عذرا؛ شهر رمضان للتقوى وليس لاستحمار الشعوب!
بقلم حمزة الغانمي
أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي (يوزف غوبلز؛ وزير الإعلام النازي)، لا أشاهد التلفاز ولا أحب مشاهدته، لكن في بعض الأحيان عندما أرى بعض البرامج التافهة وكذلك بعض المحتويات؛ التي تنتجها القنوات التلفزيونية المتحيزة إلى فئة معينة، يحز ذلك في قلبي، خصوصا إذا كان إستغلالهم ذاك لطبقة معينة، وفي فترات معينة أيضا، مثل شهر رمضان، فعوض أن يوفروا للشعوب ما يقتاتون به، يقدمون لهم ما يملأ رأسهم من التفاهات كي يكون عبارة عن ربوتات يتحكم فيها متى وكيف يشاء.. وكذلك يقدون لهم ما يخرب أخلاقهم، حتى أضحى الواحد لا يستطيع أن يشاهد التلفاز مع أفراد عائلته، هذا طبعا إذا كان لديه ولو شبه ضمير، إذا لم يتم تدجينه مسبقا من خلال الإعلام نفسه. لكن قبل أن نخوض في التفاصيل لنعرف ما هو الإعلام؟ وكيف يتم استغلاله في رمضان؟
مصطلح إعلام يطلق على أي وسيلة أو تقنية أو منظمة.. سواء كانت عامة، أو خاصة، رسمية أو غير رسمية، مهمتها هو نقل المعلومات ونشر الأخبار، ولا يقتصر دوره في نقل الأخبار فقط، بل قد يتناول أمورا أخرى مثل الترفيه، أو حتى تضليل الشعوب واستعبادهم.. فالإعلام يعتبر أقوى كيان على الأرض، لديه القدرة على جعل البارئ مذنبا والعكس صحيح، وهنا تكمن قوته؛ لأنه يسيطر على عقول الناس وقد يؤدي إلى توجيه أفكارهم بحيث يجعل طبقة من الناس تفكر على نمطه، ومن ذلك حينما يريد أن يخفي أمرا معينا، أو يغطي أحداثا معينا يرسل سمومه لتوجيه الرأي العام.. فهو الذي يستطيع أن يغير من جميع أفكار الناس؛ سواء كانوا شبابا، أو كهولا، أو أناس بسطاء لم يسبق لهم التمدرس، فيكون هدفه الأول والأخير أن يجعل منهم مقثفين مقيدين بتلك الأفكار التي يتم تلقينهم إياها.
أما في الدول الديموقراطية؛ لذا الإعلام وظيفة تبصير الجمهور وتكوين لديهم مناعة ضد كل ما هو مزيف وخادع، بحيث يكون دور الإعلام النقد والرقابة، لكي يعلم المتلقي ما كان يجهله.. لكن عندما نطلع على إعلامنا نجذ الأمر معكوسا، بل هو بدوره يزيد من نسبة تخلف الناس واستحمارهم؛ من خلال البرامج التافهة وغيرها من إعلانات وأفلام ومسلسلات التي يكون مضمونها تافها، وتبث في الإنسان كل ما هو مخالف لفطرته؛ من خيانة زوجية، إلى كذب وزور، وكذلك ربط الناشئة من الشباب بأمور لا أخلاقية، وفسافس الأمور.. خصوصا عند حلول شهر رمضان المبارك، حيث يزداد نسبة الإقبال على مشاهدة التلفاز بشكل كبير.
هذا يشكل فرصة ذهبية للشركات المنتجة سواء للإعلانات التي تستغل الموقف لتسويق منتجاتها، أو تلك الشركات المنتجة للبرامج والأفلام والمسلسلات.. فيكون هاجس كل واحد هو الربح أكثر، وتقديم منتج لم يسبق له مثيل -بطبيعة الحال في التفاهة-، نهيك عن أولائك الذين يعلنون الولاء لجهة سواء كان ولاؤهم ذاك علانية، أو أنهم عبارة عن أجندات في الخفاء.. بحيث يخدمون إديولوجيات معينة.. ويدجنون بمنتجاتهم تلك الطبقة المسحوقة، فالكل ضد الطبقة المهمشة، فنانون جعلوا من أنفسهم لوحات إشهار لتزين منتجات الشركات التي يملكها أصحاب النفوذ في البلاد، الذين لولا إستغلالهم للفقراء ما وجدوا، مما يجعلهم يزيدون من وتيرة المنافسة؛ استعباد أكبر يساوي ربح أكبر.
حتى أضحى من يسمون أنفسهم فنانون قبل أن يطلقوا تلك التفاهات التي يسمونها غناء، وما هي بغناء، يحرصون على أن تكون كلمات تلك الأغاني سهة التعويض بكلمات أخرى إشهارية التي تطفوا علينا عند حلول شهر رمضان من كل سنة، فكل مرة يطلون علينا بتفاهة جديدة.. فواقع الإعلام في رمضان مؤسف جدا، وليس الأمر مقتصر على إعلامنا فقط بل سائر الإعلام العربي، فلكل يستغل رمضان للترويج على ما هو تافه ومنحط من أجل هاجس الربح هذا إن أحسن الظن! فعوض أن نستغل شهر رمضان في أحسن القيم والمبادئ التي ما أتى إلا ليدعوا إليها، فنحن خلافا لذلك بالكلية، بل يجب على الإعلام أن يوفر ما يتناسب مع قيم وروحانيات الشهر الفضيل، بدلا من أن نختذلها فى التفاهات والإسفاف الذى لا ينتهى حتى أصبح شهر رمضان هو الموسم الذى يتم خلاله عرض الاعمال الدرامية التى لا يتناسب الكثير منها مع روحانيات الشهر.
فشهر رمضان لم يجعل كي يستغل في استحمار الناس واستعبادهم، بل هو شهر التقوى، وفرصة لكي يحس الغني ولو بجزء مما يعيشه الفقير حياته كلها، لكن المشكلة لا تكمن في الذي يستغل فقط، بل حتى أولائك الذين رضوا بأن يكون فئران تجرى عليهم -كل عام وكل فترة- إختبارات جديدة، من أجل معرفة المستغل لهم هل هم زادوا تخلفا أم أنهم تغيروا كي تتغير طريقة إستغلالهم.. فعذرا للجميع أنتم من إستحمرتم أنفسكم أولا قبل أن تستحمروا!
(المصدر: مدونات الجزيرة)