مقالاتمقالات مختارة

فشل الإسلاميين في الحفاظ على السلطة (مصر-تونس)

فشل الإسلاميين في الحفاظ على السلطة (مصر-تونس)

بقلم نعيم مصطفى

بدأت الإرهاصات الأولى للربيع العربي من تونس الخضراء، ثم أعقبتها الدول الأخرى مصر وليبيا وسوريا واليمن التي تشاطرها بالمعاناة والظلم والطغيان والفساد، وقد نجحت جميع الدول في تغيير رأس النظام باستثناء سوريا، وهذه النتائج تعني انتصار الثورات؛ لأن الدول الديكتاتورية لا يوجد فيها مؤسسات حقيقية وإنما كلها مرتبطة بالزعيم أو الرئيس أو الملك، فعندما تتخلص منه الشعوب فهذا يعني انفراط عقد منظومته ، وانهيارها، وهذا ما رأيناه حقاً في تلك الدول، ولكن الأيدي الخبيثة من الدولة العميقة، ومن الثلة الفاسدة التي خشيت من صوت العدالة، وبالتعاون مع الدول التي تعادي الديمقراطيات تجمهرت كلها على ضفة واحدة للانقضاض على الشعوب وانتزاع مكتسباتها، لذلك وجدنا انتكاسة، الثورات، وإطلالة رؤوس ما يسمى بالثورة المضادة، التي حققت مآربها إلى حد كبير، وعادت من جديد إلى تصدر المشهد وإعادة الشعوب إلى حظيرة الطاعة والإذلال كما حصل في مصر، ولكن عزاء الشعوب كان في نجاح ثورة تونس التي سميت بثورة الياسمين والتي لم ترق فيها الدماء، وفعلاً بقيت أكثر من عقد وهي تمارس الديمقراطية المنشودة وعلى خطى الدول الغربية المتقدمة في هذا المضمار، ولكن كيد الكائدين وغيظهم ، أبوا إلا أن يطعنوا تلك التجربة الفريدة ، ويضخوا الأموال ، من أجل إجهاضها ، وإلحاقها بأختها الكبيرة مصر.
استيقظ التونسيون والعرب منذ أيام قليلة على نبأ مؤسف وحزين وهو انقلاب الرئيس الذي أتت به الديمقراطية ، على الديمقراطية وضربه للدستور بعرض الحائط، وجعل كل السلطات في يده على غرار زين العابدين ومعمر القذافي… ومن لف لفهما.
لو نظرنا إلى الأحزاب التي نجحت عبر صناديق الاقتراع وبطريقة نزيهة إثر نجاح الثورات في الجولة الأولى ، لوجدنا أن معظمها له مسحة إسلامية، وهذا أمر طبيعي في دول غالبية سكانها من المسلمين، ولكن هذا النجاح أوغر صدور أعداء الإسلام من الداخل والخارج، وجعلهم يتعاونون على الإثم والعدوان، للتخلص من الإسلاميين بأي طريقة كانت، ومهما كلفت من الدماء، ولكن تونس استطاعت أن تحافظ على تمسكها بالديمقراطية والعض عليها بالنواجذ لمدة عقد من الزمن، وربما يكون وراء ذلك بعدها جغرافياً عن إسرائيل، ونأي الجيش بنفسه عن السياسة، وفقر تلك الدولة و..
ورغم ذلك في النهاية التحقت بركب المعادين للديمقراطية ونزلت عند رغبتهم، مقابل كثير من الإغراءات.
وبعد هذه المقدمة يمكننا الوقوف عند الدول التي تصدر فيها الإسلاميون المشهد عبر صناديق الاقتراع وعلى رأس تلك الدول مصر التي تمثل العمود الفقري للدول العربية وتونس من قبل، أما مصر فقد هيل التراب على تجربتها الديمقراطية الإسلامية بعد عام فقط ، وأما تونس فقد صمدت أكثر من عقد من الزمن، ثم أعلن وفاتها.
والآن لو تحدثنا بموضوعية وقلنا ما هي أسباب فشل الإسلاميين في المحافظة على السلطة التي وصلوا إليه بتأييد الشعوب؟
الواقع لو أنصفنا الإسلاميين لوجدنا أنهم مارسوا الديمقراطية بشكل احترافي وسلمي ووفق القوانين والدساتير، بعيداً عن كل الافتراءات التي تقال بحقهم، وقد حار خصومهم في شيطنتهم؛ لأنهم وجدوا الصدق في توجهاتهم، لذلك وجدنا خصوم الراحل محمد مرسي، مرة يقولون إنه أراد أن يعيد الديكتاتورية وسن قانون لذلك، ثم يتراجعون عن ذلك ويقولون إنه ضعيف (لأنه لم يسجن ولم يعدم ولم يثأر ممن يسخرون منه ومن عائلته بالبرامج التلفزيونية)، ثم يقولون إنه باع أرض مصر وتخلى عن حقوقها، مع أن الذي باع الأرض وتنازل عن مياه النيل فيما بعد معروف لدى الجميع، وقالوا أيضاً يريد أسلمة الدولة، مع أن شعب مصر الأزهر من أكثر دول العالم تمسكاً بالإسلام الخ… من هذه الترهات.
ولو انتقلنا إلى تونس لتكرر المشهد نفسه باختلافات بسيطة، فقد توجهت الأنظار إلى حزب النهضة وزعيمه راشد الغنوشي، الذي راح يسدد ويقارب، ويناور ويحاور، حتى استمر عشر سنوات دون أن يخرق قانوناً، أو يخالف قواعد اللعبة الديمقراطية، لكن في النهاية اجتمع عليه شياطين الجن والإنس من كل حدب وصوب وأشهروا أسلحتهم المسمومة، لكي يجهزوا على آخر ماتبقى من منجزات الربيع العربي، فحرضوا قيس سعيد الذي أتت به الثورة، ورسموا له الخطط، ليفتك بالإسلاميين الذين أفرزتهم الصناديق.
والآن لو حاولنا تقييم الربيع العربي ومخرجاته، وما آلت إليه الشعوب بعد مايزيد على عشر سنوات، لتبين لنا أن الأسباب والأمراض متجذرة بالشعوب التي نمت وترعرعت بين ظهراني القمع والذل والطاعة العمياء ، ومن يتعود على شرب الماء الآسن، يغص بالماء الفرات الزلال، لذلك لم تستطع تلك الشعوب أن تستسيغ لذة الديمقراطية، وإنما أصابتها الردة والحنين إلى التخلف والجهل الذي أفرزته ونشرته الأنظمة الديكتاتورية.
لقد سقطت الأحزاب الإسلامية التي نجحت في التجربة الديمقراطية، في فخ خصومها، الذين دفعوا بكل شذاذ الأرض من الداخل والخارج، لإزاحتهم وإعادة نظام الطغيان، وقد جعلوا الإسلاميين في موقع الدفاع عن النفس بدل أن يكونوا هم المهاجمون: لأن السلطة أصبحت بيدهم والجماهير صوتت لهم، لكن الذي حصل أن الإسلاميين ظنوا أن الشعوب التي حاكت الغرب في طريقة التحول الديمقراطي، قد تغيرت آلية تفكيرها القديمة وأصبحوا يمتلكون عقولاً تقبل بالرأي والرأي الآخر، وتذب عن مكتسبات الثورات، ولكن الحقيقة التي ظهرت أن الشعوب تجهل معاني وتعاريف الديمقراطية، ولم تقرأ شيئاً، عن الدول التي تحولت إلى الديمقراطية، فالرجل الذي أتى إلى الحكم إثر الثورة (مرسي – المنصف المرزوقي) وراح يسير بتطبيق الديمقراطية، نظروا إليه على أنه هزيل وضعيف ويجب التخلص منه.
إن السبب الرئيس الذي أدى إلى فشل الإسلاميين بالمحافظة على السلطة كما يبدو لي، هو عدم امتلاكهم ذراع عسكري، فقد كانوا مثقفين ومنظرين فحسب في مجتمع يسيطر عليه الجهل، ولو أنهم امتلكوا ولاء العسكر كما هو الأمر عند حماس، وعند أردوغان، لحققوا النجاح الناجز، لذلك عليهم إما أن يعتزلوا السياسة أو أن يخترقوا المؤسسة العسكرية، ويثبتوا أقدامهم، إلى أن تنضج الشعوب العربية وتصل إلى مثيلاتها من الشعوب الغربية عندها يكفي الإسلاميين سلاح الثقافة والتنظير والشهادات والمؤهلات العلمية العليا.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى