مقالاتمقالات مختارة

فقه الحوار المنتصر والحوار المنكسر

بقلم د. جمال عناق (كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية – جامعة تبسة)

يعتقد البعض على ان الحوار المنتصر هو ذلك الذي يضمن لصاحبه الريادة والسيادة على الجماعة المصغية، وان استلزم هذا الاقناع استخدام وسائل القوة: المال ،الاعلام والسلاح الذي نتيجته استبداد واستكبار ثم استعباد، وبذلك تنكسر شهوة الاصغاء ولذته وتتسرب الى القلب مدارك وأحاسيس الخوف وسطوته ثم لا يزال الخضوع والسكون يتغلغل في الجماعة حتى تغيب كل مقاصد الخير والحرية وتضيع في مسالك التيه والضياع.
ان هكذا نموذج تكرر ويتكرر كثيرا على مسرح الحياة، ويبلغ الصراع فيه بين المتحاورين المسالمين على قلتهم وبين من يملكون لحوار العنف والتشدد على كثرتهم، الى حد قد يبلغ فيه الامر الى قطع اداة الحوار وهي اللسان هذه الاداة بالرغم من سلبيتها كخلفية للكره والظلم لكنها احيانا هي اداة خيرة و وسيلة وترجمان القلب لما يكتنزه من حب وسلام.
وبالرغم من تعدد وسائط التثاقف والحوار كالتجارة والدين واللغة عبر مر التاريخ، الذي انكب على بنائه دعاة الحوار والسلام لبنة لبنة. إلا أننا نجد في الاخير هناك من حاول هدم اسس البناء الحضاري، باستخدام العنف الذي قد يتطور احيانا كثيرة الى استخدام سياسة الإقصاء وقد يتطور -وقد حدث- الى استخدام القوة والسلاح جزافا.
هذا هو نموذج الحوار المنكسر الذي شنَعه القران الكريم واستحسن وثمن الحوار الراشد في حوار إبراهيم مع النمرود وحوار موسى مع فرعون و….انتصارا لثقافة الحوار و السلم، ولتنكسر لغة الحوار المستبد المفروض على الجماعة.
ان نماذج الصراع والتصادم تجلى مثاله في مدينتين يونانيتين هما اثينا واسبرطة كلنا يعلم ان اسبرطة انتصرت على اثينا باستخدام سياسة القوة، و اللاحوار لكن في الاخير من حفظ له التاريخ كل المآثر والخلد؟. اليست حكمة أثينا. !!
يتكرر نموذج اخر في جزيرة العرب بين الحلف الظالم الذي قادته قريش، والذين يمتلكون القوة الصماء مع القلة المؤمنة في المدينة المنورة، بقيادة الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الذي آثر سياسة اللين على سياسة الاكراه في نموذج رائع قدمه قدوتنا صلى الله عليه وسلم عندما بدأ في إملاء شروط الصلح على الصحابي علي بن أبي طالب ، كاتب الصحيفة ، فاعترض سهيل بن عمرو مبعوث قريش على كتابة كلمة {الرحمن} في البسملة ، وأراد بدلاً عنها أن يكتب{باسمك اللهم} ، لأنها عبارة الجاهليين ، ورفض المسلمون ذلك ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وافق على اعتراض سهيل. ثم اعترض سهيل على عبارة {محمد رسول الله} ، وأراد بدلاً عنها عبارة : { محمد بن عبد الله} ، فوافقه أيضاً على هذا الاعتراض حيث آثر أن يمسح من صحيفة صلح الحديبية رسم {رسول الله} و أبقى على اسمه {محمد} لتغليب اداة الحوار.
قد تختزل ايضا بعض النماذج الراقية التي كانت اداتها و أسلوبها حوار الاقناع كنموذج رائع كتبه التاريخ بماء الذهب كمثال لمن يمتلك وسيلة الحوار المقنع لكنه ضعيف ومن يمتلك السلطة لكن عنده قابلية الإصغاء وخلد التاريخ كلماته ب{أصابت امرأة وأخطأ عمر}.
اننا نرى هكذا نماذج يعيد فيها التاريخ نفسه لكن بمسميات وظروف مختلفة لما يتم التحامل على مجتمعات مسالمة تكالبت عليها الامم التي تدعي الديمقراطية وحقوق الانسان من كل جانب و إتخذت شرعية القوة وتزييف التاريخ وسيلة وغاية لها لتحقيق أهدافها في ظل مرحلة خطيرة استنزفت فيها خيرات كل الامة حتى لم يبق لنا إلا شرعية الدين والتاريخ المرتبط بمقدساتنا فحاولوا الان فك رباطه لتضيع معاني القدسية وذاكرتنا الجماعية من أنفسنا للابد إننا أصبحنا للاسف نتكلم لكن دون فصحى ونسمع دون فهم نمشي دون قصد حياة لا موت فيها وموت لا حياة فيه اننا لسنا نحن فحوارنا منكسر وحوارهم منتصر.

(المصدر: شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى