بقلم محمد علي يوسف
الإسلام الذي نفهمه ويجب أن ندعو الناس إليه ليس فكرا سقيما، ولا أفقا ضيقا يحصر الناس في آراء ومذاهب معزولة عن بيئتها وواقعها، وإنما دعوة حية |
وقد أتاحت لهم الثورة التكنولوجية الهائلة في العقدين الأخيرين، وفضاءات “السوشيال ميديا” فرصة الذيوع والانتشار، خاصة في أوساط الشباب الذين يعوزهم الجهل، وعدم القدرة على الاستنباط، وتأسرهم قوة الحجة والقدرة على الإقناع. فترى ثلة من أنصاف المثقفين وأرباع المثقفين، يهرفون بما لا يعرفون، وينشرون “الفَتى” (بفتح الفاء وسكون التاء كلمة عامية مصرية تعني التقول بغير علم) لا الفتيا (بضم وسكون) يمنة ويسرة، فيَضلون ويُضلون!
فلا غرابة -اليوم- أن تجد فتاة تسأل عن شاب تقدم لخطبتها وما الذي يجب عليها أن تفعله؟ وعن أي شأن تحادثه؟ فيجيب “الشيخ”: ألا تتحدث! بَله أن تنظر إليه أو يرتد طرفها، لأن الحياء قيمة نفيسة، إن حرصت عليها وتمسكت بها فإن الله يختار لها أفضل من اختيارها لنفسها! وتسأل إحداهن آخر: كيف تفعل إذا مد أحدهم يده مصافحا، وإن كان أستاذا أو شيخا طاعنا في السن؟ فيجيب حازما: ألا ترد سلامه، أو تحبين أن توضع جمرة ملتهبة في يدك؟!
إن الإسلام الذي نفهمه والذي يجب أن ندعو الناس إليه ليس رؤى قاصرة، ولا فكرا سقيما ولا أفقا ضيقا يحصر الناس في آراء ومذاهب معزولة عن بيئتها وواقعها، وإنما هو دعوة حية، وروح تسري في جسد هذه الأمة فتحرك سواكنها، وترفع دعائمها، وتشيد بنيانها!
كان “ابن هرمز” -رحمه الله- يقول: ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول: “لا أدري” حتى يكون ذلك أصلا في أيديهم يفزعون إليه، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري، قال: “لا أدري”، فكيف بمن لم يبلغ من العلم مبلغ مد ابن هرمز ولا نصيفه؟ على أن الخطر أدهى من أن يكون قاصرا على دعاته، لكن جوهر المأساة يكمن في ما يخلفه هذا الهراء من أثر في نفوس الأغرار الذين قلت بضاعتهم من العلم الشرعي، وتلمسوا الزلال في عين موحلة، ثم ما يتبع ذلك من سلوك عملي يسلكونه.
فمن يعلم هؤلاء اليوم أن مالكا كان يحدث: “ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا، وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، وكان عمر بن الخطاب وعلي وعلقمة وخيار الصحابة، كانت تتردد عليهم المسائل وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيسألون عنها ثم يفتون فيها”، فعسى إن فاتهم أن يبلغوا من العلم مبلغ مالك، ألا يفوتهم أن يبلغوا من الورع مبلغ ابن هرمز!