مقالاتمقالات مختارة

عشر ذي الحجة …. المستحب والممنوع

عشر ذي الحجة …. المستحب والممنوع

 

بقلم رضوان بن أحمد العواضي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أخرج الامام البخاري – رحمه الله – بسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ). [ صحيح البخاري، (969) ].
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة. قال: فقال رجل: يا رسول الله!
هي أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ فقال: هي أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله، إلا عفيرا يعفر وجهه في التراب). [ صحيح – صحيح الترغيب والترهيب للألباني، (1150/3) ].

وفي الحديثين من الفوائد والمسائل ما يلي:

1- فضل أيام عشر ذي الحجة، وبيان منزلتها العظيمة عند الله جل وعلا.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – كما في الفتح 2/534 :” والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج, ولا يتأتى ذلك في غيره ” انتهى.

2- بيان فضل العمل الصالح في هذه الأيام.
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في لطائف المعارف (520-521 ): “وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده ” انتهى.

3- المراد بالعمل الصالح ههنا عمومه، فكل عمل صح اطلاق مسمى العمل الصالح عليه، فانه مما يحب الله فعله في هذه الأيام، قل هذا العمل او كثر، كل على حسب طاقته، واستطاعته.
فالتسبيحة الواحدة في هذه الأيام ليست بالثواب كأي تسبيحة فيما سواها من أيام الدنيا، ومثل ذلك عموم الذكر، والصدقات على الأهل والأرحام وسائر أهلها، فإن فعلها في هذه الأيام أعظم شأنا وثوابا عند الله جل وعلا عما سواها من الأيام.
ولعل أقل هذه الأعمال كف العبد اذاه عن غيره، فان ذلك صدقة يتقرب بها الى الله، وهذا مما ينبغي الا يغفل عنه العبد في هذه الايام المباركة.
في الصحيحين من حديث أبي ذر: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: (تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك). متفق عليه.
فكل شر بالفعل كان او بالقول، يجب على العبد الإمساك عنه في حياته كلها، لكنه في هذه العشر آكد وأوجب.
فترك المعصية ابتغاء وجه الله ومرضاته، قربة الى الله ينبغي الا نتغافل عنها، وفي الحديث القدسي: ( وَإِنْ تَرَكَهَا – أي : السيئة – مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ) رواه البخاري (7501) .

4- الحرص على ترك المعاصي وان كان ذلك مما يجب على العبد في سائر أيام عمره، لكن ذلك في هذه الأيام المباركة آكد وأوجب.
فاذا كان من المستحب للعبد المسلم المسارعة الى الصالحات في هذه الأيام المباركة، فمن باب اولى تركه لما سواها؛ من المنهيات، والمحرمات، والشبهات، فترك ذلك لأجل الله من صالحات العمل التي يحبها الله من عبده في هذه الأيام المباركة.

5- فضل البذل والعطاء في سبيل الله، وفي سبيل نصرة دينه وشريعته، مالم يترتب على العبد حرج في نفسه او على من يعول، ووجه ذلك منعه صلى الله عليه وسلم سعدا من التصدق بكل ماله: بقوله: ” الثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ” متفق عليه (ص 215).

6- بيان فضل العبادة في وقت غفلة الناس وانشغالهم، وأن الثواب فيها مضاعف ومزيد، وذلك لما يقع من الناس في هذه الأيام من الانشغال بالعيد والاستعداد له بالمطعم والملبس، فجعل الانصراف عن هذا وعدم الإنشغال التام به والاقبال على الله بفعل الصالحات من أسباب مضاعفة الأجور وتحصيل مراتبها الرفيعة العالية.

7- استحباب تلمس حاجات الفقراء والمساكين في هذه الأيام المباركة؛ لدخول هذا العمل في عموم العمل الصالح، حتى يدخل العيد عليهم وهم في حال حسنة، لا يمنعهم الفقر او الحاجة من مشاطرة اخوانهم أفراح العيد وبهجته.

8- دعوة المسلم الى اغتنام مواسم الخير، وعدم التكاسل او التفريط فيها، حتى تصيبه نفحات الله فيها فيسعد ويغنم.

9-ان الإيمان قول وعمل ونية؛ فكما ان الإيمان بالله إعتقاد ونية، فهو كذلك سعي وعمل، فالعمل الصالح برهان صادق على صفاء المعتقد ونقائه غالبا، وشواهد هذا كثير في كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

10-أن العبد لن يتميز او يرقى عند الله الا بصالح عمله وحسن سعيه في الدار الدنيا، فالأيام التي جعلها الله أوعية أعمال الخلق، لا تتفاضل عنده الا بصالح أعمالهم واجتهادهم الصادق في الفوز بجنته ورضوانه، قال الحق جل وعلا: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13].

11-استحباب نشر البشارة بين الناس، خصوصا اذا ترتب على نشرها الخير ومنفعة الناس.

12-ان الأعمال الصالحة تتفاوت عند الله في الثواب والأجر، بناء على المنافع التي تترتب على فعلها، فرغم عظم الجهاد في سبيل الله، والذي تحمى به بيضة الإسلام، الا أن السعي في قضاء حوائج الناس واعانتهم عليها، وخصوصا في أيام فرح المسلمين أفضل وأعظم عند الله.

13-ان للمسلم حرية التصرف بما يملك، مالم يتسبب تصرفه به في مصادمة مقاصد الشرع وضرورياته الخمس؛ من الدين، والنفس والمال والعقل والعرض.

14-جواز المخاطرة بالنفس او المال، اذا ترتب عليها مصلحة أكبر او أرجح، من ذلك ما جاء في قصة غلام نجران حين ضحى بنفسه، في سبيل دين الله، وهداية قومه الى الطريق المستقيم.

15-أن ثواب فعل العبادة مضاعف على قدر مشقتها، وفي الحديث: «أجرك على قدر نصبك» متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -معقبًا على النووي في قوله: “ظاهر حديث «أجرك على قدر نصبك» أنَّ الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النَّصَب والنفقة”-: “وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمُطَّرد، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض، وهو أكثر فضلًا وثوابًا بالنسبة إلى الزمان، كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليالٍ من رمضان غيرها، وبالنسبة للمكان، كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعتين في غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية، كصلاة الفريضة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكَدِرْهَمٍ من الزكاة بالنسبة إلى أكثر من التطوع”. (فتح الباري [3/ 611].

والحمد لله رب العالمين،،،

(المصدر: مكتبة صيد الفوائد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى