مقالاتمقالات مختارة

عمَّهم الله بالبلاء!

بقلم أ. محمد إلهامي – مدونات الجزيرة

ما العلاقة بين السلطة وبين رعاية الأخلاق في المجتمع الإسلامي.. وكيف يمثل هذا افتراقا وتناقضا بين النظام الإسلامي والنظام العلماني.

كيف تؤثر عقيدة النظام على الأخلاق؟

مهمة السلطة في أي نظام هي الحفاظ على القيم التي يمثلها هذا النظام ويقوم عليها، ففي النظام العلماني مثلا تكون مهمة السلطة هي الحفاظ على الدولة، الدولة تحافظ على نفسها، لأن الغاية النهائية هي الوصول إلى دولة قوية راسخة آمنة مرفهة.. إلى آخره!

لهذا يُصمم القانون والتعليم والاقتصاد والثقافة وأجهزة الأمن والجيش بحيث تحافظ على الدولة، ولا تهتم بأي شيء لا يكون له تأثير على الدولة.. فمثلا: فلان يصلي أو لا يصلي، يصوم أو لا يصوم، يزني أو لا يزني، يشرب الخمر أو لا يشرب الخمر.. كل هذا لا يهم، طالما أنه لا يؤثر على النظام وعلى الدولة.

نعم، يمكن للقانون أن يمنع شرب الخمر للسائقين بهدف التقليل من حوادث السير، أما شرب الخمر نفسه فلا ضرر منه على الدولة فلا حاجة للسلطة أن تهتم بتأثير الخمر على صحة الإنسان أو عقله أو أخلاقه.. كذلك الزنا، يمكن للسلطة أن تهتم به من جهة كونه نشاطا اقتصاديا يُدخل أموالا إلى خزينة الدولة، ومن شاء أن يفتح بيتا لممارسة الزنا أن يفعل طالما أنه يلتزم بدفع الضرائب!

بنفس المنطق يسمح القانون للمواطن في النظام العلماني أن يكون مسلما اليوم ومسيحيا غدا وبلا دين بعد غد، وأن يعود متى شاء إلى الدين الذي يشاء لأن هذا لا يؤثر على الدولة نفعا أو ضرا.. بينما يعاقب القانون بشدة من يهين علم الدولة أو دستورها لأن هذه الإهانة تمس مكانة الدولة وهيبتها وقداستها، ويكون الاستهانة بها مؤشرا على التمرد أو الاستخفاف.

ومن يعرفون تاريخ القانون في أوروبا يعرفون أن غرض تطبيق القانون بعدالة إنما كان بغرض جذب الأموال والتجارة والحفاظ على استمرار النشاط الاقتصادي، ولذلك كانت المدن التجارية كجنوة والبندقية وفلورنسا هي أوائل المدن التي طبقت فيها القوانين بنزاهة.. فيما لم تحاول تلك البلاد تطبيق أي قانون عادل في مستعمراتها، بل سمحت لنفسها بنهب الدول المستعمرة وبقتل الناس واستعبادهم، دون أن تشعر بتأنيب ضمير أو تناقض.

النظام الأخلاقي الإسلامي

يصف ابن خلدون السياسة -غير الإسلامية- بأنها على نوعين؛ الأول: نظام مستبد يخدم الطبقة الحاكمة، ويسميه الملك الطبيعي، ويعرفه بأنه “حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة”. والثاني: نظام يتمتع بنوع عدالة ورشد وهو “حمل الكافة علي مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار”. وأما النظام الإسلامي الذي هو الخلافة فهو:

“حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الاخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به”

 

وهكذا يهتم النظام الإسلامي برعاية الأخلاق بين الناس، بما فيها تلك الأخلاق التي لا تؤثر على نظام الدولة، فالسلطة الإسلامية تعمل على حراسة المجتمع نظيفا من الفساد والانحلال الأخلاقي. ليس لكون هذا يؤثر على نظام السلطة بل لكونه يفسد المجتمع، وهو مستجلب لغضب الله وبلائه.

في خطبته الأولى قال أبو بكر: ولم تظهر الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء. فكان هذا منه تحديدا لواجبات الإمام في محاربة الفاحشة، حفاظا على المجتمع من الفساد الذي يأتي بالبلاء.. وكان نهج الراشدين أنه طالما كانت الذنوب مستترة لا تصل إلى السلطة ولا تظهر في المجتمع فليس من صلاحيات السلطة التجسس على الناس ولا هتك سترهم، ولكن المحظور المحرم أن يكون للفاحشة ظهور بين الناس.

وحرص الخلفاء الراشدون على أخلاق المجتمع، فمن ذلك أن عليا أنكر على من لا يتحرزون أن تخرج نساؤهم إلى الأسواق فيزاحمن الكفار الذين لا يرعين أخلاق التعامل مع النساء، قال: ألا تستحيون أو تغارون؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج.

ونادى علىّ ذات يوم على المنبر فقال: سلوني، فقال رجل: أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال: سفلت سفل الله بك، ألم تر أن الله تعالى يقول: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ}.

لم تكن الدولة الإسلامية تقيم الحدود بغرض العقوبة والانتقام، بل بغرض التطهير والتكفير

إقامة الحدود

وقد أقام الخلفاء الراشدون العقوبة على من زنا أو شرب الخمر أو تهتك وتخنث..

1- فقد سجن عمر من يقعون في أعراض الناس ويهجونهم كما فعل مع الحطيئة الشاعر الهجَّاء، ولم يطلقه من سجنه إلا لما اشترط عليه ألا يهجو مسلما وأعطاه مالا كي لا يُضطَّر أن يهجو أحدا ابتغاء المال، فاشترى منه بهذا المال أعراض المسلمين.

2- وأمر عمر بحلق شعر نصر بن الحجاج ونفيه من المدينة لتخنثه وغزله بالنساء، وقُضِي على رجل اتخذ حانوتا لبيع الخمر بإغراق الحانوت.

3- ولما أتي علي بالشاعر الحارثي النجاشي وقد شرب الخمر في رمضان، ضربه ثمانين جلدة ثم حبسه، فأخرجه الغد فضربه عشرين جلدة ثم قال له: إنما جلدتك هذه العشرين بجرأتك على الله تعالى، وإفطارك في رمضان.

4- وأُتِيَ أبو بكر بمن زنا واعترف على نفسه ولم يكن متزوجا فجُلِد ونفي، ولم يجلد الجارية لأنها كانت مُستكرهة.

5- وأما من كان متزوجا أو كانت متزوجة ووقع في الزنا فإنه يُرجم، وقد وضح علي رضي الله عنه كيف يكون الرجم، وهو أن يُصَّف الناس كوقوفهم في الصلاة، فإن كان الزاني قد اعترف بدأ الإمام برجمه ثم يمضي فيأتي الصف الأول فيرجم ثم يمضي ثم الصف الثاني.. وهكذا، وأما إن كان الزنا قد ثبت بشهادة أربعة فإنهم يكونون أول من يرجم ثم الإمام ثم باقي الناس.

6- ولا يوقع الحد على المرأة إن كانت مستكرهة أو كانت مضطرة كأن ألجأها الجوع والعطش إلى الزنا، وقد حدث مثل هذا في عهد عمر حين نفد الماء من امرأة وهي ترعي في الصحراء فلجأت إلى من يعطيها شربة ماء فمنعها حتى تمكنه من نفسها، فأبت، فلما شعرت بالهلاك مكنته من نفسها، فكان هذا عذرها الذي رفع عنها إيقاع الحد.

7- وكان يؤجل الحد على المرأة الزانية حتى تضع حملها، وأحيانا حتى يشب ولدها ويستغني عن الرضاعة منها.

8- وفي عهد علي وقع أن زنى مسلم بنصرانية، فأقام على المسلم الحد، وسلَّم النصرانية لأهلها يحاكمونها على مقتضى شريعتهم.

9- ولا يوقع الحد إلا بعد التأكد من وقوع الزنا بمعناه الكامل، فيُسأل الرجل وتُسأل المرأة بدقة عما وقعا فيه، ثم يجري التأكد من أنه كان فعلا اختياريا بغير اضطرار ولا إكراه.

10- ومن العجائب المثيرة للإعجاب في شخصية الفاروق هو توقعه ما قد حصل بالفعل في زماننا هذا، أن قوما يستشنعون عقوبة الرجم، فقام يوما خطيبا فقال:

“إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف”

حفظ أعراض من أخطأوا

لم تكن الدولة الإسلامية تقيم الحدود بغرض العقوبة والانتقام، بل بغرض التطهير والتكفير، وأصل هذا ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين أقام الحد على ماعز والغامدية، فمنع أن يسبهما أحد، وقال عن الغامدية “لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم”.

وتكرر الموقف في عهد الراشدين، ويروي شاهد عيان في عهد علي فيقول: “كنت مع علىّ حين رجم شراحة فقلت: لقد ماتت هذه على شر حالها، فضربني بقضيب، أو بسوط كان في يده حتى أوجعني فقلت: لقد أوجعتني، قال: وإن أوجعتك، قال: فقال: إنها لن تسأل عن ذنبها هذا أبدًا كالدَيْن”.

ومع أنه لا تهاون في إقامة حد من حدود الله، إلا أن الدولة الإسلامية لا تشتهي فضح الناس أو هتك سترهم، بل لا تُنزل العقوبة إلا بمن ظهرت منه الفاحشة.

1- وفي عهد عمر خطب أمير اسمه شرحبيل بن السمط الكندي، وكان يتولى مسلحة (أي: منطقة حراسة حدودية عند الثغور مع فارس) في جنوده فقال: “أيها الناس، إنكم في أرضٍ الشرابُ فيها فاشٍ (يعني الخمر فيها منتشر)، والنساء فيها كثير، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا فلنُقم عليه الحد، فإنه طهوره”. فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: “لا أحل لك أن تأمر الناس أن يهتكوا ستر الذي سترهم”.

2- وجاء رجل من اليمن إلى عمر فأَسَرَّ إليه أن ابنة أخيه قد وقعت في الفاحشة، فقال له عمر: “لو أفشيت عليها لعاقبتك، إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه”، وقال عمر لرجل آخر في حالة مماثلة: “أنكحها نكاح العفيفة المسلمة”.

3- وقد قيل لابن مسعود وكان يتولى القضاء على الكوفة في عهد عمر، “هذا فلان تقطر لحيته خمرا”. فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به”.

المجتمع العفيف مجتمع سوي متماسك، الفاحشة فيه نادرة ومنبوذة، وكان هذا مما انتبه له المحتلون حين نزلوا بلادنا، لذلك كان من خططهم الأساسية نشر الفاحشة في بلادنا

وأما في حالات الاغتصاب فقد كان القضاء في عهد الراشدين يبرئ المرأة التي قتلت من اغتصبها أو حاول اغتصابها، فقد تنكر شاب يوما في ثياب فتاة واستطاع التسلل إلى امرأة فاغتصبها وهي نائمة، فقتلته، فبرأها القضاء، وبرأ أخرى قتلت رجلا دفاعا عن عرضها.

أثر الاحتلال في نشر الفاحشة

المجتمع العفيف مجتمع سوي متماسك، الفاحشة فيه نادرة ومنبوذة، وكان هذا مما انتبه له المحتلون حين نزلوا بلادنا، لذلك كان من خططهم الأساسية نشر الفاحشة في بلادنا، وهذا مصداق قول الله تعالى:

(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)

وحصل تركيز كبير على موضوع المرأة في بلادنا المحتلة، لأن إفسادها يُسهِّل إفساد المجتمع وإنشاء جيل مرتبط بشهواته، والإنسان الذي هو أسير شهوته يكون على الحقيقة أسيرا لمن يملك تحقيقها له حتى لو كان المحتل الذي هو عدوه وعدو دينه وأمته.

أول احتلال حصل في قلب العالم الإسلامي كان الحملة الفرنسية على مصر، وأخرج الفرنسيون نسائهم متكشفات متهاونات يداعبن الرجال ويضاحكنهن، ثم كانوا إذا أسروا المصريات بعد معارك المقاومة يأخذونهن، وبالذات الصغيرات، فيجعلونهن كالفرنسيات.. وسهَّلوا سبل الاختلاط والاحتفالات، وعملوا على التزوج من بنات الإعيان بعد إشهار إسلامهم صوريا، ووجدوا من مرضى القلوب والنفوس من اعتقد أن الأمر استتب للفرنسيين فأراد بتزويجهم أن يحظى ببعض السلطان والجاه.

وأما الاحتلال الإنجليزي فقد كانت له آثار عميقة في تدمير الحياة الاجتماعية، حتى إن المؤرخ الإنجليزي تيموثي ميتشل وهو يتحدث عن استعمار مصر يرصد أنه خلال عشر سنوات تضاعف عدد المقاهي والبارات وصالات القمار أكثر من ثلاثة أضعاف، وانتشرت في مصر ظواهر اجتماعية جديدة مثل “إدمان الكحول، وإدمان المخدرات، والزنا والمرض، والجنون”، وحتى الكتب المنتشرة أخذت تغزوها القصص البذيئة التي حرصوا على طباعتها ونشرها، وتأثرت الحياة العائلية حيث شرع الرجال في قضاء نهارهم أو كل أمسياتهم في أكثر المقاهي سيئة السمعة، حيث تسليهم النساء ويحكي الرجال حكايات عن “دون جوان”!

وظلت هذه عادة الاحتلال في بلادنا حتى آخر فصوله، كما في أفغانستان والعراق حيث تنطلق حملات تحرير المرأة وتوفير الفعاليات والمؤسسات المهتمة بصناعات الترفيه والفنون والإباحيات.

ولذلك لا تزال القرى والبوادي، وهي المناطق التي كانت أضعف في تأثرها بالاحتلال، أفضل من المدن في الأمن وفي الأخلاق عموما، وفي تقرير اليونسيف الصادر عام 2012 تتحدث الإحصائيات عن أن انتشار مرض الإيدز في المناطق الحضرية أعلى منه في المناطق الريفية، وكان السبب الرئيسي هو ارتكاب الفاحشة، حتى بلغ عدد المصابين به أكثر من مليونين من الشباب بين العاشرة والتاسعة عشر عاما.

لا يزال الاحتلال يسير على الوصايا القديمة لكبار المنصرين، ومنذ 85 عاما قال صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين المنعقد عام 1935م:

“إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً ، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق… مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات .. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات”.

 

خلاصة

أليس من العجيب أن 90 بالمائة من الإنتاج الإعلامي في بلادنا يناقش مسائل الحب والعشق؟

أليس من الملفت للنظر أن 99% من الأغاني في بلادنا تتحدث عن نفس هذا الموضوع؟

أول ما يُطرح من أسئلة أمام الإسلاميين في الانتخابات: ماذا ستفعلون في الخمر والسياحة العارية والحجاب والملابس القصيرة رغم أن بلادنا مثقلة بالمشكلات الكبرى العميقة، كأن بلادنا ستنهار إن توقف فيها بيع الخمر أو فقدت السائحات العاريات؟

ظهر في الفلسفات الغربية من يحتقر الأخلاق ويقدس القوة، ويرى أن أعظم عيوب الإنسان هي الرحمة، وأنه يجب إفناء الضعفاء والمرضى والمشوهين لأنهم لن يفيدوا المجتمع

الواقع أن الحضارة الغربية خربت الأخلاق، حتى إن موضوع الأخلاق نفسه صار أمرا مشكوكا فيه، حتى القرن التاسع عشر الميلادي كان علم الأخلاق يبحث في المبادئ وترتيبها واستنباطها وأهميتها للحياة بما يعني التطلع إلى مثل أعلى ومثل عليا للسلوك تعين على فعل الخير والابتعاد عن الشر، وبهذا كان علم الأخلاق من العلوم المعيارية؛ بمعنى أنه لا يدرس ما هو كائن، بل ما ينبغي أن يكون، ثم ظهرت في فرنسا مدرسة من علماء الاجتماع نظرت إلى علم الأخلاق باعتباره تفسير ما هو كائن، لا معيارا لما ينبغي أن يكون، وبهذا تحولت الأخلاق لديهم إلى “القواعد السلوكية التي تسلم بها جماعة من الناس في حقبة من حقب التاريخ”، فنزعوا عن القيم الأخلاقية فكرة الثبات والدوام أي نزعوا عنها القداسة والاحترام.. تحول الأمر كما يقول شوبنهاور إلى أن يكون علم الأخلاق هو مجرد وصف: “علم الأخلاق يصف أخلاق الناس مثلما يصف التاريخ الطبيعي خصائص الحيوانات

 

وظهر في الفلسفات الغربية من يحتقر الأخلاق ويقدس القوة، ويرى أن أعظم عيوب الإنسان هي الرحمة، وأنه يجب إفناء الضعفاء والمرضى والمشوهين لأنهم لن يفيدوا المجتمع، وأن هؤلاء ينبغي عليهم أن يساعدوا المجتمع على إبادتهم وإفنائهم.. ومن الطبيعي أن تصل أي فلسفة مادية علمانية لا تؤمن بالله إلى هذه النتيجة التي قالها فيلسوف العدمية ألبير كامي: “كل شيء جائز طالما أن الله غير موجود وأن الإنسان يموت”.

 

ونختم بقول الباحث والروائي الإنجليزي المتخصص في الإسلام، والذي ترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية، مرماديوك باكتول:

“إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقاً بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى