إعداد باسل درويش
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أعده مراسل خاص حول “حرب الشعب على الإرهاب”، التي بدأت في الصين منذ عام 2014، حيث قام الحزب الشيوعي بإنشاء شبكة غير مسبوقة من مخيمات الأعمال الشاقة في أقليم شينجانغ “تركستان الشرقية”.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21” إلى أنه على عكس حملات “الضربة القوية” الجراحية، التي استخدمت في الماضي القريب، فإن حرب الشعب تستخدم سياسة القصف العنقودي في هذه المنطقة الحدودية الغربية المضطربة.
وتذكر المجلة أن سكرتير الحزب الشيوعي في الإقليم ومهندس هذا البرنامج الأمني تشين تشوانغو، يشجع قواته على أن “يدفنوا جثامين الإرهابيين في بحر حرب الشعب الكبير”، لكن محاولة إغراق عدد صغير من المقاتلين طال آلاف الأبرياء.
ويلفت التقرير إلى أن العنف بدأ في المنطقة في 5 تموز/ يوليو 2009، عندما احتج الأويغور (الأقلية المسلمة التي تقطن الإقليم) في الشوارع؛ بسبب مقتل عدد من الأويغور في مدينة شاوغوان في جنوب الصين، وتطورت المظاهرات إلى شغب، أدى إلى مقتل 197 شخصا، وجرح 2000 آخرين، وأصبحت الاشتباكات بين الأويغور والأمن حدثا متكررا.
وتبين المجلة أنه وسط هذا الصراع الطويل، وتنامي الإسلاموفوبيا في الصين، فإن مسؤولي الحزب الشيوعي قاموا بإقامة دولة رقابة، حيث تم الإعلان عن 100 ألف وظيفة شاغرة في الأمن في شينجانغ، وأعطي كل مواطن في الإقليم وسما، إما “آمن” أو “عادي” أو “غير آمن” بناء على بيانات، مثل العمر والدين والتدين والاتصالات الخارجية، وأولئك الذين يصنفون على آنهم “غير آمنين” يعتقلون، أو يزج بهم في السجون دون محاكمة.
ويكشف التقرير عن أن هناك حوالي 800 ألف معتقل، جلهم من الأويغور، مسجونون في مخيمات إعادة تعليم، حيث أنه بناء على عدد السكان، البالغ عددهم 11 مليونا، فإن نسبة المسجونين تصل إلى 10%.
وتقول المجلة إن “إيمان” شاب من عائلة تنتمي للطبقة المتوسطة من الأويغور، ذهب للدراسة في أمريكا قبل عدة سنوات، وعاد في صيف 2017 إلى الصين؛ لقضاء عطلة الصيف، وأراد أن يقضي وقتا مع أصدقائه في الساحل الشرقي للصين قبل الذهاب إلى شينجانغ ليرى أمه، وبينما كان لا يزال جالسا في الطائرة رابطا حزامه لدى وصولها إلى الصين، جاءته إحدى المضيفات، وقالت له: “إنهم يسألون عنك.. ربما يتعلق الأمر بالتأشيرة”، إلا أن كلماتها لم تكن مريحة، فهو يحمل جواز سفر صينيا.
وينوه التقرير إلى أنه كان هناك ضباط شرطة من إثنية الهان (الأكثرية في الصين) ينتظرونه عند باب الطائرة، فاعتقلوه وقاموا بتفتيشه تفتيشا جسديا يصل إلى فتحات الجسم، ثم فتشوا أجهزته الإلكترونية، ويتذكر “إيمان” أنه قام بحذف الملفات المهمة عن الحاسوب قبل السفر، وعندما لم يجد ضباط الشرطة ما يدينه، وجه له عناصرها أسئلتهم بغضب، قائلين: “ماذا تفعل في شمال أمريكا؟ وأين تدرس؟ ووجدنا بطاقات لأساتذة صينيين، أنت تعرف العديد من الشخصيات المهمة.. أليس كذلك؟”.
وبحسب المجلة، فإن “إيمان” كان معتادا على تحقيقات المطار، وتعرض لذلك في العام السابق، مستدركة بأن هذه المرة تغير البروتوكول، وكانت المعاملة أكثر خشونة، وكان التفتيش أكثر دقة، ويقول “إيمان” إنه عرف أن الأمر خطير عندما قاموا بتفتيش حذائه.
ويذكر التقرير أن ضابط آخر جاء ليقول له إنه سيؤخذ إلى معتقل محلي، وعندما طالب بمعرفة السبب، أو توجيه تهمة له، رفضوا، وطالب أن يتصل بأمه ليقول لها إنه وصل بالسلامة، إلا أنهم رفضوا، وطلب منهم أن يتصلوا هم بها، لكنهم رفضوا أيضا.
وتشير المجلة إلى أنه تم احتجاز “إيمان” تسعة أيام، حتى قام أمن الحدود بالاتصال بالأمن المحلي في بلده في شينجانغ، حيث كان هو الأويغوري الوحيد في غرفة فيها 34 محتجزا، وفي اليوم التاسع وصل رجال الأمن من شينجانغ، وقيدوا يديه أثناء نقله إلى محطة القطار، فسألهم إن كان ذلك ضروريا، فطلبوا منه ألا يوجه أسئلة، وقالوا إنهم يتعاملون معه بلطف، فيجب أن يكبلوا رجليه أيضا، لافتة إلى أن الضباط الثلاثة كانوا من بلدة “إيمان”، لكنهم من إثنية الهان، وأخذوه إلى القطار المتجه لشينجانغ, واستخدموا كابينة معدنية مخصصة لرجال الأمن، قضوا فيها الخمسين ساعة القادمة، وذلك بعد أن سألوه إن كان وصله تعميم من شرطة بلده، يطلب فيه العودة قبل تاريخ 20 أيار/ مايو 2017، فقال لهم إنه لم يصله شيء، وأعطاه أحدهم كيسا من الخبز، وقال له: “كان العثور على طعام حلال في هذه المدينة أصعب مما نتوقع، وهذا كل ما استطعنا الحصول عليه، ويجب أن يكفيك حتى نصل إلى شينجانغ”.
ويفيد التقرير بأن يدي “إيمان” بقيتا مكبلتين طيلة الرحلة، ولم يسمح له بمغادرة الكابينة إلا لقضاء الحاجة ومعه أحد الضباط، ويقول إنه حاول أن يقرأ معظم الوقت؛ لعل الضباط يشعرون أن هذا هو اهتمامه، وأنه لا يشكل خطرا، مشيرا إلى أنهم غادروا القطار في طورفان في شرق شينجانغ، وصرخ أحد الضباط مناولا إياه كيسا، وقال له: “ضع هذا على رأسك”، وأخذوه إلى سيارة، وركبوا فيها ليذهبوا إلى بلدة “إيمان”، وبدأ يشعر بالغثيان؛ بسبب الكيس الذي على رأسه، وبسبب الهواء الراكد في السيارة، فوافق الضباط على إزالة الكيس، فخفف ذلك من حالته، وبدأ بالحديث مع الضباط، الذين كان مسؤولهم زميله في الفصل أيام المدرسة، وتحدثا عن أيام المدرسة.
وتذكر المجلة أنهم وصلوا إلى محطة الشرطة، حيث تناول “إيمان” أول وجبة حقيقية منذ أن وصل إلى الصين، وهي عبارة عن نودل مخلوط بالخضار، لكن ذلك لم يمنع من إصابة “إيمان” بنوبة خوف، حيث شعر بالدوار وتصبب عرقه، ويقول: “تسبب عدم ارتياحي بالضحك دون سيطرة، والشعور بأني سأفقد الوعي”.
وبحسب التقرير، فإن الخوف زاد عند أخذه لمركز الاحتجاز، وكان “المجمع محاطا بجدران عالية، ويحرس البوابة الحديدية عساكر، وفي الداخل كان هناك القليل من الضوء، فكانت معتمة جدا”.
وتقول المجلة إن إجراءات إدخاله المعتقل تمت بسرعة، حيث قام ضابط بتصويره وأخذ وزنه وقياس طوله، ثم طلب منه خلع ملابسه إلا الملابس الداخلية، وتم حلق رأسه، ثم فرزه إلى غرفة فيها 19 أويغوريا آخرين، مشيرة إلى أنه لدى دخوله المكان، الذي كان مضاءا بمصباح كهربائي، قام حارس بإعطائه قميصا أصفر، وقام أحد السجناء بعرض بنطلون قصير على الشاب، وبدأ “إيمان” ينظر إلى الغرفة فوجد فيها مرحاضا واحدا وحنفية واحدة، ومنصة واحدة ينام عليها المساجين جميعهم، كما أعطي صحنا معدنيا وملعقة.
ويلفت التقرير إلى أن المعتقلين يفيقون في الساعة الخامسة صباحا، ويمنحون 20 دقيقة للغسل، لكن العسكر يعطوهم ثلاثة حافظات ماء حار فقط في اليوم، فعلى المعتقلين التنافس على الماء الحار، ويقول إيمان إنه لم يستحم بشكل جيد لمدة أسبوع، ثم كان عليهم أن يقوموا بترتيب الفراش، وكان الحرس يفتشون بعدهم، ويجب أن تكون البطانيتان اللتان تغطيان المنصة كاملة دون أي انثناء فيها، وتكون الزوايا مرتبة، منوها إلى أن المعتقلين يتناولون الفطور الساعة السادسة صباحا، وهو الطعام ذاته، وهو خبز مبخر، حيث يقول “إيمان” إن المعتقلين يقومون بالتدريب داخل زنازينهم، ويتدربون عدة ساعات، ثم يحضرون أفلام فيديو حتى وقت الغداء.
وتنقل المجلة عن “إيمان”، قوله إن الفيديو هو عبارة عن نصائح يوجهها إمام معين من الدولة، يعلم الممارسات الدينية، والتفسير المناسب للإسلام، وتحتوي الفيديوهات أحيانا على قصص تحذر من الوقوع في أنشطة دينية غير قانونية، وكانت واحدة من هذه القصص عن شاب تم اعتقاله بسبب دراسته القرآن في مدرسة سرية، وهو ما تحاول السلطات القضاء عليه.
ويذكر التقرير أنه في وقت الغداء يقدم لهم الخبز المبخر وشوربة الخضراوات، دون خضراوات، ويسمح لهم بعد الغداء بالاستراحة، بأن يجلسوا على المنصة دون الاستلقاء، فذلك غير مسموح، ثم المزيد من التدريب والفيديو والعشاء، الذي هو تكرار للغداء، ثم يسمح لهم بالنوم الساعة الثامنة بتوقيت بكين، مستدركا بأنه مع أن هناك فرقا في الوقت بين بكين وشينجانغ مدة ساعتين، إلا أن الحكومة تفرض الوقت ذاته في أنحاء البلاد جميعها.
وتورد المجلة نقلا عن “إيمان”، قوله إنه شعر أنه وحيد في زنزانته المكتظة، وكان الحديث مع الآخرين يصيبه بالإحباط، فكان يتجنبه، مشيرا إلى أن معظم من كان معه في الزنزانة قضوا أكثر من شهرين دون توجيه تهمة رسمية لهم، ويقول إنه صادق رجلا في الستينيات من عمره، وخلال فترة اعتقاله حكم على هذا الرجل بالسجن 6 سنوات، وجريمته هو أنه أرسل لابنته نصيحة دينية فيها تفسير لبعض آيات القرآن على هاتفها، وشاركتها مع صديقاتها، ولم تكن شيئا قد كتبه شيخ معين من الحكومة، فوجهت إليه تهمة امتلاك مواد دينية متطرفة وتوزيعها.
ويوضح التقرير أنه بعد أن سجن “إيمان” لمدة 17 يوما، فإن حارسا نادى عليه، وأعطاه ملابسه التي كان يلبسها حين وصل إلى مركز الاعتقال، حيث جاءت مجموعة رقابة محلية قامت بأخذه من مركز الاعتقال لأخذه إلى بلده، لكن بعد المرور على مركز الشرطة ثانية، حيث تم توجيه التحذير إليه من ارتكاب أي خطأ، فإن كان هو في أمريكا الشمالية فإن أهله لا يزالون هناك.
وتبين المجلة أنه بعد ثلاثين يوما من وصوله إلى الصين، خرج “إيمان” من السجن، لكن بقي خلف قضبان إلكترونية، فبطاقته الشخصية، التي يتم مسحها على كل نقطة أمن، تحمل الآن تاريخه “الإجرامي” في كل خطوة يخطوها في بلده، حيث سيمنع من الأماكن العامة، أو ركوب المواصلات العامة، أو حتى ارتياد مراكز التسوق.
وبحسب التقرير، فإن السماح له بالمغادرة ثانية إلى أمريكا مع دخول وقت الدراسة فاجأه، ويقول إن هناك احتمالين؛ الأول أنهم وجدوه لا يشكل تهديدا فهو لم يفعل شيئا، والتفسير الآخر هو أن له قريبا بعيدا يعمل في الأمن، وقد يكون فاوض على خروجه من السجن والعودة إلى الدراسة.
وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالقول: “مع أنه حر، إلا أنه يخشى من الاتصال بأمه، أو إرسال بريد إلكتروني لها، خاصة أنها دخلت مركز إعادة تعليم في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ بسبب سفرها إلى تركيا، فالاتصال بالأقارب في الخارج يعاقب عليه بالتحقيق والاعتقال”.
(المصدر: تركستان تايمز)