بقلم محمد عبد الرحمن صادق
سبق أن تحدثنا في الحلقتين السابقتين (1) و(2) عن أغراض الجهاد وأخلاقياته في الإسلام، كما تحدثنا عن غزوة بدر وفتح مكة وفتح عمورية بإيجاز مع ذكر بعض الدروس المستفادة لكل منهم.
وفي هذه الحلقة سنتحدث بفضل الله تعالى عن:-
4- فتح الأندلس
تولَّى موسى بن نُصَير بلادَ المغرب عام 86 هـ، وكان ذلك في عهد الوليد بن عبدالملك، فأخضع البربر، ونشر الأمنَ في البلاد، وفتح طنجة ثمَّ تركها لقيادة طارق بن زياد، وعَهد إليه بالعمل على نشر الإسلام في البلاد.
بدأَت أنظار المسلمين تتَّجه نحو إسبانيا، وكان طارق يتطلَّع لفتح إسبانيا، فراسَل يليان ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه، وتَذكُر بعض الروايات أن يليان هو الذي دعا موسى بن نصير لغَزو الأندلس انتقامًا من لذريق؛ وذلك لاعتدائه على ابنته، وجعل يليان نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمأنَّ إليهم.
قام يليان بزيارة موسى بن نصير في القيروان لإقناعه بسهولة الفتح، وطبيعي أن يشكَّ موسى في صحَّة كلامه، فطلب من يليان أن يقوم بغارة سريعة، ففعل وعاد بالغنائم، فكان ما قام به يليان عاملًا مشجعا على المواجهة؛ وذلك لأنَّ أعين المسلمين كانت متَّجهة صوب فتح الأندلس، وكانوا قد مهَّدوا الطريقَ لذلك منذ أن وصَلوا إلى طنجة، ثمَّ إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة يليان.
كان المسلمون منذ عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان وهم يفكِّرون في فتح القسطنطينية بعد فتح الأندلس، ومن المعروف عن عثمان رضي الله عنه قوله: “إن القسطنطينية إنما تُفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لِمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان”.
أرسل موسى بن نُصير برسالة إلى الخليفة بدمشق، يَستأذنه فيما هو قادم عليه، فجاء رد الخليفة: “أنْ خُضها بالسرايا حتى تختبرها، ولا تغرِّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال”.
اختار موسى للفتح طارقَ بن زياد، وركب طارق السُّفن في سبعة آلاف من المسلمين، ولمَّا علِم لذريق بنزول المسلمين في أرض إسبانيا جمع جيشًا جرَّارًا بلغ سبعين ألفًا، وفي رواية: مائة ألف.
سار طارق باتجاه قرطبة حتى وصَل لوادي بكة، وقد حُرِّف فيما بعد إلى وادي لكة، وهنا عرف طارق بأنَّ لذريق وصَل لقرطبة، ثم تقدَّم واستعدَّ للموقعة في سهل البرباط، وأرسل طارق يَطلب المددَ من موسى بن نُصير، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من خيرة الجنود، فأدركوا طارقًا قبيل المعركة، وقام طارق في أصحابه خطيبًا، فشجَّعهم على الجهاد، واستعدَّ الجيشان للمواجهة.
بدأ القتال يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ، ثبت جيش العدوِّ في بداية المعركة، وأظهروا شجاعة فائقة، غير أنهم قد خارت قواهم أمام زَحف الجيش الإسلامي، ونتيجة كُرههم الكبير لقائدهم “لذريق” انفضُّوا عنه وفرُّوا هاربين، ومنهم مَن انضمَّ لجيش المسلمين.
هجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتلَه، وقيل: إنَّه جرحه ورمى بنفسه في وادي لكة فغرق، وحمل النَّهر جثَّتَه إلى المحيط.
وبعد مصرعه احتلَّ المسلمون المعسكرَ وغنموه، واتَّجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس، وقاتل مَن تبقَّى فيها من أتباع لذريق، وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة، وتمكَّن من فتحها.
عبر موسى بن نُصير إلى الأندلس بناء على استِغاثة وجَّهها إليه طارق، ومعه جيش عدده ثمانية عشر ألفًا، ففتح بعضَ المدن التي لم يَفتحها طارق، وبهذا الفتح الإسلامي العظيم استمرَّ الإسلام في الأندلس لمدة ثمانية قرون، وبعدها مضَت سنَّة الله تعالى، ودارت الدَّائرة، وخرج المسلمون من الأندلس؛ نتيجة لظهور الفُرقة والتنازع في صفوف المسلمين، ونتيجة لغفلتهم عن مكر أعدائهم بهم.
5- معركة عين جالوت:
كانت معركة عين جالوت في يوم 25 رمضان عام 658 هـ، وهي بلدة بين بيسان ونابلس في فلسطين.
استمرَّ المغول في زحفهم حتى دخلوا بغداد، واستطاع قائدهم “هولاكو” إسقاط الخلافة العباسيَّة، وقَتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، وتدمير بغداد عاصمة الخلافة.
استمرَّ هولاكو في زحفه واستولى على حلَب ودمشق، ثمَّ احتلوا بلدتي “الخليل” و ” غزة ” في فلسطين، لم يبق أمامه إلا مصر، فأرسل هولاكو مهدداً حاكم مصر في ذلك الوقت السلطان “سيف الدين قطز”، يطلب منه الاستسلام، فرفض السلطان قطز الاستسلام وأعدَّ جيشه للمواجهة.
نزل قطز بجيشه في منطقة الغور بعين جالوت في فلسطين، وفي يوم الجمعة 25 رمضان قامت معركة عنيفة بين الجيشين، وحقَّق المسلمون انتصارًا كبيرًا على جيش المغول، وأسروا قائدَهم، وأمر “قطز” بقتله.
كانت معركة عين جالوت هي نهاية أسطورة هذا الجيش الذي عاثَ في الأرض فسادًا، وفرَّت فلول هذا الجيش إلى بلادهم خزايا، وبعد هذه المعركة كانت بداية دَولة المماليك في مصر والشام.
إن عين جالوت أعادت روحَ سابقتها من غزوات ومعارك المسلمين، وكانت نبراسًا لكلِّ الشعوب وكل القادة، ونموذجًا فريدًا في الاستبسال والإقدام والتضحية.
اللهم وحد صفوف المسلمين وأعد للإسلام مجده وأهلك اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء.
(المصدر: موقع بصائر)