إعداد سيدي عبد المالك
يدور جدل كبير بغامبيا منذ اسابيع بعد تقديم الطائفة القاديانية بالبلاد لطلب للسلطات الرسمية لمنحها تلفزيون خاص بها. و تأتي هذه الخطوة في مرحلة بدأ فيها اتباع الطائفة حجز مكانة هامة في الحياة العامة من خلال التأثير النوعي الذي يتمتعون به.
المجلس الإسلامي الأعلي، الذي يعتبر المظلة الجامعة لأهل السنة في البلاد، اصدر عريضة تحذيرية دعا فيها السلطات لعدم الإستجابة لطلب القاديانيين، و اعتبر بيان المجلس ان تلبية طلب الطائفة ستكون لها تبعات خطيرة على الإنسجام الإجتماعي بالبلد.
و اطلق المجلس سلسلة من المنابر و الخطب الإجتجاجية على هذه الخطوة، مطالبا السلطات بالحد من تمدد هذه الطائفة “الدخيلة” على المجتمع الغامبي المسلم.
حسابات السياسة
الحكومة الغامبية، التي لم تمنح لحد الساعة رخصة البث التلفزيوني للقاديانيين، اظهرت قدرا كبيرا من الإنزعاج من تصرفات و مواقف الأئمة و الدعاة المطالببين بالتضييق على القاديانيين، فقد هاجم عمر جالو وزير الزراعية الشيخ عبد الله، الذي يتزعم حراك المطالبة بعدم ترخيص تلفزيون للقاديانيين، و قال الوزير أنه كان الأولي بالشيخ “منع الرئيس السابق يحي جامي من سفك دماء الغامبيين يوم كان إماما بقصر الرئاسة، بدل التحريض على طائفة من الشعب الغامبي”، و اعتبر الوزير ان “غامبيا دولة منفتحة على جميع مكونات شعبها و أنه هو شخصيا سبق و أن صلي في أحد مساجد القاديانيين باعتبارهم جماعة مسلمة”، مضيفا أن السنغال المجاروة توجد فيها محطات تلفزيونية لمختلف الطوائف الدينية.
و يُتهم وزير الزراعة من بين مسؤولين آخرين بالإرتباط بالقاديانية، و كان الرجل قد حضر مؤتمرا سنويا للطائفة القاديانية خارج غامبيا كممثل لحكومة بلاده العام الماضي.
تتعدد تفسيرات المراقبين من المواقف المحابية للحكومة الغامبية تجاه اتباع الطريقة القاديانية، ففي حين يري البعض أن الحكومة -التي وصلت قبل أزيد من سنة للسلطة بعد رحيل الرئيس السابق يحي جامي عن السلطة إثر هزيمته المفاجئة في الإنتخابات الرئاسية ليناير 2017- لم تكن مهيأة لحكم البلاد كما وجدت أمامها تحديات كبيرة و بالتالي ليس من مصلحتها الدخول في معارك مع أي جهة خاصة إذا كانت هذه الجهة كالطائفة القاديانين التي تُقدم الكثير من الخدمات الإجتماعية و الصحية و التعليمية المكملة لجهود الحكومة، فيما يميل البعض الآخر للقول أن الطريقة القاديانية استطاعت عبر مسيرتها الطويلة تكوين و استقطاب أجيال من الغامبيين المواليين لها و المتأثرين فكريا بها من بينهم نافذين في هرم السلطة حاليا و عليه فقد آن الأوان لتنفيذ أجدنتها و تحقيق طموحاتها بعد سقوط جامي، الذي كانت علاقته بالقاديانية تتذبب بين التضييق و التجاهل النسبي.
الحضور و أدوات الإختراق
يعود حضور القاديانية في غامبيا الي ستة عقود من الزمن، فالعديد من المراجع تشير إلي ان القاديانية وصلت غامبيا سنة 1960 في فترة حكم فرما سنجاتي، الذي سلمه البريطانيون الحكم قبل منح البلاد استقلالها سنة 1964.
و يُجمع الكثير من أئمة البلاد أن الحاكم سنجاتي كان قاديانيا، و أنه هو أول من فتح غامبيا أمام نشاط القاديانيين و مكٌن لهم و خولهم بناء المساجد و المعاهد و سمح لهم بالإستيلاء على المساحات والأراضي ذات الموقع الإستراتيجي بالبلد.
و قد تعاملت حكومة الرئيس داودا جاورا التي تعتبر الحكومة الأولي بعد الإستقلال مع الطريقة القاديانية بنفس المنطق، فقد وفرت لهم الحماية و منعت علماء و أئمة البلد من انتقادهم في المنابر الإعلامية الرسيمة وفي المحافل الدينية باعتبار أن الدستور ينص على علمانية البلد و حق المواطنين في الإختيار، و ذلك في دولة يدين حوالي 95% من شعبها بدين الإسلام.
انتعشت حركة القاديانية في ظل هذا المناخ الرسمي المتسامح، فغرروا بالمسلمين و أوهموهم أن القاديانية فرع من الإسلام و خادمة له، و قاموا بتقديم الكثير من الخدمات في بيئة تتدني فيها جهود الدولة في المجال التعلمي و الإجتماعي و الصحي.
ركز القاديانيون في غامبيا على التعليم و جعلوا منه أهم نافذة للتأثير في الشعب، فكانت مدارسهم من أكثر المدارس جودة و فتحوتها أمام مختلف الطبقات الإجتماعية، و قد خرجت هذه المدارس العديد من الأطر و الموظفيين الذين يحتلون مواقع هامة في هرم السلطة.
و حرصوا ان تحمل هذه المدارس أسماء أئمتهم و شيوخهم كغلام و ناصر و نصرات و طاهر.
كما انشؤوا مستشفى بمنطقة تالاندينغ، يعتبر من أهم مستشفيات البلاد و زودوه بمعدات كثيرة و أدوية توزع برسوم شبه مجانية، هذا بالإضافة لفتح العديد من النقاط الصحية في مناطق متفرقة من البلاد.
ينظم اتباع القاديانية في غامبيا سلسلة من المناسبات السنوية، من اهمها تظاهرة “جَلسَ سالانا”، التي نظمت الذكري الأربعين لها في العام الماضي بأحدي مدارس الطائفة و بحضور حوالي 8آلاف من الأتباع من غامبيا و السنغال و غينيا بيساو. وكانت هذه التظاهرة تُبث في التلفزيون الرسمي، قبل صدور قرار رئاسي سنة 2015 بمنع الفرقة القاديانية من استخدام وسائل الإعلام الرسمية، و ذلك على خلفية زيارة قام بها الداعية المسلم الدكتور ذاكر نايك لغامبيا اعتبر في أحدي محاضراته بالبلاد أن هذه الطائفة خارج الفرق الإسلامية.
(المصدر: إسلام أونلاين)