بقلم الشيخ مروان القادري
ابن المبارك يقول لما بلغ أبا حنيفة قتل إبراهيم الصائغ بكى حتى ظننا أنه سيموت فخلوت به فقال كان والله رجلا عاقلا ولقد كنت أخاف عليه هذا الأمر قلت وكيف كان سببه قال كان يقدم ويسألني وكان شديد البذل لنفسه في طاعة الله وكان شديد الورع وكنت ربما قدمت إليه الشيء فيسألني عنه ولا يرضاه ولا يذوقه وربما رضيه فأكله فسألني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن اتفقنا على أنه فريضة من الله تعالى فقال لي مد يدك حتى أبايعك فاظلمت الدنيا بيني وبينه فقلت ولم قال دعاني إلى حق من حقوق الله فامتنعت عليه وقلت له إن قام به رجل وحده قتل ولم يصلح للناس أمر ولكن إن وجد عليه أعوانا صالحين ورجلا يرأس عليهم مأمونا على دين الله لا يحول قال وكان يقتضي ذلك كلما قدم على تقاضي الغريم الملح كلما قدم علي تقاضاني فأقول له هذا أمر لا يصلح بواحد ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السماء وهذه فريضة ليست كسائر الفرائض لأن سائر الفرائض يقوم بها الرجل وحده وهذا متى أمر به الرجل وحده أشاط بدمه وعرض نفسه للقتل فأخاف عليه أن يعين على قتل نفسه وإذا قتل الرجل لم يجترئ غيره أن يعرض نفسه ولكنه ينتظر فقد قالت الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) ثم خرج إلى مرو حيث كان أبو مسلم فكلمه بكلام غليظ فأخذه فاجتمع عليه فقهاء أهل خراسان وعبادهم حتى أطلقوه ثم عاوده فزجره ثم عاوده ثم قال ما أجد شيئا أقوم به لله تعالى أفضل من جهادك ولأجاهدنك بلساني ليس لي قوة بيدي ولكن يراني الله وأنا أبغضك فيه فقتله. قال أبو بكر لما ثبت بما قدمنا ذكره من القرآن والآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبينا أنه فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وجب أن لا يختلف في لزوم فرضه البر والفاجر لأن ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضا غيره ألا ترى أن تركه للصلاة لا يسقط عنه فرض الصوم وسائر العبادات فكذلك من لم يفعل سائر المعروف ولم ينته عن سائر المناكير فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه وقد روى طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال اجتمع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله أرأيت إن عملنا بالمعروف حتى لا يبقى من المعروف شيء إلا عملناه وانتهينا عن المنكر حتى لم يبق شيئا من المنكر إلا انتهينا عنه أيسعنا أن لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر قال مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهو عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله فأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجرى سائر الفروض في لزوم القيام به مع التقصير في بعض الواجبات ولم يدفع أحد من علماء الأمة وفقهائها سلفهم وخلفهم وجوب ذلك إلا قوم من الحشو وجهال أصحاب الحديث فإنهم أنكروا قتال الفئة الباغية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسلاح وسموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنة إذا احتيج فيه إلى حمل السلاح وقتال الفئة الباغية مع ما قد سمعوا فيه من قول الله تعالى ) فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ( وما يقتضيه اللفظ من وجوب قتالها بالسيف وغيره وزعموا مع ذلك أن السلطان لا ينكر عليه الظلم والجور وقتل النفس التي حرم الله وإنما ينكر على غير السلطان بالقول أو باليد بغير سلاح فصاروا شرا على الأمة من أعدائها المخالفين لها لأنهم أقعدوا الناس عن قتال الفئة الباغية وعن الإنكار على السلطان الظلم والجور حتى أدى ذلك إلى تغلب الفجار بل المجوس واعداء الإسلام حتى ذهبت الثغور وشاع الظلم وخربت البلاد وذهب الدين والدنيا وظهرت الزندقة والغلو ومذهب الثنوية والخرمية والمزدكية والذي جلب ذلك كله عليهم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنكار على السلطان الجائر والله المستعان أحكام القرآن للجصاص جزء 2 صفحة من ص 319 الى 321 وذكر الجصاص أن أبا حنيفة كان يرى قتال الظلمة من الحكام قال : وكان مذهبه مشهورا في قتال الظلمة وأئمة الجور ولذلك قال الأوزاعي احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف يعني قتال الظلمة فلم نحتمله وكان من قوله وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول فإن لم يؤتمر له فبالسيف . أحكام القرآن ج1 ص 86 قلت: وإذن هما مدرستان من السلف في طريقة القيام بالانكارعلى الظلمة بالقول : مدرسة أبي حنيفة ومدرسة ابراهيم الصائغ، أما الانكارعلى الظلمة بالسيف فالخلاف فيه معروف بين أئمة المذاهب والجمهور على عدم جوازه إلا عند الكفر البواح مع القدرة. وما زال أهل التغيير الى اليوم كذلك مما يستدعي وجود مرجعيات راسخة في العلم والصلاح والاختصاص في هذا الشان لتقدير الموقف واتخاذ القرار المناسب بعمل مؤسسي يثق به معظم الناس وينقادون الى قراراته.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)