مقالاتمقالات مختارة

علماء السوء في بلاط الظالمين

علماء السوء في بلاط الظالمين

بقلم عثمان قدري مكناسي

لشد ما آسى عندما أسمع أو أرى من يلبس لبوس العلماء ويتزيى زيَّهم يقف أمام الحاكم الظالم – في بلاد المسلمين – أو الكافر.. يمدحه ويثني عليه ويصفه بما ليس فيه. فإذا بهذا الظالم في قاموس هذا المنافق يمتلك شمائل ابن الخطاب والصديق رضي الله عنهما مجتمعَين! وإذا به يستحق أن يحكم العالم كله لنزاهته وشرفه وإخلاصه لوطنه!!

ولعل بعضهم يقول: وهل تجرؤ أن تكفر الحاكم و لست بعالم أو فقيه!، وغيرك من جهابذة العلماء لم يفعلوا ذلك؟! أقول: ليس لمثلي أن يفعل ذلك كي لا أبوء بما أقول، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا فقال في رواية مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ” أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه ” ولكن انظر إلى صيغة الحديث تجد قوله صلى الله عليه وسلم ” قال لأخيه ” والأخوّة سمة سامية في المجتمع المسلم. وهل يقتل الحاكم أخاه المسلم لأنه طالب بحريته بطريقة حضارية سلمية؟ وهل تجد مسلماً يحب الله ويخافه يقتل في سورية الحبيبة وغيرها آلاف الناس لأنهم جهروا بالإصلاح وطالبوا أن يعاملهم الحاكم برحمة الأخ لأخيه، لا باستعبادهم وسلب كرامتهم وسرقة اقتصادهم وبيع بلادهم للعدو التاريخي؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من تعظيمه الكعبة المشرفة يرى أن حرمة المؤمن أعظم في ماله ودمه.

وماذا تقول في حاكم يطارد المسلمين بقانون جائر ويسفك دماءهم ويستبيح حرماتهم، ويستعين عليهم بغير المسلمين حين يقدم للغرب الأمريكي أكثر من خمسة وثلاثين ملفاً أمنياً باسم الإرهاب – وهو الإرهابي القاتل لشعبه – ويؤلب العدو على شعبه وكان عليه وهو حاكم البلاد أن يكون خادماً أميناً لهم، لا قاتلاً لصاً وخائناً عميلاً! جيّشَ الجيوشَ لاستئصال كلمة النور والكرامة، لا للحفاظ على البلاد وحرب العدو التاريخي المسترخي بهدوء وأمان في هضبة الجولان،

ثم إنك تسمع هذا الحاكم يعلن عَلمانية الدولة التي سلب أهلها حكمهم، وشعبها مسلم مؤمن بالله لا يرتضي عن إيمانه بديلاً. أفيكون حاكم كهذا – خان العهد وسفك الدم وداس الحرمات – مسلماً مؤمناً؟ أيستحق أن يكون أخاً لمواطنه أو يواليه هذا الشعب المصابر؟

وترى علماء السلطة يلوون أعناق النصوص لتخدم الظالم، ويدلسون ليصبغوه بمناقب الأمن والإيمان، وبعضهم يجعل أباه المقبور من المجاهدين ويجعل الإسلاميين الذين ذبحهم هذا المقبور وقتـّلهم وطاردهم يجعلهم من أهل الحَرابة. لقد انقلبت الأمور رأساً على عقب في عقل هذا المخرف من علماء السلطة في بلدنا المنكوب في كتابه (الجهاد في الإسلام) حين جعل حافظ الأسد الفاجر علماً من أعلام الإسلام وجعل من الإخوان أهل حرابة تُستحل دماؤُهم وتقطع أوصالهم.

وتسمع من تصدّى للإفتاء يوالي سيده ويبارك له في حمام الدم المستمر في بلدنا المنكوب بمثله وينحى باللائمة على من يبذل دمه وراحته وماله ليعيش بحريته وكرامته وتراه في حديثه بوقاً من أبواق المخابرات وأداة من أدواتهم.

وأقرأ قوله تعالى من سورة المائدة ” لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) ” فأرى هذه الآية – وهي تتحدث عن علماء اليهود في التخلي عن واجبهم – تنطبق على علماء السلطان الذين لا يرون إلا ما يرى ولي أمرهم، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال إرضاء له، ونسوا أنه لن ينفعهم حين تزل الأقدام ويسقطون معه في أتون جهنم غير مأسوف عليهم. يرون الحاكم يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ويحكم بغير ما أنزل الله تعالى وهم صُمٌّ بُكمٌ عُمْيٌ باعوا أنفسهم له بثمن بخس دراهم معدودة ليبوءوا بغضب من الله ولعنة تجمعهم مع سيدهم في قاع جهنم والعياذ بالله.

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في هذه الآية الكريمة: عن يحيى بن يعمر قال خطب علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنما هلك مَن كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينهَهُم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات. فمُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا، وروى أبو داود عن مسدد عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن المنذر بن جرير عن جرير قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا ” وقد رواه ابن ماجه. فإن كان علماء السوء هؤلاء لا يستطيعون الجهر بالنصيحة أو يخافون – ومن سمات العالم الرباني أنه لا يخاف في الله أحداً – فليصمتوا وليغيروا بقلوبهم – هذا لو كان في القلوب ذرة إيمان – وإلا كانوا شركاء في العقوبة وقد قال تعالى ” إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين “

وقال القرطبي رحمه الله: لقد وبخ من يسارع في الإثم بقوله: ” لبئس ما كانوا يعملون ” ودلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر ; فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي صحيح الترمذي: (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده) فماذ تقول بهؤلاء الذين أخذوا بيديه ولم يأخذوا على يديه؟!

أما الإمام الطبري فيقول في هذه الآية: أقسم – الله – لبئس الصنيع كان يصنعه هؤلاء الربانيون والأحبار في تركهم نهي الذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السحت عما كانوا يفعلون من ذلك. وكان العلماء يقولون:ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها.

فإذا ترك العالم الصالح واجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وهم صالحون في نفوسهم مؤمنون في قلوبهم – فإنه تهاون خطير استحقوا عليه التوبيخ والتحذير من العقاب الأليم فماذا تقول للذين ربطوا مصيرهم بمصير الظلمة ورضوا لأنفسهم أن يكونوا ذيولاً وأتباعاً؟!

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى