مقالاتمقالات المنتدى

في الرّد على مقال عابدة المؤيد: “هل نشر المرأة صورتها على السوشيال ميديا حرام شرعاً”؟

في الرّد على مقال عابدة المؤيد: “هل نشر المرأة صورتها على السوشيال ميديا حرام شرعاً”؟

 

بقلم رانية نصر “عضو هيئة علماء فلسطين – عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” (خاص بالمنتدى)

 

تعرض هذا المقال لنقد المنهجية التي عالجت بها عابدة المؤيدة قضية نشر صورة المرأة على وسائل التواصل دون الخوض في حكم المسألة ودون مناقشة الاستدلالات ودون الترجيح

 

كثيرة هي المسائل الخلافية بين العُلماء، خاصةً المسائل الظنية والمعاصرة التي لا تستند لنصوص قطعية، وفي هذا المقال لن أتعرّض لمناقشة تفاصيل مسألة نشر المرأة صورتها على السوشيال ميديا؛ حيث أن الاتفاق على أنها خلافية، فمِن العلماء من جوّز بشروط ومنهم من منع ومنهم من فصّل.

وما يعنيني في هذا المقام هو معايرة المنهجية وطريقة المحاججة المنطقية التي استندت إليها الكاتبة دون عرض الاستدلالات والأقوال، فتبقى المسألة خلافية كما كثير من المسائل الفقهية المعاصرة، وهدف هذا المقال ليس الإثبات أو النفي ولا ترجيح رأي على آخر كما ذكرتُ؛ إنما لبيان خلل المنهج الذي تم مُعايرة المسألة إليه.

أولاً: تعارض الكاتبة رأي أحد العلماء القائل بحرمانية وضع صورة المرأة على صفحاتها على وسائل التواصل، فهي ممن يرى الجواز والمشروعية، فتقول: “وأرجو ألا يُفهم من مقالي أنها دعوة لنشر الصّور، وإنما هي لإظهار الحقيقة”.

وأقول: طالما أنّك تقولين بالجواز وتنكرين على المانعين، فلماذا خشيت أن يُفهمَ من مقالك أنها دعوة لنشر الصور؟!! ومم التّوجّس طالما أنّ قلبك مطمئن لتلك الفتوى!!

ثانياً: تقول: “قال أكثر الفقهاء المعاصرين ما خلاصته أن وضع الفتاة صورتها في أي مكان حرام، ولو كانت متحجبة أو منتقبة”.
وأقول: هل في هذا المقال يصح أن نعمم ونقول “قال أكثر الفقهاء المعاصرين”؟؟

ونحن في مقام التأصيل لمسألة فقهية مهمة، فمن الذي قال؟ ومن هم أكثر الفقهاء؟ وأين الرأي الآخر؟؟!!!

ثالثاً: تقول: قالوا (وتقصد العلماء المانعين):”لو قبلنا بفتوى كشف الوجه”، وترد: (وهنا اعترفوا بأنها فتوى صحيحة).

وأقول: هل مجرد الافتراض “عندك” يعني الاعتراف والإقرار، أما سمعت بالفقه الافتراضي الذي أسسه السادة الحنفية؟؟ هل كل مسألة افترضوها يعني أنهم أقروها واعترفوها بصحتها ووجودها؟؟ أين الموضوعية في مناقشة المسألة؟!!

تقول: كيف يقولون “ولو قبلنا بكشف الوجه” والمذاهب الأربعة على كشفه عند أمن الفتنة، فهي بداية تدل على أنه للرفض وتحيز للمنع بوضع النتيجة، ثم محاولة حشد الأدلة لقسر النساء عليها، وإقناعهن بأنها الفتوى الوحيدة والصحيحية”.

وأقول: كما أن هذا الفريق تشدد في الغلق والمنع، أنت كذلك تساهلت في الفتح، فأي جنوح في الاتجاه هو جنوح في الاتجاه المقابل، وأنت اخترت فئة متشددة ورددت عليها بما يناسب قناعاتك دون التعرض للفريق الذي أجاز بضوابط، وفي هذا خلل واضح في (اجتزاء) الصورة الكاملة، وهذه الانتقائية توهم بأن الشرع كله يتجه نحو التشدد في المسائل!!

تقول: “إن المرأة المسلمة ليست مسؤولة عن سلوك الذكور، ما دامت قد قامت بما عليها من الستر، فهذا شأنهم هم والإثم عليهم هم وحدهم، وليس من المعقول أن تتحمل المرأة قيوداً لا داعي عليها من أجل تخوفات أو من أجل ثلة قليلة مريضة”.

وأقول: أتتفق معك هنا في أن المرأة ليست مسؤولة عن سلوك الذكور طالما أنها تسترت، لكن سأقرب المسألة أكثر لنفهم تفصيلاتها، نفترض أن المرأة خرجت بضوابط اللباس الشرعي لكنها دخلت في مكان به رجال وتخشى على نفسها الأذى، لا نقول أنها عملت ما عليها طالما أنها تسترت بل يجب عليها هنا ترك هذا المكان لغلبة الظن بأنها ستؤذى بوجودها بين الرجال أو وجودها في خلوة مع رجل في مكان يخلو من الناس، ولا نقول هي تستر وانتهى، فالمسألة ليست بهذه القطعية والعمومية، إنما السياق يحتّم عليها ما يجب أن تفعله حفاظا على عفتها وسُمعتها.

تقول: الصورة ليست مثل الحقيقة لأنها ذات بعدين فقط ولأنها جامدة وثابتة على هيئة واحدة؟؟

وأقول: ربما صورة ثابتة تثير الرجل أكثر من وجود مادي متحرك، وربما صورة وجه امرأة يميل قلب الرجل إليها تثيره أكثر من جسد زوجته التي اعتاد العيش معها لأن النفس تحب كل جديد وتملّ ما اعتادت عليه، والشهوة ليس لها ضابط ولا هي مسألة معيارية، فضلاً عن أن كلامك يعني أن الصورة لا تؤثر في النفس ولا تثير الشهوة، وهذا بعيد عن الواقع، مما يعني بالضرورة جواز النظر لصور النساء العاريات مثلاً لأنها لا تحرك الشهوة؟؟ وهذا غير صحيح، بل يقع به الحرام والإثم حتى لو كانت مجرد صورة.

تقول: لماذا ينظر الشباب اليوم لصورة امرأة محجبة ومحتشمة، ويبحث في الصفحات المغمورة عن صورة صغيرة لبروفايل “محجبات”، وصور الجميلات من الفاسقات والفنانات وغيرهن تملأ الدنيا والشوارع والمواقع والصفحات؟؟

وأقول: هل كثرة صور المتبرجات والفاسقات مبرر لأن تضع النساء الملتزمات صورهم على صفحاتهن؟ّ وهل عموم البلوى وانتشارها يُجوّز ما كان محظوراً أو ممنوعاً سابقاً ويحوّله لحلال؟؟

تقول بالنسبة لي كمُتابعة أو مُتابعة فإني أفضل أن أعرف صاحب وصاحبة كل حساب ليطمئن قلبي، وكثيراً ما أخشي أن يكون رجلاً متستراً؟؟

وأقول: أستغرب من استدلال متخصصة في الفقه الإسلامي بهكذا حجّة ساذجة، فمن السهل جداً أن يتستر أحدهم من خلال وضع صورة امرأة على بروفايله، ويدعى أنه أنثى وهو ليس كذلك، فكيف لك أن تعرفي هوية الآخر الحقيقية؟؟ وعلماً أن هذه الصفحات كلها عامة ومتاحة للناس ولا خصوصية فيها “خاصة صفحتك”، فمن أي شيء تخافين وعلى أي شيء يطمئن قلبك؟؟

وتقول: والخلاصة أنه لا بد أن لوضع الصورة إيجابيات فعلام يستغربون؟ ولو لم يكن لها أي فائدة لما نشر الدعاة والمؤثرون صورهم ولما تباهو عن طريقها بإنجازاتهم.

وأقول: هنا هي تساوي بين الرجل والمرأة في وضع الصورة ولا ترى أي فرق مدعية أن العلماء لم يجوزوا الصورة قديماً لا للرجال ولا للنساء، وفي هذا خلل عظيم، بل أراه يمتد إلى الفكر النسوى الذي يريد أن يساوي بين المرأة والرجل تماماً، ولو كان كذلك لما أمر الله تعالى المرأة بالحجاب دون الرجل.

تقول: وفي كل حال “الضرورة” تقدرها كل امرأة بنفسها، فهي بالغة وعاقلة وراشدة وهي التي تقررر ولا يقرر عنها.

وأقول: هل كل النساء يعلمن الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح والأحكام الشرعية، وهل كل النساء على درجة واحدة من العلم والتقوى والمعرفة والآراء والاجتهادات وفقه الأولويات والضرورات والموازنات حتى تقرر كل واحدة ما تريده دون ضوابط شرعية وعُرفية.. إذن لوقعنا في محاذير لا تحصى ولا تعد!!

تقول: كما أن الصورة تعزز العلاقة بين البنات، وتسهل البحث عن الصديقات القديمات وتيسر التواصل والاطمئنان إلى كونها هي فعلاً ولا تتخفى، وأن حسابها غير مهكر.

وأقول: هذه كلها افتراضات ليست هي الغالبة، بل الغالب أنها نادرة، والقاعدة تقول “لا اعتبار للنادر”، فهذا الكلام مردود عليه.
تقول الصورة بالأصل للتعريف عن الشخصية مثل الاسم تماماً.

وأقول: كيف تساوى عندك الاسم المكتوب كتابة حروف بصورة الوجه الذي فيه كل الجمال وعوامل الجذب والميل؟؟

وتقول: “فإذا كان الرجل يدرك فتنة المرأة والنساء تعجز عن فهم هذه النقطة كما يقول الرجال، فإن المرأة تدرك فتنة الرجل لها، فلماذا يعجز الرجال عن فهم هذه النقطة”؟

وأقول: هي هنا أيضاً تريد المساواة في فتنة الرجال للنساء بفتنة النساء للرجال، وهذا غير دقيق.

فكم عدد النساء اللواتي يفتتن بالرجال بالنسبة للرجال الذين يفتتنون بالنساء؟؟

الفرق شاسع جداً لأن الفطرة هي التي تحكم وعوامل أخرى، وأكرر أن مقارنتها هنا من باب تسوية المرأة بالرجل تماماً، وهذا يشي بفكر نسوي بيّن.

وفي نهاية المقال تقر بجواز نشر المرأة صورتها على وسائل التواصل دون أن تذكر تفاصيل المسألة والموانع والدوافع والأسباب والاختلاف والترجيح!!

تقول: دعونا نتخيل ماذا سيحدث لو امتنعت كل النساء الملتزمات عن وضع صورهن؟؟ وتجاوب بالتأكيد ستمتلئ وسائل التواصل بصور الفاسقات والتعري، وسوف يتابعها بناتنا وصبياننا.

وأقول: هذه المحاججات ساذجة جداً ولا ترقى لأن يستدل بها متخصصة في الفقه، فسواء وضعت الملتزمات صورهن أو امتنعن فصور الفاسقات مليئة ومنتشرة ونشر الملتزمات لصورهن لن يغير في الواقع شيئاً، ولن يقلل من صور الفاسقات على وسائل التواصل.

تختتم مقالها بسؤال: ما قصتكم مع النساء؟؟ ولماذا تبدؤون دعواكم للإصلاح بتقييدهن وحبسهن… هل هي عقدة نفسية أم ثأر؟

وهذا السؤال يكشف منبع المشكلة عندها وهي نمط تفكيرها والاستعداء المُبطن للرجال ربما لمواقف أو تجارب قاسية عاشتها مع الرجل أو للآراء المتشددة التي ترااها أحياناً هنا وهناك، وهذا يظهر من خلال ردودها الموجهه لهذه الفئة المتشددة، وسبب تبنيها لمعالجة القضايا بمنهجية غير منضبطة، ومنهجية اندفاعية سببها رواسب ضد المتشددين من علماء الشريعة أو الذين ينتهجون منهجية صارمة في اعتماد الأحكام، لذلك جنوحها في الرأي ضد الرجال وتحيزها للنساء هو ردة فعل لجنوح آخر قد مورس على المرأة.

وأخيراً أقول التأصيل الفقهي عملية شاقة جداً وتحتاج الكثير من العلم والعقل والحكمة والتوازن والانضباط والنظر في فقه الواقع والسياق وفقه الأحكام وفقه التنزيل والتجرد مرات ومرات ومرات، وما تفتقر إليه الكاتبة في معظم ما تكتبه هو التّجرد، وأدعوها لأن تعالج المسائل بمعزل عن استعداء الرجل والنظر في المقاصد والمصالح العليا وعدم الانتصار للمرأة على حساب المجتمع، فالتوازن مطلوب والمعالجات بمنهجيات منضبطة من غير شطط أو جنوح أيضا مطلوبة.
والله من وراء القصد..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى