مقالاتمقالات المنتدى

في الرّد على عابدة المؤيد 2

(تعليم الزوج زوجته أمور دينها)

في الرّد على عابدة المؤيد 2

(تعليم الزوج زوجته أمور دينها)

 

بقلم رانية نصر “عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – عضو هيئة علماء فلسطين” (خاص بالمنتدى)

 

أعود مرة ثانية لمناقشة منهجية تفكير الأستاذة عابدة المؤيّد، الباحثة في الفقه وقضايا الأسرة وللرّد على ما تنشره عبر صفحاتها عبر وسائل التّواصل الاجتماعي من مسائل تختص بقضايا الأسرة والمرأة.

وكما ذكرت سابقاً ليس الهدف من هذه المقالات الهجوم على شخص الأستاذة عابدة المؤيد؛ بقدر ما هو بيان لبعض المُغالطات المنهجيّة التي وقعتْ فيها، والتي قد تؤثر سلباً على مجتمعنا الإسلامي، ولا أريد بذلك إلا النُّصح والإرشاد!

وأدعو كل مّن يريد أن يتصدّر قضايا المرأة والأسرة أن ينتهجَ أسلوباً موضوعيّاً ومُتّزناً في معالجة قضايا المرأة، وأن يتجنّب المُعالجات المُنتصِرة دائماً للمرأة على حساب المجتمع والزوج والأطفال، والنّظر برؤية شموليّة ومقاصديّة تراعي الأطراف كلها؛ لضمان سيرورة وسكينة العلاقة بين الرّجل والمرأة وهدوء البيت المسلم، والإبقاء على الصّفاء أصلاً بينهما؛ فهم يُشكّلان منظومة وُدّ تكاملية لبناء مجتمعٍ صحيح خالٍ من المشاحنات والمُماحكات القائمة على نظرية المُحاصصة الحقوقيّة والنّديّة التنافسيّة (حقي وحقك)!! وكأننا في مؤسسة تجارية ربحيّة لا مؤسسة شراكة زوجية يغمرها الحُب والحنان والعطف والتّجاوز والإحسان!

استنكرَتْ الأستاذة عابدة المُؤيد عند مراجعتها لبعض الكتب الفقهيّة المعاصرة التي طبعتها جهات موثوقة ومعروفة -على حدّ تعبيرها- والتي تتكلم عن فقه حقوق الزّوجة؛ استنكرتْ قول الفقهاء بوجوب تعليم الزوج المرأة دينها وما يجوز وما لا يجوز وأحكام العبادات!!

مُعقّبة: “وكيف كانت تصلي قبل زواجها إذا كانت جاهلةً بالأحكام؟ يعني عشر سنوات أو أكثر قضتها قبل الزواج وهي لا تصلي!! أم تصلي غلط؟! وهل تعيد الصلوات كلها؟! وهل يعلم الزوج بأحكام الحيض أكثر منها؟!

وتُتابع مُتهَكّمة؛ “يعلمُها كيف تؤمن بالله”؛ فهل كانت خارج الدّين؟ هل المرأة تكون قد تزوجت؟! أم انتسبت لمعهد شرعي؟! وهل كل زوج يملك المعلومة الصحيحة؟ فهذا الكلام يردده كل من يتكلم عن حقوق الزوجة”.

وكذلك تستنكر قولهم: “يعلمها مكارم الأخلاق، ويراقبها كل الوقت”، وتُعقّب: “هل هذا حق؟ أم واجب عليها تجاه ربها؟! وماذا فعل أهلها؟ وإذا كانوا قد قصروا في تربية مكارم الأخلاق لديها؛ فكيف خطبها وتزوجها وهي ليست كما ينبغي؟!  وكيف يراقبها كل الوقت وهو في عمله؟! وهكذا ستعبد الله أم تسترضي زوجها؟! هذا ما يقال في حقوق الزوجة، ولعل السبب هو الاعتقاد الذي يكرره بعض الدعاة بأن “المرأة ضعيفة العقل فتحتاج لوصاية في كل أمر”.

وتضيف؛ “وهو باعتقادي سبب المشكلة، وهو بالضبط ما نتمنى الكف عن ترديده محافظة على مكانة الأم والزوجة والأخت، واتباعاً لما اتفق عليه الفقهاء من أن المرأة تامة الأهلية وهي شخصية حقوقية كاملة، وزوجة ومربية للأجيال”، وتُعقّب: “افتراض جهل الزوجة بالأساسيات، وبمقومات الدّين، وجعل الزوج أستاذاً للدّين، وقد لا يكون مختصاً ولا فاهماً”! إلى هنا انتهى كلامها.

وأردُّ بالآتي:

أولاً: عند النظر في القضايا الفقهية المُعاصرة؛ يُراعَى ألا يُؤخذ الحكم الفقهي الاجتهادي مُجرّداً مِن الكُتب الفقهية القديمة وإسقاطها على الواقع، فالمُجتهد والفقيه والعَالِم الحقيقي يراعِي النّظر في الواقع وعُرف المجتمع والبلد الذي يعيش فيه المُستَفتِي، والنّظر في إمكانية تنزيل هذا الحكم الاجتهادي على الواقع، فالحُكم المبني على عُرف كان مُعتبراً في زمن ما قد يتبدل بتبدّله حسب مصالح العِباد مع مراعاة شُروط العُرف المُعتبرة شرعاً.

فما أدرانا أن هذا الحُكم بُنِي في زمن كان العُرف المعمول به سابقاً هو تزويج الصغيرات في سّن مُبكّرة، -وهذا كان معمولٌ به في المجتمعات كلها الإسلامية وغيرها-، وهو عُرف ذاك الزّمن؛ فتنتقل الفتاة صغيرة إلى بيت زوجها فلا تكون قد بلغت السّن التي تدرك فيها طريقة تأدية العبادات؟!! فلا بد من النظر في العُرف والواقع والسياق والزمان والمكان في ابتناء الأحكام.

ثانياً: التحفظ على مسألة تعليم الزوج الزوجة مكارم الأخلاق، فتقول كيف تزوجها إذن وهو يعلم خلوها من مكارم الأخلاق، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل كل من يتزوج يتزوج على مبدأ الدين ومكارم الأخلاق؟! إن رسولنا الحبيب أقر بأن دوافع الزواج من المرأة عديدة منها؛ المال والجمال والنسب والدين ..الخ، وحثّ الرجال على الظفر بصاحبة الدّين على الاستحباب لا على الوجوب بحيث من يمتنع لا يؤثم، فلماذا تفترض أن كل الرجال يتزوجون على مبدأ توفر مكارم الأخلاق في الزوجة؟!!! فضلاً عن أن المرأة قد تتظاهر بالأخلاق لأجل الزواج فيتبين العكس بعد الزواج، مما يستدعي الرجل أن يعلمها، وهذا لا يعني بالضرورة عدم تصدر المرأة مهمة تعليم الزوج حال تبدلت الأدوار!

ثالثاً: أن عُرف الأزمان السابقة -قبل التطور الصناعي والتكنولوجي- كان مبنياً على جلوس المرأة في البيت لقلة الأماكن التي تحتاج لعمل المرأة، وأنّ الرجل هو الذي يخرج للعمل والاحتكاك والتعامل الواسع مع الناس؛ فيتمكّن من المعرفة والمعلومات أكثر منها، خاصة أن ذهابه إلى المسجد مدعاة لأن يكون أكثر درايةً منها في أحكام العبادات!

رابعاً: ادّعاء أنّ هذا الحكم موجود في الكتب المُعاصرة، دون التّطرّق لذكر أسماء الكتب والفقهاء التي ذكرت هذه الآراء، وكذلك اجتزاء الآراء وتصديرها على أنها الرأي الوحيد يُشكّك في المصداقية والنّزاهة، وفيه جور على عُلماء الشريعة لأنه يوهم بظلمهم للمرأة، وهي مشكلة منهجية تتكرر معها بشكل مستمر في معالجة قضايا المرأة!!

خامساً: أما في مسألة الوصاية على المرأة واعتبار الرجل أستاذا في الدين عليها؛ أنقل هنا ما جاء في شبكة إسلام ويب -وهو مصدر معاصر معتمِد على مصدر قديم-: وإذا كانت المرأة تحت زوج فإن زوجها مأمورٌ بتعليمها، وتعليم مَن تحت مسؤوليته من الأولاد، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا” {التحريم:6}، قال علي رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم، فالله سبحانه وتعالى يأمر الناس بأن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله، فالرجل مسؤول عن أسرته وزوجته وأبنائه -إذا كان هو أعلم منها في أمر الدّين وإلا فهي المسؤولة عن تعليم الأسرة مسائل الدين-، والزوجة مسؤولة عن أبنائها وهكذا، وهذا التسلسل التّراتبي والتنظيم العالي الدقة يحقق ويضمن أداء الوظائف على وجهها الأكمل، فالمدير له مهام معينة وكذلك الموظف وإذا تعارضت هذه المهام ستقع الفوضى بما يعطل الإنجاز والنجاح والاستمرارية ومثلها المؤسسة الأسرية.

جاء في موقع إسلام ويب “فإن كان عند الزوج هذا العلم وجب عليه أن يعلمها إياه، وإلّا مكّنها من التعلم سواء من داخل بيتها، أو بالخروج إليه، ولذلك أجاز الفقهاء للمرأة الخروج بغير إذن زوجها إن احتاجت لعلم لم تجده عنده”، وفي هذا الدليل تأكيد على أن الفقهاء لم يقصروا أو يحصروا العلم في الرجل دون المرأة وأنه وصي عليها؛ إنما قالوا لو لم تجد عنده العلم فعليها الخروج لتحصيلة؛ أما الطريقة التي عرضت فيها رأي الفقهاء توهم “بذكورية الفقهاء” وفي هذا تدليس على الناس.

ويقول الشربيني -الشافعي- في الإقناع: “والنّشوز يحصل بخروجها من منزل زوجها بغير إذنه إلا إلى القاضي لطلب الحق منه، ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج، ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفتِ لها”.

وهذا كلام الفقهاء سابقاً، وقد نقله علماء الفقه المُعاصرون، فلماذا يتم اخفاء الوجه الثاني من الحقيقة؟!! وما الهدف من ذلك؟؟! ولماذا يُراد تشويه فُقهائنا وإبرازهم بصورة وكأن لهم أنياباً تريد افتراس المرأة؟!

سادساً: مشكلة التّعميم في معالجتها للمسائل، حيث لا يتم ذكر أسماء الفقهاء وهذا فيه عدم دقة وإحكام.

وأخيراً أقول إن العالم إذا خلا من الدقة العلمية والمنهجية الفقهية قد يقع ويوقع الناس في مغالطات كبيرة، فعليه تحرّي الدقة والحرص على معالجة القضايا بتوازن وموضوعية وأمانة وتجرّد، والنظر في المقاصد ومآل الأقوال والأفعال، وتقديم الأولى فالأولى خاصة في قضايا الأسرة والمرأة بما يمكّن هذه الأسر من مواجهة التّحديات المعاصرة المُحدقة بالمجتمع الإسلامي خاصة فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة؛ اللبنة الأساسية في صلاح الأبناء والمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى