مقالاتمقالات مختارة

علي بن خليفة النفّاتي مُجاهد تونسي يطلبُ المدد من اسطنبول

علي بن خليفة النفّاتي مُجاهد تونسي يطلبُ المدد من اسطنبول

 

بقلم د. مصطفى الستيتي

 

ما تزال شخصيّة علي بن خليفة النفّاتي تحتاج إلى بحث ودراسة، فما كُتب عنه حتّى الآن لا يفي بالغرض. وبالرّغم من الدّور الكبير الذي قام به هذا المجاهد التّونسي في مقاومة الاستعمار الفرنسي ورفض استسلام باي تونس للفرنسيّين سنة 1881م، فإنّ المعلومات حوله ما تزال شحيحةً وقليلةً. وقد أسعفنا الحظّ وحصلنا على وثائق جديدة ونادرة حول هذه الشّخصيّة التّونسيّة المهمة، نعرضها في هذه المقالة.

يجدر بنا أوّلاً أن نعرّف باختصار بهذا الشّيخ المجاهد؛ ولد علي بن خليفة النّفاتي حوالي عام 1807م، وترقّى على المستوى الإداري فأصبح عاملاً أو واليًا، وعلى المستوى العسكريّ ترقّى ليصبح أمير لواء في الجيش التّونسي. وعندما وقّع والي تونس محمد الصّادق باي على معاهدة باردو سنة 1881م، والتي شرّعت لاحتلال البلاد التونسيّة لم يتردّد علي بن خليفة في خلع بيعته للباي، وأطلق مقولته الشّهيرة في مقرّ حكمه بمدينة قابس “الآن أصبحت طاعة الباي كفرًا”. ثم على إثر ذلك أعلن الثورة ضد المحتلين الفرنسيّين وأتباعه ممثّلين في باي تونس ومن شايعه.

بادر الشّيخ علي بن خليفة إلى جمع المجاهدين من مختلف القبائل وتنظيمهم وإزاحة الخلافات التي كانت موجودةً بينهم، وقد واجهته صعوبات جمّة بسبب نزعات التعصّب المستحكمة بين القبائل، وكذلك بسبب ما كان يقوم به الفرنسيّون والباي من محاولات لاستمالة الأهالي والإيعاز لهم بأنّ مصلحة البلاد تتطلب القبول بتوقيع المعاهدة، وأنّ أي خروج عن التّعليمات الفرنسيّة سوف تكون نتيجته وخيمة وقاسيةً.

عمل علي بن خليفة بما أوتي من إمكانيات على تسليح كلّ من يقدر على حمل السّلاح من أبناء قبيلته “نفات” وتجهيزهم لمواجهة المحتل الفرنسيّ، ثم اِنطلق في حرب عصابات. وقد أبلى البلاء الحسن، وتمكن من اِستمالة العديد من القبائل الأخرى وتوسيع أتباعه. وفي 2 جويلية عام 1881م تحرّك الشّيخ علي بن خليفة لنجدة مدينة صفاقس الثّائرة. وعلى الرّغم من تفاوت العدد والعتاد بين الجانبين فقد تمكّن الشّيخ علي بن خليفة من قيادة معارك باسلةٍ أظهر خلالها قدرات عسكريّة فائقةً وبطولات جعلت الضبّاط الفرنسيّين يعترفون بشجاعته في القتال، لكن بسبب نفاد الذّخيرة عن المجاهدين والقصف العنيف من قبل القوات الفرنسيّة اِضطرت قواته للتّراجع وخسارة معركة صفاقس، وبذلك انتهت المعركة يوم 17جويلية 1881م.

وقد خاض الشّيخ علي بن خليفة معركةً أخرى داميةً من أجل فكّ الحصار المضروب على مدينة قابس، التي قامت القوات الفرنسية بعملية إنزال كبير في مينائها واستمرت في قصف المدينة من البحر بالمدفعيّة لأيام طويلة، وقاد ذلك إلى سقوط عدد كبير من الشّهداء يوم 31 جويلية 1881م. ورغم مرارة الهزيمة في صفاقس وقابس لم ييأس الشّيخ علي بن خليفة وأصرّ على أن تواصل الثّورة تحرّكاتها بالاعتماد على ثبات المجاهدين وقدراتهم الذّاتية… ففي منتصف أكتوبر 1881م تقدّم الشّيخ الثّائر بقواته شمالاً إلى أن وصل القيروان، لكنّه اضطر في منتصف شهر نوفمبر 1881م إلى الزّحف نحو بلدة “وذرف” الجنوبية ليتخذها مقرًّا جديدًا لقيادته العسكرية، ويقود من خلالها آخر معارك الدّفاع عن قابس وضواحيها، وذلك قبل سقوطها بشكل نهائي في أيدي الجيش الفرنسي.

وإثر سقوط مدينة قابس انسحب “الشّيخ المتمرّد” نحو طرابلس الغرب رافضًا الخُنوع للاحتلال الفرنسي. ومن هناك واصل جهوده للتّحريض ضدّ الباي وضدّ الجيش الفرنسي، كما عمل على مراسلة السّلطات العثمانيّة يطلب منها المدد. ومن خلال هذه الرّسائل نلاحظ تمسّكه الشّديد بالولاء للخلافة الإسلامية العثمانيّة ورفضه قبول الواقع الاستعماري بالبلاد. وفي هذا الخصوص أرسل رسالتين إحداهما إلى رئاسة الوزراء العثمانيّة، والثّانية إلى وزارة الحربيّة بواسطة ابن أخيه الحاج محمد، وتحمل الرّسالتان المضمون نفسَه، وكذلك التّاريخ نفسه وهو 20 جمادى الثانية سنة 1299هـ/ الموافق لـ 9 ماي سنة 1882م . وقد حملت الرّسالتان ختم الشّيخ علي بن خليفة. وبعد التّعبير عن الولاء الخالص للدّولة العليّة وما بذله في سبيل الدّفاع عن الوطن من جهود مضنية وجّه الدّعوة لإرسال المدد “عسى أن تنفحنا بارقة تنمحي بها ما حلّ بنا وتلمّ شعثنا وتهنّينا في وطننا.

وبالفعل انتقل الحاج محمد إلى دار السّعادة حاملاً الرّسالتين باللغة العربية. وقد ذكر تقرير صادر عن رئاسة الوزراء أن “المومى إليه الحاج محمد قدم إلى دار الخلافة العليّة وقدم الإفادات وطلب من السّلطنة السّنية تقديم المساعدة، وسوف يقع عرض هذا الطلب على حضرة السّلطان، وتم الاستفسار عن مكان وجوده (الشّيخ علي بن خليفة) في الوقت الحالي، فاستفيد أنّه مقيم في مكان مناسب بالقُرب من حدود طرابلس الغرب، وأنّه من غير المحتمل أن يصل الفرنسيّون إلى ذلك المكان”. وبما أنّه في مكانٍ آمن، فمن الأفضل أن لا يقع منح الفرنسيّين ذريعةً لإلحاق مزيد من الأذى بالتّونسيين إلى أن يقع اتخاذ الإجراءات المناسبة بخصوص التّدخل الفرنسي.

لكن هذه الإجراءات التي كانت منتظرةً ظلّت عبارة عن أمنيات، ولم يتحقق منها شيء بسبب انشغال الدّولة العثمانية بأوضاعها الدّاخلية الاقتصادية والعسكريّة الصّعبة، خاصة وأنها خرجت قبل وقت قصير من حرب مدمّرة مع روسيَا. ومن أجل إحباط عزائم المقاومين نشرت الصّحف الفرنسية أخبارًا كاذبة ومضللة مفادها أنّ الشّيخ علي بن خليفة قد استسلم للفرنسيّين وأنه ألقى السّلاح، غير أن الوقائع أثبتت خلاف ذلك. وثبت علي بن خليفة على موقفه الرّافض للاحتلال الفرنسي رغم تراجع زخم المقاومة في تونس إلى أن توفي في عام 1885م.

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى