عندما يصبح “التّشكيك” فكرا عند أدعياء الفكر والحداثة!
بقلم سلطان بركاني
منذ أن ضربت العلمانية بأطنابها في بلدان العالم الإسلاميّ، فتحت الأبواب على مصاريعها للجهلة الباحثين عن الأضواء اللاهثين خلف الشهرة، ليُفصحوا عن مكنونات أنفسهم ويكشفوا عن عقدتهم المستحكمة تجاه كلّ ما له علاقة بالدين، ويطرحوا جهالاتهم بكلّ جرأة باسم حرية التعبير والفكر الحرّ، ولتتنافس وسائل الإعلام التابعة في أغلبها للعلمانيين على تقديم الإشهار المجاني لهؤلاء المجترئين، ويأتي بعدها دور بعض الأوساط الغربيّة المتخصّصة في تلميع المجترئين على الإسلام لتدافع عنهم باسم احترام قيم الديمقراطية وحرية التعبير.
لقد بدا واضحا كيف أنّ حمّى التطاول على المقدّسات وكسر الطّابوهات زادت حدّتها وارتفع منسوبها بعد نجاح الثّورات المضادّة في أكثر من قطر إسلاميّ، لتكون ورقةً رابحة بأيدي الجهات الانقلابية؛ تغطّي بها على تنكّرها لقيم الديمقراطية! وتتزلّف بها إلى رعاة الديمقراطية في الغرب الذين ما عاد كثير منهم يهتمّ بحرية اختيار الشعوب العربية لمن يحكمها وحريتها في محاسبة وعزل الحكّام والمسؤولين بقدر اهتمامه بحرية الأقليات “المنبوذة” في التطاول على الدّين وشرائعه وشعائره.
عندما يصبح التّشغيب علما وفكرا!
الغريب في أمر هؤلاء المتطاولين على مقدّسات الأمّة المجترئين على دينها، أنّهم -في الغالب- من سقط المتاع وصُلع الفكر، ومن الفاشلين الذين يظنّون الثّقافة في ترديد بعض الكلمات والعبارات الرنانة ورفع بعض الشّعارات و”القيم” التي تغري من لم يمحّص حقيقتها ويطّلع على واقعها في المجتمعات التي تهتمّ بتبنّيها وتطبيقها.
يظنّ هؤلاء المجترئون الحصافة والفكر والإبداع في مجرّد التّشكيك وإثارة الأسئلة والشّبهات، ولو كانت الأسئلة التي يطرحونها والشّبهات التي يثيرونها من نسجهم ونفثهم، ربّما أمكن تصنيفهم في مصاف الباحثين والأذكياء، لكنّها أسئلة وشبهات قديمة طرحها المستشرقون قبل قرون وأجاب العلماء والباحثون عنها بالتّفصيل، ومنها شبهات طرحها المكذّبون على الرّسل وتحدّث عنها القرآن بالإجمال.
بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه
أصبح الجهل بموارد النّصوص وتأويلها عند هؤلاء الجهلة حرية وفكرا وذكاءً، كما قال الله تعالى: ((بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه))، ولو كان الواحد منهم يطرح الأسئلة وينفث الشبهات ليتعلّم، لهان الأمر، لكنّهم في الغالب يطرحون الأسئلة ويثيرون الشّبهات لأجل الإثارة والتّشويش، والدّليل على ذلك أنّهم لا يهتمّون بالإجابات ولا يسمعون الرّدود، ويحملون حكما مسبقا لكلّ من يتصدّى للإجابة عن الإشكالات التي يردّدونها بأنّه ينطلق من خلفية دينية ويتحدّث بلغة الخطابة!
أحد هؤلاء المجترئين في الجزائر، من هواة “الكرّ والفرّ”، ومن المبشِّرين بقيم “المواطَنة” اللاهثين خلف الإثارة، أثار في وقت مضى إشكالات حول بعض الحقائق الراسخة في الدين التي هي محلّ إجماع، وزعم أنّ صيام رمضان ليس إجباريا وإنّما هو اختياري! وقبلها زعم أنّ النبيّ محمّدا -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لم يأت بمشروع تأسيس دولة! ونادى في كَرّة أخرى بحذف كثير من الأحاديث النبويّة من الصحيحين ومن غيرهما بحجّة أنّها تخالف المعقول، ونسي أن يحدّثنا إن كان يؤمن بالثوابت العقلية والفطرية التي يتّفق عليها العقلاء أم إنّه ككثير من الملاحدة يقول بنسبية هذه الثوابت، كما تناسى أن يدلّنا على العقول التي يُفترض أن تُتّخذ مرجعا وحَكما في قبول وردّ الأحاديث؛ إن كانت العقول التي فهمت سياقات الأحاديث ومدلولاتها اللغوية والشرعية، أم تلك التي حالت الجهالة والنّفخة الطاووسية بينها وبين فقه لغة العرب فضلا عن فقه الشّرع.
الحجّ وثنية!
هذا المجترئ، كرّ في الأيام الماضية ليردّد شبهات أخرى ليست جديدة، تتعلّق بشعائر الحجّ التي زعم أنّها لم تتخلّص من الوثنية! وهو بزعمه هذا ربّما يرى في الطّواف حول الكعبة تعظيما لأحجار مرصوصة بعضها فوق بعض، ويرى في تقبيل الحجر الأسود تعظيما لحجر لا ينفع ولا يضرّ، وينظر إلى السّعي بين الصّفا والمروة على أنّه تعظيم للحجارة! وربّما نسي أنّ الحاجّ الذي يطوف حول الكعبة ويقبّل الحجر الأسود أو يشير إليه هو نفسه الحاجّ الذي يرمي الحجارة بالحجارة في صعيد منى، ويطأ بقدميه الحجارة في جبل عرفات، وغاب عنه أنّ الحاجّ لا يعظّم الكعبة لذاتها ولا يستلم الحجر لذاته، إنّما يطوف حول الكعبة لأنّها رمز لمركزية الدّين الذي يدين لله به، وليست رمزا أو إشارة أو بديلا لمخلوق من المخلوقين يعظّم من دون الله أو معه، كما هي الحال مع الأصنام والأوثان، وهكذا تقبيل الحجر الأسود إنّما هو تعبير عن الشّوق والحنين إلى الجنّة، وإذا كان أمثال هذه المجترئ لا يلومون الشاعر قيس بن الملوح على تقبيله حجارة منزل ليلى، ولا يتّهمونه بتعظيم الحجارة، فكيف يتّهمون المسلم الموحّد بتعظيم الحجر الأسود واتّخاذه وثنا؟!
من عجائب المجترئ المشار إليه أنّه اتّهم في أحد منشوراته الإسلام بأنّه جامل القبائل العربية المُشركة وأخذ من طقوسحجّها بعض الشّعائر وألبسها لباس التّوحيد! وغاب عن فكره المثقوب أنّ الحجّ بشعائره المعروفة في الإسلام، كان قبل القبائل العربية التي يزعم المجترئ أنّ النبيّ محمّدا -عليه الصّلاة والسّلام- جاملها؛ كان على زمن نبيّ الله إبراهيم -عليه السّلام- لكنّ العرب أدخلوا عليه شركهم ونصبوا الأصنام في الكعبة وعلى الصفا والمروة ولبّوا قائلين: “لبّيك لا شريك لك، إلا شريكا لك، تملكه وما ملك”! وكلّ الذي فعله النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنّه ردّ الحجّ إلى ما كان عليه وخلّصه من الشركيات التي أدخلها عليه العرب، وأضاف إليه ما هو من جنسه.
منذ أن ضربت العلمانية بأطنابها في بلدان العالم الإسلاميّ، فتحت الأبواب على مصاريعها للجهلة الباحثين عن الأضواء اللاهثين خلف الشهرة، ليُفصحوا عن مكنونات أنفسهم ويكشفوا عن عقدتهم المستحكمة تجاه كلّ ما له علاقة بالدين، ويطرحوا جهالاتهم بكلّ جرأة باسم حرية التعبير والفكر الحرّ، ولتتنافس وسائل الإعلام التابعة في أغلبها للعلمانيين على تقديم الإشهار المجاني لهؤلاء المجترئين، ويأتي بعدها دور بعض الأوساط الغربيّة المتخصّصة في تلميع المجترئين على الإسلام لتدافع عنهم باسم احترام قيم الديمقراطية وحرية التعبير.
لقد بدا واضحا كيف أنّ حمّى التطاول على المقدّسات وكسر الطّابوهات زادت حدّتها وارتفع منسوبها بعد نجاح الثّورات المضادّة في أكثر من قطر إسلاميّ، لتكون ورقةً رابحة بأيدي الجهات الانقلابية؛ تغطّي بها على تنكّرها لقيم الديمقراطية! وتتزلّف بها إلى رعاة الديمقراطية في الغرب الذين ما عاد كثير منهم يهتمّ بحرية اختيار الشعوب العربية لمن يحكمها وحريتها في محاسبة وعزل الحكّام والمسؤولين بقدر اهتمامه بحرية الأقليات “المنبوذة” في التطاول على الدّين وشرائعه وشعائره.
عندما يصبح التّشغيب علما وفكرا!
الغريب في أمر هؤلاء المتطاولين على مقدّسات الأمّة المجترئين على دينها، أنّهم -في الغالب- من سقط المتاع وصُلع الفكر، ومن الفاشلين الذين يظنّون الثّقافة في ترديد بعض الكلمات والعبارات الرنانة ورفع بعض الشّعارات و”القيم” التي تغري من لم يمحّص حقيقتها ويطّلع على واقعها في المجتمعات التي تهتمّ بتبنّيها وتطبيقها.
يظنّ هؤلاء المجترئون الحصافة والفكر والإبداع في مجرّد التّشكيك وإثارة الأسئلة والشّبهات، ولو كانت الأسئلة التي يطرحونها والشّبهات التي يثيرونها من نسجهم ونفثهم، ربّما أمكن تصنيفهم في مصاف الباحثين والأذكياء، لكنّها أسئلة وشبهات قديمة طرحها المستشرقون قبل قرون وأجاب العلماء والباحثون عنها بالتّفصيل، ومنها شبهات طرحها المكذّبون على الرّسل وتحدّث عنها القرآن بالإجمال.
بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه
أصبح الجهل بموارد النّصوص وتأويلها عند هؤلاء الجهلة حرية وفكرا وذكاءً، كما قال الله تعالى: ((بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه))، ولو كان الواحد منهم يطرح الأسئلة وينفث الشبهات ليتعلّم، لهان الأمر، لكنّهم في الغالب يطرحون الأسئلة ويثيرون الشّبهات لأجل الإثارة والتّشويش، والدّليل على ذلك أنّهم لا يهتمّون بالإجابات ولا يسمعون الرّدود، ويحملون حكما مسبقا لكلّ من يتصدّى للإجابة عن الإشكالات التي يردّدونها بأنّه ينطلق من خلفية دينية ويتحدّث بلغة الخطابة!
أحد هؤلاء المجترئين في الجزائر، من هواة “الكرّ والفرّ”، ومن المبشِّرين بقيم “المواطَنة” اللاهثين خلف الإثارة، أثار في وقت مضى إشكالات حول بعض الحقائق الراسخة في الدين التي هي محلّ إجماع، وزعم أنّ صيام رمضان ليس إجباريا وإنّما هو اختياري! وقبلها زعم أنّ النبيّ محمّدا -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لم يأت بمشروع تأسيس دولة! ونادى في كَرّة أخرى بحذف كثير من الأحاديث النبويّة من الصحيحين ومن غيرهما بحجّة أنّها تخالف المعقول، ونسي أن يحدّثنا إن كان يؤمن بالثوابت العقلية والفطرية التي يتّفق عليها العقلاء أم إنّه ككثير من الملاحدة يقول بنسبية هذه الثوابت، كما تناسى أن يدلّنا على العقول التي يُفترض أن تُتّخذ مرجعا وحَكما في قبول وردّ الأحاديث؛ إن كانت العقول التي فهمت سياقات الأحاديث ومدلولاتها اللغوية والشرعية، أم تلك التي حالت الجهالة والنّفخة الطاووسية بينها وبين فقه لغة العرب فضلا عن فقه الشّرع.
الحجّ وثنية!
هذا المجترئ، كرّ في الأيام الماضية ليردّد شبهات أخرى ليست جديدة، تتعلّق بشعائر الحجّ التي زعم أنّها لم تتخلّص من الوثنية! وهو بزعمه هذا ربّما يرى في الطّواف حول الكعبة تعظيما لأحجار مرصوصة بعضها فوق بعض، ويرى في تقبيل الحجر الأسود تعظيما لحجر لا ينفع ولا يضرّ، وينظر إلى السّعي بين الصّفا والمروة على أنّه تعظيم للحجارة! وربّما نسي أنّ الحاجّ الذي يطوف حول الكعبة ويقبّل الحجر الأسود أو يشير إليه هو نفسه الحاجّ الذي يرمي الحجارة بالحجارة في صعيد منى، ويطأ بقدميه الحجارة في جبل عرفات، وغاب عنه أنّ الحاجّ لا يعظّم الكعبة لذاتها ولا يستلم الحجر لذاته، إنّما يطوف حول الكعبة لأنّها رمز لمركزية الدّين الذي يدين لله به، وليست رمزا أو إشارة أو بديلا لمخلوق من المخلوقين يعظّم من دون الله أو معه، كما هي الحال مع الأصنام والأوثان، وهكذا تقبيل الحجر الأسود إنّما هو تعبير عن الشّوق والحنين إلى الجنّة، وإذا كان أمثال هذه المجترئ لا يلومون الشاعر قيس بن الملوح على تقبيله حجارة منزل ليلى، ولا يتّهمونه بتعظيم الحجارة، فكيف يتّهمون المسلم الموحّد بتعظيم الحجر الأسود واتّخاذه وثنا؟!
من عجائب المجترئ المشار إليه أنّه اتّهم في أحد منشوراته الإسلام بأنّه جامل القبائل العربية المُشركة وأخذ من طقوسحجّها بعض الشّعائر وألبسها لباس التّوحيد! وغاب عن فكره المثقوب أنّ الحجّ بشعائره المعروفة في الإسلام، كان قبل القبائل العربية التي يزعم المجترئ أنّ النبيّ محمّدا -عليه الصّلاة والسّلام- جاملها؛ كان على زمن نبيّ الله إبراهيم -عليه السّلام- لكنّ العرب أدخلوا عليه شركهم ونصبوا الأصنام في الكعبة وعلى الصفا والمروة ولبّوا قائلين: “لبّيك لا شريك لك، إلا شريكا لك، تملكه وما ملك”! وكلّ الذي فعله النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنّه ردّ الحجّ إلى ما كان عليه وخلّصه من الشركيات التي أدخلها عليه العرب، وأضاف إليه ما هو من جنسه.
الأضحية طقس وثنيّ!
من عجائب المجترئ المشار إليه، كذلك، أنّه يقيس الأضحية التي يتقرّب بها المسلم إلى الخالق الواحد الأحد، بالقرابين التي تذبح للأوثان التي ترمز إلى المخلوقين! ويرى أنّ وجود طقس “الذّبح” في كثير من الأديان والديانات السّابقة دليل على أنّ الإسلام لا يختلف عن هذه الديانات! ونسي أنّ الأصل في البشرية هو التوحيد وتقديم القرابين للخالق الأحد، وبهذا جاءت رسالات السّماء، بينما الشّرك وتقديم القرابين للمخلوقين أو الأوثان التي ترمز إليهم، طارئ على البشرية، ونُسك النّحر تقربا إلى الخالق الواحد الأحد لم يبدأ مع النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
أسطورة سفينة نوح!
أمّا ثالثة الأثافي في نفثات المجترئ، فهي إشارته في أحد منشوراته إلى أنّ ذكر “أسطورة سفينة نوح”!في الكتب المقدّسة لا يدلّ على أنّها حقيقة! ولا شكّ في أنّ كلامه هذا مبني في جذوره على التّشكيك في وجود خالق للكون، قبل التّشكيك في رسالات السّماء والكتب المنزّلة، ومن ثمّ فإنّ النّقاش مع أمثاله يفترض أن يعود إلى أصله ويبدأ من بداياته، لمناقشة وجود الخالق، فإن اتّفق معه على وجوده، نوقش بعد ذلك في صدق الرسالات السّماوية، وهل الخالق المتّفق حول وجوده يمكن أن يؤيّد رسله بما يخرق قوانين الكون ويخالف العادة ليثبت أنّهم مرسلون من مدبّر أمور الكون؟
ومع هذا فإنّنا يمكن أن نناقش هذا المجترئ في شبهته هذه حول سفينة نوح من الناحية التاريخية بعيدا عن إجماع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام على ذكرها، بعد أن نصحّح معلومة مهمّة ينطلق منها المشكّكون في قصّة نبيّ الله نوح عليه السّلام، وهي أنّ القرآن لم يشر أدنى إشارة إلى أنّ الطّوفان قد عمّ الكرة الأرضية وأهلك أهل ذلك الزّمان جميعا، وجمهور أهل العلم من المسلمين قالوا إنّ الطّوفان والهلاك لم يكونا عامّين، وبناءً على هذا فلا محلّ من الإعراب للشّبهات التي تثار حول حجم السّفينة وعدد الحيوانات التي حملت فيها، لتبقى فقط الشّبهات التي تثار حول ذكر هذه القصّة في المصادر التاريخية، وهي ما يمكن كلَّ باحث تفنيده بالوقوف على المعلومات التي تتحدّث عن الرُّقُم التي اكتشفت في مكتبة “آشوربانيبال” في نينوى بالعراق، والتي تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد وتضمّنت ذكر قصة الطوفان، إضافة إلى بعض المصادر التاريخية التي تحدّثت عن طوفان غمر بلاد ما بين الرافدين فقضى على معظم السّكان أواخر العصر النحاسي الحجري، دون أن ننسى الحفريات التي أجريت في أور وأورك وكيش وشوروباك، وأكّدت حدوث فيضان عظيم بين عصر العبيد وعصر السلالات الأولي، وقدرت مساحة الأرض التي غمرها بأربعمائة ميل طولا، وألف ميل عرضا، وحتى لو لم يكن الطّوفان الذي تحدّثت عنه المصادر التاريخية وأثبتته الحفريات، هو طوفان نوح، فهو يثبت أنّ مثل هذا الطّوفان ممكن، بالنّظر إلى أنّ الأرض مرّت بفترات مناخية يمكن أن تحدث فيها فيضانات عارمة كالتي تحدّث عنها القرآن.
جهلة حالهم تثير الشّفقة!
إنّه لمن المثير للشّفقة حقا أن يتحوّل التّشكيك الفارغ إلى علم وفكر في نظر بعض من يحسبهم الجاهل مفكرين من جرأتهم، بينما نجد قامات علمية في مختلف التخصصات تشهد بدقة القرآن في الإشارة إلى بعض الحقائق العلمية والتاريخية، فهذا مثلا الطبيب الفرنسي المشهور “مويس بوكاي” الذي قادته بحوثه العلمية إلى الإسلام، يقول عن “رواية الطوفان في القرآن”: “يقدّم القرآن رواية شاملة مختلفة ولا تثير أي نقد من وجهة النظر التاريخية، فالقرآن يقدم كارثة الطوفان باعتبارها عقابا نزل بشكل خاص على شعب نوح عليه السلام، وهذا يشكل الفرق الأساسي الأول بين الروايتين -رواية التوراة ورواية القرآن الكريم- وهذا يجعلنا نقول بضرورة -بل بحتمية- دراسة الأمور العلمية والتاريخية الواردة في الكتب المقدسةعلى ضوء القرآن الكريم فقط، دون سواه، فهو وحده لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث” (دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة).
ليس غريبا في حقّ الجهلة وعقيمي الفكر أن يسارعوا إلى تكذيب كلّ ما لم يحيطوا بعلمه وما لم يأتهم تأويله، في الوقت الذي يبذل فيه العلماء المتجرّدون جهودا حثيثة لإثبات بعض الحقائق التي تحدّثت عنها الكتب السّماوية، ومن ذلك أنّ قصّة الطّوفان والسّفينة خاصّة، حظيت بعناية كبيرة من قبل بعض العلماء الغربيين، وقد احتضنت محافظة أغري التركية بين 18 و20 أكتوبر 2017م، النسخة الرابعة من الندوة الدولية حول جبل أغري وسفينة نوح، بمشاركة عدد من العلماء وأساتذة الجامعات، بينهم العالم الأمريكيّ البروفيسور راؤول إسبرينت، الذي قال إنّه يجري أبحاثا عن سفينة نوح من خلال دراسة الكوارث التي حلّت بجبل أغري ومحيطه ونتائج تلك الكوارث.
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)