فاعلية مقيمي الصلاة في محراب الحياة
بقلم د. فؤاد البنا
من خلال استقرائي لأحوال من أعرف من الذين يؤدون الصلوات الخمس، وجدت أن حوالي ٥% منهم بالكثير هم فقط الذين يقيمون الصلاة بكافة أركانها المادية والروحية، كما أوضحتها في كتابي (مقاصد الصلاة بين حقوق الله وحقوق الإنسان) من خلال استقراء الآيات والأحاديث ذات الصلة؛ بحيث تعي عقولهم مقاصد الصلاة وتستنزل قلوبهم ثمارها الروحية التي يمكن تلخيصها بعنوان التقوى، تلك الشمس التي إذا أشرقت في دواخل الإنسان جعلته كائنا راقيا بفكره وفعله وذا تجليات إيجابية في مسيرته الحياتية مهما كان موقعه أو طبقته أو مكانته، فيؤدي وظيفته على أكمل وجه ويتقن عمله على أفضل صورة، مستشعراً أنه يعبد الله بإتقان عمله في محراب الحياة وأن أفضل طريقة لتقربه من خالقه هي أداء واجباته نحو خَلقه، إذ يؤمن المسلم الحق أن حقوق الناس أشد حرمة من حقوق الله، ولا يغيب عن باله أن الله ابتلاه بأن جعله على ثغرة من ثغور هذه الأمة فيظل حريصا على أن لا تُؤتى الأمة من قبله!
إن هؤلاء القليلين الذين يقيمون الصلاة بكيانها المادي والروحي ولا يؤدونها مجرد أداء، هم من تستقر دولة الله في جوانحهم فيراقبون الله في كل شاردة وواردة، ومن ثم تزدان جوارحهم بثمار الصلاة، وذلك بانتهائهم عن المحظورات وإقبالهم على المأمورات، فتزكو نفوسهم أكثر وتترقى سلوكياتهم المتصلة بجميع الخلائق في المحيط الذي يعيش كل واحد منهم فيه، كما قال تعالى: {قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى}.
ومن ثم فإن الواحد من هؤلاء يصير ذا فاعلية عالية في عمارة الأرض وصناعة الحياة، متلذذا بأداء واجباته كما يتلذذ عامة الناس بتذوق شهواتهم. ومن المعلوم أن الأمم إنما ترقى وتتقدم في مضمار الحضارة بوجود أكبر عدد من أبنائها الذين يحملون هذه النفسيات فيعطون لمجتمعاتهم أضعاف ما يأخذون، ولا ينفك عنهم الشعور بمسؤوليتهم نحو أمتهم في سائر الظروف والأحوال، ومن ثم تجدهم يتسابقون إلى ميادين الدأب والتعب ويتنافسون على مقامات البذل والتضحية، موقنين أن عمارة الدنيا هو الطريق الأمثل لعمارة الآخرة.
وبحضور العقل وخشوع القلب في إقامة الصلاة، فإن المؤمن الحق يواصل استمداد العون الإلهي الذي يظهر من خلال تحصيل الوعي بعظمة الله، بعكس مؤدي الصلاة الذي لا يترك صلاته لكنك تجده في واقع الحياة لا يُقدر الله حق قدره حتى أنك تراه حاضرا في مواضع الزواجر وتفتقده في مواطن الأوامر، ولا يجد في ذلك أي تناقض مع أدائه للصلوات الخمس!
إن الصلاة تفتح بصر المؤمن وبصيرته على ما يحيط بعظمة الله عز وجل من جلال وجمال، فيتنقل بكل سلاسة بين الارتياع والالتياع أو بين الخوف والرجاء، ويظل يستزيد بنهَم من الإيمان من غير توقف، مما يؤهله لاعتلاء درجة الإحسان، إذ قضت مشيئة الله بأن مجاهدات المؤمن ومكابداته لابد أن تُفضي به في هذا الحال إلى التلذذ بالصلاة وتذوق حلاوة الإيمان، حتى يصبح لسان حاله يقول: “أرحنا بها يا بلال”، ويعيش حياة طيبة يتذوق فيها طعم النعم مهما بدت بسيطة، ويهنأ ببحبوحة السعادة بصورة لو عرفها أهل السلطة والمال لجالدوه عليها بحد السيوف!