أخبار ومتابعاتبياناتمتابعات

فتوى حول حكم تهجير أهل غزة والضفة أو الهجرة منهما

 

فتوى حول حكم تهجير أهل غزة والضفة أو الهجرة منهما

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإنَّ من أعظم المحن التي يمر بها المسلمون اليوم ما يتعرض له أهل غزة من عدوانٍ سافر يهدف إلى تهجيرهم قسرًا من أرضهم المباركة، وذلك بعد كل محاولات العدو الصهيوني المجرم لتهجيرهم من خلال حرب الإبادة الجماعية التي استمرت خمسة عشر شهراً، وإن هذا العدو الصهيوني المجرم يهدف من خلال ما يقوم به في غزة من حصار ومنع لدخول المواد الإغاثية والدواء – إلا بحدود قليلة –ومنع لدخول الخيام والبيوت الجاهزة والمستلزمات الضرورية من معدات ثقيلة أو خفيفة وما يقوم به في الضفة أيضا من قتل وهدم وحصار وتشريد إلى حمل الناس على الهجرة القسرية، وإن ما يرتكبه هذا العدو المجرم في الضفة الغربية عموما من جرائم وقتل وحصار وهدم يهدف منه أيضا حمل الناس على الهجرة.

إنّ قضية التهجير المعلَنة مِن قادة العدو وشركائهم الأمريكان وما يتبعها من أهداف الاحتلال التي لم يتمكن من تحقيقها بالحرب، تستدعي موقفاً واضحاً من علماء الأمة كي تقف بجميع مكوِّناتها ضد هذه المخططات الخبيثة.

وبناء عليه فإن العلماء يؤكدون على ما يلي:

أولاً: إن إخراج الإنسان من أرضه بالقوة جريمة كبرى، وهو من أعظم صور الظلم التي يتعرّض لها، وقد جاءت تعاليم الإسلام بتحريمه، واتفقت على ذلك جميع الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية، فقد قرن الله تعالى التهجير بجريمة القتل، وساوى بينهما، فقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ…} (النساء: 66)، وإن السعي لإخراج أصحاب الحق والأرض من أرضهم بالقوة مؤذنٌ بإغراق الظالمين وزوالهم قال سبحانه وتعالى في شأن فرعون وطغيانه: ﴿فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا﴾( الإسراء: 103) وقد قال علماء التفسير في معنى يستفزهم : “يفزعهم ويزعجهم بما يحملهم على الهرب”، وإن السعي لإخراج أهل غزة الطاهرين من أرضهم ما هو إلا تكرار لجريمة قوم لوط عندما أرادوا إخراج نبي الله لوط عليه السلام ومن معه من المؤمنين لأنهم أناس يتطهرون، قال سبحانه {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} سورة الأعراف 82. وهكذا مع سائر الرسل وأتباعهم؛ قال سبحانه {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين. ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد. واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} سورة إبراهيم 13-15

ثانياً: إن أرض بيت المقدس أرض إسلامية خالصة وهي درة بلاد الشام وتاجها الرفيع، إذ قال فيها جل وعلا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(سورة الإسراء:1) وقال تعالی: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ (سور ةالأنبياء: 71) وهي عقر دار المؤمنين وعاصمة خلافتهم في آخر الزمان، وفيها الطائفة المنصورة الثابتة على الحق، ولأهلها خصوصية في الأخذ بالعزائم وعدم الرضوخ لمحاولات التهجير، إذ هم أهل ثَغر ورباط، ووجودهم يحقق القَدَرَ الإلهي بِرَدِّ فساد اليهود عنهم، وعليه فالأصل الشرعي  هو وجوب الإقامة في الأرض، ولو استمر هذا البلاء وطال زمنه، فجملة القواعد الفقهية تؤكد على أنهُ (يُختَار أهونُ الشرين) و(يُحْتَمَل الضررُ الخاص لدفع ضرر عام)، و(إذا تعارضت مفسدتان رُوعِي أعظمُهما ضرراً)، فضرر المشقة والضيق الذي قد يلاقيه المسلم في حياته في فلسطين لا بد من احتماله لدفع الضرر الأكبر الذي هو تهويد فلسطين وتمكين العدو من جلب المزيد من يهود العالم إليها.

ثالثاً: إن ما عهدناه ورأيناه وسمعناه من نساء أهل غزة وأطفالهم وعجائزهم وشبابهم من ثبات وتمسك بأرضهم وحقهم رغم ما أصابهم من جرائم الإبادة الجماعية وما حلَّ بهم من تدمير يدل على وعي هذا الشعب بكل أطيافه بخطورة الهجرة والخروج من البلد، وعلى علمهم بالواجب الشرعي المترتب عليهم بالثبات والرباط في الأرض المقدسة؛ إذ في رباطهم تعبُّد لله عز وجل بإغاظة الكافرين وإفشال مخططاتهم، وتقوية للمجاهدين واحتضان لهم.

وقد بين العلماء أن المسلم إذا كان قادرا على البقاء في المكان الذي هو فيه وينبني على خروجه منه تحوله من دار إسلام إلى دار حرب؛ فإنه يجب عليه البقاء في مكانه، قال  الإمام الماوردي: إن كان المسلم- “يقدر على الامتناع والاعتزال -حتى وإن كان – لا يقدر على الدعاء والقتال، فهذا يجب عليه أن يقيم ولا يهاجر، لأن داره قد صارت باعتزاله دار إسلام، وإن هاجر عنها عادت دار حرب”. (الحاوي الكبير، 14:104)

رابعاً: إن غزة اليوم هي ثغرٌ من ثغور الإسلام، وقد ورد عن النبي ﷺ أن الثبات في الثغور من أعظم صور الرباط، بل هو أفضل من المجاورة في مكة والمدينة، فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان في الرباط، ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقف، فمرَّ به إنسان، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود)، وأخرج البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها). وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “المقام في ثغور المسلمين كالثغور الشامية والمصرية أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة وما أعلم في هذا نزاعا بين أهل العلم وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة”، وهذا الرباط يزداد أجره كلما كان الخوف أكثر، كما قال الإمام السرخسي: “هذا التفاوت في جزاء المرابط، إما بحسب التفاوت في الأمن من العدو، فكلما كان الخوف أكثر كان الثواب في المقام أكثر، أو بحسب منفعة المسلم بمقامه؛ فإن أصل هذا الثواب لإعزاز الدين وتحصيل المنفعة للمسلمين بعمله”، وقد علم القاصي والداني أن رباط أهل غزة في بلدهم يحفظ أرض الإسلام المقدسة ويمنع تهويدها وهو من أشد ما يغيظ أعداء الإسلام عموماً والعدو الصهيوني خصوصاً، ولا شك أنه محفوف بالمخاطر العظيمة من القتل والجرح والتشريد وهدم البيوت.

خامساً: إن الواجب على أمة الإسلام حكاما وشعوباً تثبيت هذا الشعب الصابر وإعانته وإمداده، وإعمار ما تهدم من البيوت والمساجد والأسواق والمدارس، وإصلاح الطرق والبنى التحتية، حتى يتمكن الناس من الصمود في بلدهم، والتقصيرُ في ذلك يُعَدُّ من أكبر الكبائر، وهو من خذلان المسلمين وإسلامهم لعدوهم، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “.. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ..”، وأخرج أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  قال: “المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلِمُهُ ولا يُسلِمُهُ، مَنْ كان في حاجَةِ أخيهِ، فإنَّ الله في حَاجَتِهِ، ومَن فرَّجَ عن مسلم كُربةً، فرَّج الله عنه بها كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومَنْ سترَ مسلماً، سَترَهُ الله يومَ القيامة”.

سادساً: إن من أهم أهداف هذا العدو المجرم القضاء على المقاومة وتجريدها من السلاح والقوة، وذلك بعد أن كبدته هذه المقاومة الباسلة الخسائر العظيمة، ولهذا فإن من أعظم الواجبات على المسلمين إمداد المجاهدين بالمال والسلاح كي يحافظوا على قوتهم ولا تتحقق للعدو غايته.

سابعا: إن كل من يحاول أن يحقق شيئا من أهداف العدو التي فشل في تحقيقها من خلال الحرب من مصادرة سلاح المقاومة أو التضييق عليها أو تحميلها المسؤولية لا يقل جرماً عمن يسعون لتهجير شعب فلسطين، وهو خائنٌ لله ورسوله والمؤمنين.

ثامناً: إن الرضى من قبل الحكام أو المحكومين بخطة التهجير أو بأي خطة لهذا العدو من القضاء على المقاومة أو منع سيطرتها على غزة يعد من أكبر الكبائر بل قد يصل بصاحبه إلى الخروج من الملة، فكيف إذا كان هنالك مشاركة في هذه المخططات؟ وهو مما لا يُتصوَّر حدوثه من مسلم بأي حال من الأحوال.

ولهذا كلّه يحرم على أهل فلسطين عموماً الهجرة منها، بل يجب عليهم الصّبر، والرباط على الحق هناك، ويباح للمضطرين كالجرحى والمرضى الذين لا يجدون علاجاً الخروج للعلاج أو قضاء ما هو ضروري كطلب العلم أو الرزق على أن لا يكون ذلك على سبيل الهجرة وإنما بنية العودة إلى الأرض المباركة.

هذا والله تعالى أعلم وأحكم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الموقعون على البيان :

1. الشيخ محمد الحسن الددو – رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا.
2. ⁠أ.د عجيل جاسم النشمي – علماء الكويت.
3. ⁠أ. د. خالد المذكور عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
4. ⁠الشيخ عبد الحي يوسف – رئيس قسم الفتوى – هيئة علماء فلسطين.
5. ⁠أ.د همام سعيد – رئيس الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين.
6. ⁠الشيخ نواف تكروري – رئيس هيئة علماء فلسطين.
7. أ.د نسيم ياسين – رئيس رابطة علماء فلسطين في غزة.
8. الشيخ محمد الصغير – رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي صلى الله عليه وسلم.
9. ⁠ الشيخ برهان سعيد – رئيس رابطة علماء ارتريا.
10. ⁠أ.د جمال عبد الستار – رئيس رابطة علماء أهل السنة.
11. ⁠الشيخ سامي الساعدي – أمين عام دار الإفتاء الليبية.
12. ⁠الشيخ محمد عبد الكريم – أمين عام رابطة علماء المسلمين.
13. ⁠د. سلمان السعودي / أمين ملتقى دعاة فلسطين.
14. ⁠د. أبوبكر العيساوي: نائب رئيس الإئتلاف العراقي لنصرة الأقصى.
15. ⁠أحمد الحسني الشنقيطي الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي
16. ⁠الشريف الحسن الكتاني رئيس رابطة علماء المغرب العربي
17. ⁠الشيخ أبو زيد منير رقية – هيئة علماء المسلمين لبنان
18. ⁠د. إبراهيم مهنا – هيئة علماء فلسطين
19. ⁠د حسين عبدالعال أمين عام هيئة أمة واحدة
20. ⁠د. محمد عياض عبداللطيف، نائب رئيس مجلس العلماء في حزب العدالة بجمهورية المالديف.
21. ⁠د. عبدالسلام أحمد أبو سمحة / أستاذ الحديث المشارك في كلية الشريعة – جامعة قطر
22. ⁠الشيخ محمد شفان / نائب رئيس لحزب العدالة بجمهورية المالديف
23. ⁠الشيخ محفوظ بن الوالد رئيس المنتدى الإسلامي الموريتاني
24. ⁠الشيخ الملا أنور الآمدي رئيس اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية في تركيا
25. ⁠الشيخ الملا محمد الحجتي الأمين العام لاتحاد العلماء والمدارس الإسلامية في تركيا
26. ⁠سعاد ياسين نائب رئيس اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية في تركيا
27. ⁠د.محمد أبو مصطفى / رئيس مجمع الخلفاء الراشدين الدعوي بغزة.
28. ⁠الشیخ عبدالمجید المرادزهی البلوشی / عضو الاتحاد العالمی لعلماء المسلمين . ايران
29. ⁠د. عبدالله بن عبدالمجيد الزنداني – رئيس جمعية نهضة علماء اليمن
30. ⁠الشيخ جلال الدين بن عمر الحمصي/ سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
31. ⁠الشيخ محمد أبو بكر الزنفلي – عضوالاتحاد العالميى لعلماء المسلمين
32. ⁠د جلال المؤذن عضو الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب العربي
33. ⁠الشيخ حسين أنصار – عضو مجلس العلماء في حزب العدالة بجمهورية المالديف
34. ⁠الشيخ عبد الله رشيد – رئيس مؤسسة محلديب بالمالديف والعضو السابق لمجلس العلماء في حزب العدالة بجمهورية المالديف
35. ⁠د. محمد همام ملحم – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة اسطنبول صباح الدين زعيم.
36. ⁠الدكتور انجوغو امباكي صمب مدير الدعوة في جماعة عباد الرحمن في السنغال.
37. ⁠د. سعيد بن ناصر الغامدي الأمين العام لمنتدى العلماء.
38. ⁠د. سعيد الشبلي – مفكر إسلامي – عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
39. ⁠د حاتم عبد العظيم – رئيس وقف الفاتح.
40. ⁠الشيخ رياض شعيلي صاكي – هيئة علماء ليبيا
41. ⁠الشيخ أ. د إبراهيم العمراوي بودوخة عضو قيادي بجمعي المعالي للعلوم والتربية الجزائر.
42. ⁠د. محمود سعيد الشجراوي رئيس مؤسسة FAZ التربوية
43. ⁠د. مروح نصار رئيس لجنة فلسطين في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
44. ⁠د. عبد الله يوسف أبو عليان – عميد كلية الدعوة الإسلامية- غزة.
45. ⁠د. عبدالسلام الجالدي – رئيس ائتلاف شباب مجد الإسلام – الأمين العام لمؤسسة راسخون لبناء الإنسان
46. ⁠الشيخ فراس الأسطل- علماء غزة.
47. ⁠الشيخ عمر نوفل – علماء غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى