عبد القدير خان.. عالم غير مصير أمته
بقلم سيد أمين
ودّعت دولة باكستان الأحد الماضي 10 من اكتوبر/ تشرين الأول الدكتور عبد القدير خان الشهير بأبي القنبلة النووية الباكستانية.
يعد خان واحداً من أكثر الشخصيات العلمية المسلمة اثارة للاحترام والتقدير في العالم الإسلامي، ليس لنجاحه الباهر في انتاج القنبلة النووية الباكستانية لتكون أول قنبلة نووية اسلامية فحسب، بل أيضا لامتلاكه الطريقة العلمية التي اختزل بها الوقت الذي تستغرقه صناعتها إلى الربع تقريباً.
هذا الاختزال مكن باكستان من مفاجأة العالم بنجاحها في تصنيع قنبلة نووية وسط دهشة القوى الغربية التي اعتقدت أن المساعي الباكستانية لامتلاك سلاح ردع نووي يجابه القنابل النووية الهندية ما زالت في طورها الأول، وأنها يمكنها عرقلتها بوسائل متعددة كالحصار والانقلابات العسكرية خاصة مع طول فترة التصنيع التي تصل إلى عقدين من الزمان.
فضلا عن أن هذه المساندة العلمية التي قدمها خان حققت لباكستان نصرا استراتيجيا كبيراً في صراعها المحتدم مع الهند، ونسبت لها ثقلا عسكريا ودوليا في مواجهة هذه الجارة العملاقة التي سبقتها بإجراء أول تفجير نووي لها عام 1974 وتتميز بثروتها السكانية الهائلة البالغة مليارا ونصف المليار نسمة تقريبا.
لذلك فبعد التفجير الهندي مباشرة، قامت باكستان باللجوء إلى فرنسا لتطوير مفاعلها النووي الصغير الذي اشترته من كندا عام 1972 وقام علماء باكستانيون بتطويره، إلا أن فرنسا انسحبت بعد الضغوط الامريكية ما دفع رئبس الوزراء ذو الفقار على بوتو إلى تكليف عبد القدير خان بإدارة المشروع فأنجزه في ست سنوات فقط.
مسيرة خان
كعادة كل النوابغ في بلاد العالم الثالث، كان كلما تقدم لوظيفة يقابل بالرفض حتى بعد حصوله على درجة الماجستير بزعم قلة خبرته.
لكن كان للقدر كلام آخر حيث دفع ذلك الرفض عبد القدير خان ليكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ ويعود ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن من دون رد أيضا، إلى أن تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية العالمية ليشغل وظيفة كبير خبراء المعادن لديها فصار بنبوغه أحد أبرز علمائها.
وعقب الهزيمة الثقيلة لباكستان في حرب عام 1971 ثم قيام الهند بتفجيرها النووي 1974، رأي خان أنه حان الوقت الذي يقدم فيه خدماته لبلاده فأرسل إلى رئيس الوزراء الباكستاني رسالة يعرض فيها المساعدة فاستجاب لها الثاني بكل ترحاب.
يقول “أبو القنبلة النووية الباكستانية ” في مقال له إن: “أحد أهم عوامل نجاح برنامجنا النووي في زمن قياسي، كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك، كان الحفاظ على أمن الموقع سهلاً بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي.”
وقالت بي نظير بوتو – ابنة ذو الفقار علي بوتو- والتي أصبحت رئيسة للوزراء فيما بعد، إنها هي أيضا لم يكن يسمح لها بزيارة المفاعل وإن والدها أخبرها أن أول قنبلة كانت جاهزة بحلول العام 1977.
ويعود الفضل في ذلك الانجاز السريع لخبرة أبي القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.
تشويه عبدالقدير خان
ما إن أعلنت باكستان عن تفجيرها النووي الأول حتى ثارت حفيظة أمريكا وفرضت حصاراً اقتصاديا خانقاً عليها، خاصة أن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون صدقوا على عدم تطوير باكستان لأسلحة نووية كشرط تشريعي يمنحهم حق تمويلهم المناهضين للسوفييت في أفغانستان عبر الاراضي الباكستانية.
فلما استتب الامر وتأكد أمر امتلاك باكستان للقنبلة النووية، وجهت سهام التشويه إلى خان نفسه فاتهمه بحث أجراه معهد كارينجي للسلام بسرقة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم من المنشأة الهولندية التي كان يعمل بها.
وهو قول مردود عليه بأن معجزة خان ليست في التكنولوجيا النووية نفسها، ولكن في الطريقة التي استخدمها لتسريع إنتاج القنبلة.
ثم اتهمته الولايات المتحدة بتبادل الأسرار النووية مع إيران وكوريا الشمالية وليبيا والعراق في التسعينيات وهي الاتهامات التي استخدمتها واشنطن لإقناع شركائها الغربيين بمؤازرتها في فرض العقوبات على باكستان.
وكانت أقسى المكائد التي تعرض لها خان تلك التي اتته من بني قومه حيث وضعه الديكتاتور الباكستاني الجنرال برويز مشرف عام 2001 رهن الإقامة الجبرية، على خلفية الاتهامات الأمريكية، فيما رد خان باتهام برويز مشرف بالعمل على تطبيق الأجندة الأمريكية في البلاد.
ومع تزايد الضغوط الخارجية على باكستان، أراد خان أن يجنبها الصدام مع أمريكا فظهر في الرابع من فبراير/شباط 2004 على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب أسرار نووية إلى دول أخرى، نافيا أية مسؤولية لبلاده فيها، ومع التضامن الشعبي والاسلامي الكبير معه لم يكن أمام حاكم باكستان آنذاك إلا العفو عنه.
الغريب أن رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار القنبلة النووية تعرض لانقلاب عسكري من قبل الجنرال ضياء الحق حيث سجن ثم تم إعدامه ووضعت ابنته أيضا رهن الإقامة الجبرية.
رحم الله عبد القدير خان الذي تعلم علما نافعا نفع به وطنه وأمته ودينه.