على هامش التطبيع الشيخ والمريد السياسيّ (1)
بقلم أ. عبد القادر قلاتي
لا يعنينا كثيراً ما أقدمت عليه دولة الإمارات العربية من التطبيع العلني مع دولة الكيان الصهيوني، فالعلاقات المباشرة بينهما لا تخطئها عين المتابع الحصيف، لكن ما يجعلنا نقف عنده ملياً، ونحاول فهمه انطلاقاً من رؤية انثروبولوجية، عالجت حقيقة الارتباط بين الشيخ والمريد في تاريخنا الديني والسياسي، هو المباركة التي يضفيها الشيخ على مريده السياسيّ، فتتحوّل الممارسة السياسية المبنيّة على المصالح الدنيويّة، إلى فعل يَلبس لَبوس الدين، ويتحوّل المريد السياسيّ إلى بطل قوميّ، تشيد به الأجيال، وتدرس خصاله ومواقفه في المدارس والجامعات رغم ما يشين هذه الخصال من أفعال وسلوكيات تخالف أساسيات الدين، وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً يتبادر إلى ذهن كلّ مشتغل بالفكر السياسي والديني، لماذا يسارع الشيخ إلى مباركة فعل المريد السياسي، مهما كان نوع هذا الفعل دون النّظر في مآلاته؟ أيُّ علاقة هذه التي تحوّل الشيخ إلى خدمة المريد، مع أنّ الأصل هو تبعية المريد للشيخ؟ كيف استطاع المريد أن يغيّر المعادلة لصالحه، ويجعل الشيخ تابعاً بعد أن كان متبوعاً؟.
لكي نفهم ما الذي حصل علينا أن نبدأ الحكاية من بدايتها ونقرأ كيف تحوّل مسار هذه العلاقة، بانقلاب خطير في جوهرها، حيث انزاحت من مجالها الروحي، وتسربت إلى المجال السياسي، فتغيرت الوظائف، حيث أصبح الشيخ خادما للمريد، وهذا هو جوهر الحكاية.
منذ سنوات بدأت الإمارات العربية تستثمر في المجال الديني، بإنشاء مجموعة من المؤسسات الدينية بعد أن قرّرت حلّ جماعة الإخوان المسلمين التي كان لها دورا كبيرا في المجال الديني (التعليم والخدمات الاجتماعية)، وقامت بتصفية كلّ نشاطات الجماعة، التي كانت تتعاون مع الدولة منذ نشوئها، واعتقال قادتها، ووصل الأمر إلى نزع الجنسية من بعض هذه القيادات، وللتغطية على هذا القرار المفاجئ الذي طرح يومها جملة من الأسئلة منها، لماذا لجأت السلطة في هذه الدولة العربية التقليدية التي نشأت في ظلّ ثقافة دينية مرتبطة بالجغرافيا وتراث المنطقة إلى هذا القرار؟
لذا رأى حكام الإمارات –بعد قرارهم هذا – أنّ الحلّ يكمن في التصوف كمخرج سليم لذلك القرار الجائر، فأنشات مؤسسة «طيبة» في لندن والتي جلبت إليها بعض الأسماء العلمية والفكرية المرتبطة بالتصوف، مثل الحبيب علي الجفري، وعلي جمعة، وأحمد الطيب، والمرحوم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، وقامت هذه المؤسسة بمجموعة من النشاطات (ندوات وملتقيات)، لكنها لم تنجح في إعطاء الوجه الديني لحكام الإمارات، خصوصًا وأنّ من أسندت له رئاسة هذه المؤسسة لم يكن في المستوى المطلوب، رغم التسويق الكبير له في الإعلام وبين المرجعيات الدينية، فأصبح يحاضر في الأزهر في مصر، والأموي في دمشق، وبعد ثورات الربيع العربي، بدأت هذه الدويلة تبحث عن إطار ديني يمكنه مواجهة هذه التحوّلات التي تشكّل خطورة على الوجود السياسيّ لهذه الكيانات التقليدية، التي لم تعد ترتبط بالعصر وثقافته الجديدة، فرأت في الشيخ بن بية وجهًا يحمل كلّ المواصفات المطلوبة في قيادة إطار جديد، يقود المرحلة الجديدة، وتفاوضت معه لترك منصبه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث كان يشغل منصب نائب للرئيس، ودفعت به وببعض العلماء المحسوبين على التصوف بإنشاء ما سمي بـ» منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»…وللحديث بقية.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)