فاز النجاشي بالإسلام.. وفاز أردوغان بتركيا
بقلم عبده مصطفى دسوقي
عاشت الشعوب الإسلامية جميعاً ليلة عصيبة وكأنها تنتظر ميلاد فجر جديد، واهتزت أركان الدجي حينما بصرت بأعينها فوز أردوغان في رئاسة تركيا، وكأن كل واحد من هذه الشعوب هو من فاز في الانتخابات.
لماذا بلغ بالأمة هذه الحال أن تنتظر بلهف وشغف وخوف وجزع وفزع وترقب نتيجة انتخابات دولة من الدول التي أجريت بها العديد من الانتخابات السابقة التي فاز فيها أردوغان وحزبه على مدار ستة عشر عاماً متتالية حتى صنع تركيا الحرة؟!
لقد التصقت الجباه بالأرض، واهتزت أركان السماء من كثرة الدعاء، وظلت الألسنة تناجي ربها أن ينبلج الصباح بفوز أردوغان في هذه الانتخابات.
الجواب يدفعنا أن نعود لبداية الشعاع الإيماني الذي نطق به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ {18}) (الدخان)، التي ووجه بحائط صد قوي وحشد للقوى، ووضع الإستراتيجيات، وإنفاق ملايين الدينارات، من أجل وقف النور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، غير أنها جاءت صرخة مدوية زلزلت أركان الكفر: “يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته” (السيرة النبوية لابن هشام)، فما كان من عصابة الكفر إلا أن أنزلوا جام غضبهم على من أمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وخاف كل فرد فيهم على بغيته، فمنهم من حاربه من جاهه، ومنهم من حاربه من أجل نسبه، وغيرهم حاربوه من أجل السلطان، ومع ذلك وصف الله سبحانه حالهم بقوله سبحانه: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {33}) (الأنعام).
كان النور الرباني يزحف على كل بيت في مكة لينيرها، وكان صناديد الكفر يرون ذلك ويتملكهم الخوف والفزع، فكانت لقاءاتهم في دار الندوة المتكرر من أجل أن يجدوا وسيلة وحلاً -على الأقل لعدم وصول الإسلام لغير من أسلم– لكن الجميع تناسوا أن لهذا الكون رباً يديره كيفما شاء لا كيفما شاؤوا، وهو ما نعيشه الآن.
لقد تخلى صناديد قريش عن بعض صفات الرجولة والكياسة من أجل ألا تنهار مصالحهم فأبدعوا في تعذيب المؤمنين، وتحولت ساحة مكة كميدان تعذيب كل من يدخله لا بد أن يخرج منه إما جثة هامدة أو كافراً بما أنزل على محمد.
غير أنه خاب ظنهم فلم يتراجع إلا القليل، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهنأ بنوم وهو يرى ما يحدث لهؤلاء المستضعفين –ولولا عشيرته لكان معهم- لكن لا يملك حولاً ولا قوة، فكان ملاذه إلى الله سبحانه.
وحينما زاد التنكيل بمن آمن كان لا بد من إيجاد حل واقعي على أرض الواقع، فنطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اذهبوا إلى الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد”.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بما يجري على الساحة وفي كل مكان، كما كان يعلم بفضائل الحكام في كل وطن، فكان الاختيار الوحيد من وسط الكون هي بلاد الحبشة، التي أيقن رسول الله أن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد.
لم يكن النجاشي مسلماً وقتها، وما كان يعرف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو عرف لاعتبره خصماً للنصرانية التي تدين بها بلاده، لكن الفراسة المحمدية استشرفت أن هذا ملك لا يُظلم عنده أحد.
وهذا ما يعيشه كل مظلوم الآن حينما رأى بأن أردوغان لا يُظلم عنده أحد، بل آوى المظلومين، ورفع الاضطهاد عن كواهل الأرامل واليتامى والمكلومين، فانطلقت القلوب ترج السماء ألا ينزع الله من الأرض آخر ورقة تحمي المظلوم، وكان لرب السماء إرادته، ونامت قلوب كل مظلوم تبكي فرحاً على ما منَّ الله عليها من فرح بهذه النفحات التي أرسلها لها في هذا اليوم، فخرجت لا لتحتفل لكن لتعلن لرب السماء قبولها هديته التي أرسلها لهم.
وهكذا تلاقت قلوب النجاشي بقلوب أردوغان –رغم فارق الزمن– لا لشيء إلا لنصرتهم للمظلومين، وهي المشهد التي لخصها أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق، حينما قال: نحن لم نفز في الانتخابات بأصوات الصناديق لكننا فزنا بأصوات دعاء المظلومين.
لقد كان آخر كلمات أردوغان قبل أن تسكت الأصوات وتتوقف الحملات إيذاناً بالصمت الانتخابي، وهي الرسالة التي وجهها لمنافسيه الذين أقسموا ليطردوا كل لاجئ في تركيا –وتناسوا أن هؤلاء مظلومون ليس بينهم وبين ربهم حجاب– وقال في كلمةٍ له ألقاها خلال مراسم توزيع “جوائز سلام جبل الزيتون” في ولاية إسطنبول: “نحن فتحنا أبوابنا أمام اللاجئين لأننا أردنا أن نكون الأنصار لهؤلاء اللاجئين، بعد أن تعلمنا ذلك من الأنصار الذين استقبلوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة”.
إن الكون لم يستغرب اهتمام القلوب بهذا الحدث الذي ذكرنا بلحظة القرار الذي كان سيتخذه النجاشي حينما وقف عمرو بن العاص يحثه على إرجاع المظلومين لكفار قريش، ووقتها حبست الأنفاس –كما حبست الأنفاس وقت انتخابات تركيا– للقرار الذي سينطق به النجاشي، وبعد صمت رهيب، جاءت كلمته: “والله لا أسلمهم إليكم أبداً”، وقتها تجلت إشراقات على وجوه الصحابة، وصفتها السيدة أم سلمة بقولها: “وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار”، وهذا الشعور هو الذي ظلت قلوب المظلومين في تركيا والعالم تعيش به حتى جاءت الانطلاقة بالفوز فانطلقت سعادة القلوب تنير فضاء الكون، شاكرة لنعم الرحمن وفضله.
(المصدر: مجلة المجتمع)