زال يملك القرار الأول والأخير في إدارة الصراع، فهو يُصعّد متى يشاء، ويُهدّئ متى يشاء، وليس تابعاً لأحد، بحيث يحركه كما تُحرّك الدمى!
ما زال الشعب الفلسطيني يملك القرار الأول والأخير في إدارة الصراع مع الاحتلال، فهو يصعّد متى يشاء، ويهدّئ متى يشاء، وليس تابعاً لأحد، بحيث يحركه كما تُحرّك الدمى
الوجه الثالث: أن الاحتلال يستغل الفرص المتاحة له لتقبيح صورته وليس لتلميعها، فهو بمجرد انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، وتهافت بعض الأنظمة السياسية العربية لكسب رضاه، إلا أنه قام وبرضاً أمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ناهيك عن الاقتحامات المتكررة للقدس وتهويدها، واستفزاز مشاعر المسلمين بذلك، بالإضافة إلى استخدام القوة والسلاح الحي في الفتك بالفلسطينيين، وهو ما يعني أنه يقتل أي محاولة تلميع له مما يؤكد أن الاحتلال يستغل محاولات التطبيع معه للعربدة على الفلسطينيين وانتهاك حرماتهم وإزهاق أرواحهم .
لماذا لن تموت القضية؟
سبعون سنة مرت على #النكبة، وكأنها بالأمس، نظراً لحجم التفاعل معها، ورغم كل المعوقات التي تواجه شعبنا في الداخل والشتات، فقضية النكبة لم تعد محصورة بجيل عايشها وعانى منها في رحلة اللجوء وترك الديار والأوطان، وإنما باتت جزءاً من ثقافة كل فلسطيني بل كل مسلم، فلا تجد فلسطينياً لا يتذكر بلدته التي هجّر منها، أو ربما تجده محتفظاً بمفتاح بيته أو بيت أبيه أو جده، ووثائقه الثبوتية المتعلقة بها.
قضية النكبة لم تعد محصورة بجيل عايشها وعانى منها في رحلة اللجوء وترك الديار والأوطان، وإنما باتت جزءاً من ثقافة كل فلسطيني بل كل مسلم
ومن الأسباب التي ستبقي القضية حيّة في نفوس كل الفلسطينيين هي تلك التضحيات التي ما تزال تقدم في سبيل تحرير هذه الأرض، فكيف لذوي الشهداء وأحبائهم أن ينسوا القضية التي أزهقت لأجلها أرواح من أحبوهم، وأنّى لهم أن يسامحوا من سفكوا دماءهم؟
إن تقديم الشهداء هو أمر طبيعي طالما أنك تصارع المحتل، وتسعى لتحرير أرضك من براثن عدوانه ، وإننا لا نخشى على شعبنا من الشهادة، فالشهادة مطلب كل مسلم يسعى للفوز برضوان الله، لكن نخشى أن يتخاذل البعض عن الاستمرار في مقاومة الاحتلال والقبول بوجوده لأجل بعض الملذات والمصالح الدنيوية. وهو ما يعني الخسارة في الدنيا والآخرة!
فما قيمة الحياة إن اغتصبت مقدساتنا وانتهكت كرامتنا؟ وأي متعة دنيوية تلك التي نركن إليها، ونحن نتناسى القيام بما أمرنا الله من رفض للعدوان، والقيام بالجهاد؟
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل* إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً والله على كل شيء قدير} [التوبة: 38-39].
إن علينا أن لا نركن إلى تمسك شعبنا بقضيته فحسب، بل علينا أن ندعم ذلك بكل السبل، وأن نوقد تلك الجذوة في نفوسهم مراراً وتكراراً. خصوصاً أولئك الذين يقطنون خارج فلسطين، فهم بحاجة إلى من يذكرهم بأننا في حالة حرب، وأنه سيأتي الوقت الذي سيطلب منهم التضحية بدمائهم وأموالهم لأجل هذه القضية، أما الموجودون في داخل فلسطين، فالاحتلال لوحده كفيل بتذكيرهم، من خلال عدوانه المستمر، وامتهانه لكرامتهم، وهو ما يجعل القبول به والتعايش معه أمراً مرفوضاً البتة عند أصحاب الفطرة السليمة!
إن علينا أن لا نركن إلى تمسك شعبنا بقضيته فحسب، بل علينا أن ندعم ذلك بكل السبل، وأن نوقد تلك الجذوة في نفوسهم مراراً وتكراراً. خصوصاً أولئك الذين يقطنون خارج فلسطين
ختاماً.. إن شعباً فيه مثل أولئك الأبطال الذين وقفوا بكل عزة أمام جبروت الاحتلال وأسلحته، لا يمكن أن يهادن أو يتنازل عن ثوابته ، وإن شعباً ما زال يقدم الشهداء تلو الشهداء ليؤكد أن حلم العودة بات أقرب، خصوصاً بعد أن كشف الاحتلال اليوم عن جبنه وخوفه وضعفه أمام إرادة شعبنا وصموده.
(المصدر: موقع بصائر)