بقلم فتحي أبو الورد – بوابة الشرق.
اعتاد البعض أن يتخذ من النقائص منهجا عاما ويلصقها بالإسلام وفقهائه، ويجيد الاصطياد في الماء العكر، ومثله في ذلك مثل مفتشي القمامة لا تقع أعينهم إلا على القاذورات؛ فلا تقع عينه في تراثنا الفقهي إلا على بعض الآراء التي يمكن أن تكون زلة لمن قال بها من الفقهاء، أو فهم خاص به، ويتخذ من ذلك حجة ودليلا دامغا على أن الفقهاء كانوا يكدرون السلم الأهلي، ويعمقون الطائفية، ويهدمون في جدار المجتمع.
قال بعض الموتورين: إن بعض الفقهاء لا يجيزون القصاص من المسلم إذا قتل ذمِّيَّا. وهذا وإن قال به بعض الفقهاء قديما بناء على فهمه لبعض النصوص، فهو فهم له في تفسير النص لا يلزمنا في شيء، ولكن هذا البعض يتجاهل عمدا رأي كثير من الفقهاء أيضا الذين أوجبوا القصاص بين المسلم والذمي في القتل العمد، في وضع كان العالم فيه أشبه بتكتلات منعزلة، لا يلزم أي تكتل ميثاق أو قانون عام.
وإن أبلغ رد على من يدعي أن فقهاء المسلمين لا يقيمون لدم الذمي وزنا هو حكم أبي يوسف قاضي القضاة في الدولة العباسية، على مسلم بالقتل لأنه قتل ذميا عمدا. وهذا الحكم صدر عنهم وطبقوه في وقت كانت للمسلمين اليد الطولى في العالم، وسلطانهم ممتد عبر القارات، وقوتهم كانت كفيلة بأن تقتص للمسلم من غير المسلم في أي بقعة من العالم، حتى لا يقال إن هذا رأي يوافق حالة الضعف التي يحياها المسلمون اليوم.
وقد ذهب إلى القول برأي الأحناف عدد كبير من المعاصرين ورأوا أن المسلم يُقاد منه بالذمي، منهم الشيخ محمد أبوزهرة، والشيخ محمود شلتوت، والأستاذ عبدالقادر عودة، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور القرضاوي، والمستشار علي منصور.
وعمدة أدلة المانعين من القصاص حديث البخارى: “لا يقتل مسلم بكافر”، فعمموا الحكم على أي كافر.
أما الأحناف ومن وافقهم فقد حملوا النص على الكافر الحربي فقط، ورأوا أن آيات القرآن الكريم في نحو قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، جاءت هذه الآيات عامة، من غير فصل بين قتيل وقتيل، ونفس ونفس، ومظلوم ومظلوم، فمن ادعى التخصيص والتقييد فعليه بالدليل.