اسم الكتاب: فقه التخطيط المستقبلي في السنة النبوية.
اسم المؤلف: محمد البنعيادي.
عدد الصفحات: 141 صفحة.
الناشر: دار السلام بمصر.
نبذة عن الكتاب:
تحفل السيرة النبوية بكلِّ ما فيها من أحداث ومواقف، بدروسٍ حياتية لخَّصت كل مجالات الإدارة الإسلامية في:
التخطيط والتنظيم، واستشراف المستقبل؛ بحيث أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وللأجيال القادمة من المسلمين المتأسِّين بسنته أُنْمُوذجًا حيًّا لكيفية رصد الحاضر الذي عايشه صلى الله عليه وسلم وأصحابه طوال فترة الرسالة النبوية وما بعدها، وكيفية تفعيله وبَلْوَرته على أرض الواقع المُعَاش؛ لصنع المستقبل بوعيٍ، وتخطيط، ومنهجية، “معتمِدًا على جانب المَعية والتوفيق الإلهيين”، بدون تنظير، أو تقعير، أو تجاهل للظروف المحيطة كما هو حال المسلمين اليوم.
صدر عن دار السلام للدكتور: “محمد البنعيادي” كتاب: “التخطيط المستقبلي في السنة النبوية” يرصد أهم أوجه ملامح “الاستبصار المستقبلي” في السنة النبوية الشريفة، والكشف عن سنن الله في البناء الحضاري، ويرى الكاتب أن “هذا الأمر لم يوفَّ قدره من العناية والاهتمام، ولم يُعْطَ حقَّه من البحث والدراسة، والتأمل في القديم والحديث، فكان ما كتبه العلماء والدارسون في ذلك قليلاً، مما يستوجب الاجتهاد في بيان السنن الإلهية والكشف عن معانيها وحقائقها، وإخراجها للناس: علمًا، وفقهًا، وعملاً، ومن ذلك فقه التخطيط واستبصار المستقبل، انطلاقًا من فقه السنن الإلهية في القرآن الكريم، ومن ثَمَّ السنة النبوية”؛ صـ123، 124.
ويؤكِّد الكاتب أن ما وضعه في كتابه من “مسوَّدة أولية” لاستشراف هذا الجانب في أصداء السيرة النبوية، هو:
“محاولة متواضعة لإبصار بعض الملامح الغائبة في دراسة السيرة.
فهي تفتح نافذة، وتحرك العقل المسلم تُجَاه بعض الأبعاد المطلوبة لمواقع الاقتداء والتأسي، وخاصة رصد الحس الاستشرافي المستقبلي، المبني على التخطيط المنظَّم والاستبصار الواعي”؛ صـ128، 129.
والكاتب هو: الدكتور محمد البنعيادي من مواليد المغرب، حاصل على شهادة الدكتوراه في مشاريع النهوض في الفكر الإسلامي المعاصر عام 2008.
وحاز أيضًا على شهادة دكتوراه ثانية في موضوع: “فقه التواصل الحضاري من خلال المتن السفاري المغربي” عام 2009.
يشغل حاليًّا منصب أستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة.
وأستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس.
صدرت له العديد من المؤلفات والدراسات البحثية من أهمها: في قضايا الإصلاح والنهوض الحضاري:
الاختيار الثقافي في البناء السياسي (2003).
أسئلة الفكر والمنهج، والفعالية في تراث ابن نبي (2005).
نحو فقه للاستغراب (2009).
أحاديث الرشد الحضاري (2009).
أسلمة المعرفة: نحو صياغة متجددة لدعوات الإصلاح الإسلامي.
فقه صناعة المستقبل “دراسة في مفهوم الزمن وشروط الشهادة المستقبلية”، وغيرها.
تقسيم الكتاب:
يضمُّ الكتاب ثلاثة فصول مختصرة إجمالية، وخاتمة، تناول فيها الكاتب موضوعات:
مدخل لتعريف معنى التخطيط المستقبلي.
صناعة المستقبل في الإسلام “من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية”.
أهم ملامح استشراف المستقبل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أثناء إنشاء الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة.
أما الخاتمة فقد لخَّص فيها الكاتب النتائج والتوصيات التي خرج منها في بحثه، حيث يرى ضرورة أن يهتم المسلمون بفقه السنن الكونية، ومقاربة “فقه التخطيط النبوي المستقبلي”؛ المنثورة دروسه في العديد من كتب السير والمغازي والشمائل التي حفل بها تراثنا الإسلامي.
وقد ضمَّ كل فصل عدة مباحث تفصيلية تحت عنوان الفصل الواحد، وقدَّم للكتاب د. محمد بن عبدالوهاب أبياط بكلمة تشريفية.
وجاءت عناوين فصول الكتاب على النحو التالي:
الفصل الأول: مداخل ومقاربات مفهومية:
المبحث الأول: مقاربة لمفهوم التخطيط وعناصره ومراحله.
المبحث الثاني: في مفهومي السنة والسيرة.
المبحث الثالث: نحو قراءة رسالية للسيرة والسنة.
خاتمة الفصل.
الفصل الثاني: في مفهوم الزمن وصناعة المستقبل رؤية حضارية:
المبحث الأول: لمحة عن حضور “صناعة المستقبل” في الرؤية القرآنية والممارسة النبوية.
المبحث الثاني: في الصحيح القرآني والنبوي لمفهوم التوكل والخوف من المستقبل.
الفصل الثالث: منهج التخطيط النبوي المستقبلي من خلال السنة النبوية:
تمهيد.
المبحث الأول: منهج التخطيط في الدعوة النبوية.
المبحث الثاني: توجيه العملية الإصلاحية المستشرفة من صميم التخطيط النبوي الراشد.
المبحث الثالث: أثر التخطيط النبوي في بناء المجتمع الإسلامي الأول.
خلاصة: في بعض نتائج البحث وتوصياته.
ملاحظات على الكتاب:
- يقع الكتاب في 140 صفحة من القطع الصغير، حَرَص المؤلف أن يكون كتابه عبارة عن “رؤوس أقلام” تحمل عدة عناوين، تتضمن أهم جوانب استشراف المستقبل، وصناعة الغد من خلال فقه السيرة النبوية.
وبذلك يكون المؤلف قد وضع اللَّبِنَة الأساسية في بحث “التخطيط المستقبلي” من خلال السيرة النبوية؛ حيث يمكن لكل عنوان من عناوين البحث أن يكون موضوع أُطْرُوحة استقصائية منفصلة، تتناول هذا العنوان بالرصد والتحليل، وضرب الأمثلة، واستخلاص الدروس والفوائد.
- يرى الكاتب أن هذا الجانب من البحوث الدراسية حول موضوع الكتاب، يكاد يكون معدومًا في جُلِّ مؤلفات شُرَّاح كتب السنة النبوية؛ لأن الحاجة إليه لم تكن ملحَّة مثل أوقاتنا الحاضرة؛ حيث استغنوا – وقتها – عن التنظير له بالعمل، فقد “كانوا يصنعون حياتهم – آنئذٍ – وَفْق سنن الله، فكأنهم استغنوا بالعمل عن القول في هذا المجال”؛ صـ 123.
أما اليوم، فالأمة أحوج ما تكون لاستعمال معطيات الحاضر والماضي؛ لاستشرافٍ واعٍ للمستقبل، والتنبؤ باتجاهاته المختلفة، وهو ما يتَّضح في عنصر “التخطيط” الذي هو أحد أهم ركائز “صناعة الغد”، مع مراعاة: الشمولية، والواقعية، والاستمرارية، والتكامل مع حاجات المجتمع الإسلامي الأساسية؛ بحيث يكون الفكر متناسقًا مع الواقع المعيشي للشعوب؛ لا مستعليًا عليهم، أو منفصلاً عنهم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم اهتم بترجمة الوحي وتنزيل القرآن على أرض الواقع، وتحويلِه إلى ثقافة اجتماعية في المقام الأول، أخلاقية وروحية، تعمل لصالح مستقبل الدولة الإسلامية التي كان صلى الله عليه وسلم أساسها ومرجعيتها، واتبع هَدْيَه وخططَه الاستشرافية جيلُ الصحابة من بعده، والتابعون وتابعو التابعين، بحيث ظهرت خلال عصور الخلافة الإسلامية – في صورها المتعددة – عبقرية العقل المسلم الاجتهادية، والمنهجية، والاستيعابية لمعطيات الواقع، واختلاف طبيعة المجتمعات التي ضمتها الدولة الإسلامية.
- ويرى الكاتب أنه من المهم أن نركز – حين الحديث عن استشراف المستقبل من خلال السيرة النبوية – على عنصرين مهمين:
العنصر الأول: بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
العنصر الثاني: عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر يوحى إليه، والعصمة ثابتة له في حدود ما كان له علاقة مباشرة بمهمته الرسالية، ولكنَّ هذه العصمة لم تَنْفِ عنه بشريته صلى الله عليه وسلم فكان كثيرًا ما يستشير أصحابه في كثير من الأمور التي لهم فيها خبرة خاصة؛ كأخذه بقولِ سلمانَ الفارسيِّ رضي الله عنه في حَفْر الخندق، وأخذه برأي الحُبَاب بن المنذر رضي الله عنه عند اختيار مكان معسكر جيش المسلمين في غزوة بدر، قال أبو هريرة رضي الله عنه:”ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
وهذا من أهم عناصر تنمية جانب التخطيط واستشراف المستقبل بالعمل في الحاضر، الذي ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه خيرة أصحابه، وضرب لهم القدوة الحسنة فيه، رغم وجود الوحي ساعتها.
فالمسلمون آمنوا بأهمية التخطيط وتنظيم الإدارة ساعتها، ولم يتواكلوا على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعمة الوحي النورانية، ولعل قول الصحابي الجليل الحُبَاب بن المُنْذِر: “أرأيت هذا المنزل؛ أمنزلاً أَنْزَلَكَهُ الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي، والحَرْب، والمَكِيدة؟” – خيرُ دليلٍ على ذلك.
- وقد ظل الاهتمام بصناعة المستقبل، وحضور الإعداد له جليًّا طوال مراحل السيرة النبوية.
ولعل “أحاديث الفتن” جانب من جوانب كثيرة من هذه الرؤية الاستشرافية للمستقبل البعيد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يُوشِك أن تَدَاعَى عليكم الأمم، كما تَدَاعَى الأَكَلَة على قَصْعَتِها))، فالحديث ليس مجرد رسم لمشهد مستقبلي، بقَدْر ما هو تنبيه لسنة كونية مستقبلية، يجب على المسلمين العاملين العمل على ردها وصدها، ورَأْب صدع المجتمعات الإسلامية وقتها، بالتكاتف المجتمعي الاستشرافي لهذا الغد – الذي نحن فيه للأسف – مصداقًا لسنن الله الكونية، حيث اعتمدنا على التواكل والتبعية، ولم نستفد من كل هذه الرؤى الاستشرافية – لمستقبل الأمة الإسلامية – المتناثرة في بطون كتب السيرة النبوية والشمائل الشريفة.
- يرى الكاتب أن “الاستيعاب الذي يفقه الواقع ويخطط للمستقبل، قد أنجزته السيرة النبوية”؛ صـ66.
ولعل من أهم ملامح منهج التخطيط في الدعوة النبوية:
بناء المسجد النبوي مَحْضِن الدولة والمجتمع، وجعل فلك حياة المسلم دائرة حول المسجد ومرتبطة به، عكس دعاوى المثبِّطين الآن من حصر الدين في المساجد، وجعلها عناصر زخرفية جوفاء لا روح فيها؛ فالمعاهدات والمشاورات، والخطط الاقتصادية، والبنى الاجتماعيَّة، كانت توضع في المسجد، والجيوش والسرايا كانت تبتعث من المسجد، والسياسة الثقافية التي تنتظم قيم وأفكار المجتمع المسلم الجديد، كانت تتبلور في المسجد.
وأيضًا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتمتين شبكة العَلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المسلم الواحد، ووضع وثيقة المدينة “الدستور الإسلامي” لإعادة هيكلة الذات المسلمة، وتمتين العَلاقات داخل المدينة وخارجها بجيرانها، حيث تعد هذه الوثيقة نموذجًا مثاليًّا “لتأطير الوضع الحُقُوقي، والعلاقات التنظيمية الإدارية والسياسية والاجتماعية للمسلمين “كأمة” مع بعضهم البعض، ومع غيرهم”؛ صـ101، حيث نصَّت هذه الوثيقة على: “أن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، ومَن تبعنا من يهود فإن لهم النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصِر عليهم، وأن بطانة يهود ومواليهم كأنفسهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر المحض من أهل هذه الصحيفة دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه)).
فهذا الدستور أسَّس لكامل المساواة في حقوق المواطنة وواجباتها على نحوٍ غيرِ مسبوقٍ، مع مراعاة التعدُّدية، وبدون استبعاد للأديان الأخرى، والأحلاف الأخرى كما هو شأن نظريات السياسة الوضعية، مع مراعاة المرجعية الإسلامية التي نصَّ عليها هذا الدستور، عندما قال: ((وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره)).
بل وراعى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الدستور التخطيط الجغرافي أيضًا لحدود المدينة، واستشراف المستقبل، في حالة انضمام قبائل وأحلاف أخرى لهذه الوثيقة؛ حيث حدَّد بذلك نظام العمل في شؤون الجماعة الداخلية والخارجية، حيث نقرأ: ((… جوف المدينة، ومنازل القبائل، وكل مَن لحق بنا، وجاهد معنا)).
- يعد صناعة إنسان المنهج النبوي الاستخلافي، هو أهم ما خطَّط له النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته النبوية، وركَّز عليه، وهو ما تبيَّن بوضوح في خيرية أصحابه لحمل رسالته، وقيادة العالم من بعده، وحمل أعباء الاستخلاف في الأرض على النهج الإسلامي السوي.
ولعل في قصة الصحابي “رِبْعِيّ بن عامر” مع “رُسْتُم” قائد الجيوش الفارسية – خيرَ دليلٍ على ذلك، ويُعَدُّ كمثالٍ حيٍّ على أهم النماذج البشرية التي أخرجتها مؤسسات البناء الحضاري النبوي، والتي أكَّد فيها غاية الرسالة النبوية بقوله لرستم: “إنَّ الله ابتعثنا؛ لنخرج مَن شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام…”.
- يرى الكاتب ضرورة فَوَاق الأمة من غفلتها، ودائرة ذُلِّها، لصياغة فكر إستراتيجي مستقبلي، محكم البنود، مدقَّق العناصر، اعتمادًا على المرجعية المعصومة عامة، والسيرة النبوية خاصة، في بعدها البشري التدبيري؛ لإعادة ما فقدته الأمة من رصيدها الإسلامي الحضاري خلال القرون الماضية، وبهذا يتحقَّق مقصود رسالة الكتاب والكاتب، مع ضرورة اليقين الإيماني بأن مَن عمل لغَدِه، واستشرف مستقبله، عَبْر تخطيطٍ واعٍ سليمٍ مقتديًّا بالسنة النبوية، سيحصد ثمار هذا في القريب العاجل وَفْق مفهوم السنن الربانية، ومصداقًا لوعد الله.
المصدر: شبكة الألوكة.